| آه لو صبرنا 2747 زائر 12-02-2011 د. عبد الله بن صالح الخليوي | كلمة ردّدها ويردّدها وسيردّدها الكثير: آه لو صبرنا لكان كذا وكذا، والصبر ورد في كل الكتب السماوية كفضيلة من الفضائل الإنسانية والسمو الأخلاقي والتربية الإيمانية. حتى في الأمثال الشعبية لمختلف الشعوب تجد للصبر مكاناً مرموقاً بينها، والله -عز وجل- يقول: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ)، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، و(إن الله مع الصابرين)، (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ)، (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، وفي الإنجيل: من يصبر ينل، أما في السيرة النبوية فللصبر قامات ومقامات؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمر على آل ياسر وهم يُعذّبون في الهجير ووهج الشمس اللاهب فيواسيهم قائلاً: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليُتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لايخاف إلاّ الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، وعمر بن الخطاب الصحابي الجليل وأمير المؤمنين وثاني المبشرين بالجنة يقول: وجدنا خير عيشنا بالصبر، وقال علي كرم الله وجهه: بُني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل، وقال أيضاً: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له، ولا إيمان لمن لا صبر له، وقال أبو الدرداء: ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر. اعلمْ أن الإيمان تارة يختص في إطلاقه بالتصديقات بأصول الدين وتارة يختص بالأعمال الصالحة الصادرة منها، وتارة يُطلق عليهما جميعاً، وللمعارف أبواب، وللأعمال أبواب، ولاشتمال لفظ الإيمان على جميعها كان الإيمان نيفاً وسبعين باباً، ولكن الصبر نصف الإيمان باعتبارين وعلى مقتضى إطلاقينأحدهما: أن يُطلق على التصديقات والأعمال جميعاً، فيكون للإيمان ركنان: أحدهما اليقين والآخر الصبر، والمراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله تعالى عبده إلى أصول الدين والمراد بالصبر: العمل بمقتضى اليقين؛ إذ اليقين يعرفه أن المعصية ضارة، والطاعة نافعة، ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلاّ بالصبر وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل، فيكون الصبر نصف الإيمان بهذا الاعتبار، ولهذا جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما فقال: "من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر"، والاعتبار الثاني: أن يُطلق على الأحوال المثمرة للأعمال لا على المعارف، وعند ذلك ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة أو يضره فيهما، وله بالإضافة إلى ما يضرّه حال الصبر، وبالإضافة إلى ما ينفعه حال الشكر، فيكون الشكر أحد شطري الإيمان بهذا الاعتبار، كما أن اليقين أحد الشطرين بالاعتبار الأول، وبهذا النظر قال ابن مسعود رضي الله عنه: الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر، وقد يرفع أيضاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الصبر فضيلة ومنقبة لاشك في ذلك، والسؤال الذي يطرح نفسه: كم من الفوائد والمنافع فاتت على الكثير منا أفراداً وجماعات ودولاً بسبب تفويت هذه الفضيلة!! كم من المآسي حدثت بسبب الاستعجال!! لماذا نستعجل قطف الثمرة؟ لماذا نستعجل الحكم على الناس؟ لماذا نتأفف من عمل البيت؟ لماذا لانحتمل الآخرين؟ لماذا لانصبر على نصب الحياة ولأوائها؟ لماذا لاتصبر الزوجة على زوجها والزوج على زوجته والوالد على ولده؟ إن الإمامة في الدين لاتُنال إلاّ بالصبر واليقين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان سيد الصابرين، ولولا ذلك ماقامت دعوته، ولما انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. كم تحمل من الأذى في سبيل دعوته وهو صابر محتسب حتى دميت قدمه ووضع سلا الجزور عليه وهو ساجد لله!! ومع ذلك صبر واحتسب فكانت له الغلبة والظفر. لو أحصينا المصائب والبواقع التي حدثت بسبب الاستعجال وقلة الصبر لما وسعتنا بحار الأرض مداداً للحبر الذي نكتب به تلك القصص، وفي المثل الشعبي المصري: "لو القاتل صبر على المقتول مات لوحده"، ومعظم الجرائم التي حدثت وتحدث بسبب الغضب الناتج من قلة الصبر حين يستعجل الإنسان قطف الثمرة أو يرضي غيظاً حبيساً في صدره، غير مبال بالنتائج التي تترتب على هذا الاستعجال في القتل، وكذلك الرجل الذي يرتكب الفواحش لايطيق صبراً على تلك النار المضطرمة بين جوانحه، نار الرغبة والشهوة فيطلقها بدون حسيب ولا رقيب، ولو صبر لكان خيراً له وأقوم، كذلك الأب المتهور الذي يبالغ في تأديب ولده فيصيبه بعاهة يندم عليها العمر كله، كما حدث مع طفل الأربع سنوات الذي مزق قطعة الأثاث الجديد بسكين كانت في يده ليعاقبه الأب الظالم بربط يديه الصغيرتين ثلاثة أيام، فيقرر الطبيب بعدها بتْر كفّي الصغير الذي كانت ردة فعله سياطاً يتلظى بها الأب مابقي له من عمر: بابا رُدّ لي كفّي، ولا أعود لها ثانية!! لو صبر هذا الأب ولم يستعجل (في فورة غضب) عقوبة طفله ما حدث الذي حدث، مما رسم مشهداً درامياً تكظ له العين دمعاً ودماً. وكم من كلمة برحت مكانها فندم الانسان عليها دهراً من عمره!! ولو ما برحت وارتدت على أعقابها لكان في ذلك الراحة والأمان. حروب الدول الحرب العالمية الأولى والثانية كلنا نعلم أسبابها وتداعياتها كان الصبر فيها غائباً واستعجال الظفر والانتقام حاضراً، فكانت المأساة الرهيبة وملايين القتلى والجرحى والمشردين. ومن أعظم أنواع الصبر الصبر على طاعة الله -عز وجل- والصبر عن المعصية، والصبر على المصائب، والصبر على المشقة في الدعوة إلى الله، والصبر على متاعب الدنيا وهمومها وغمومها؛ فالصبر على الطاعة يحتاج إلى مجاهدة النفس ومدافعة الهوى؛ فإسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، كما جاء في الحديث رباط وصبر ومجاهدة، والامتناع عن الطعام في نهار رمضان يحتاج إلى صبر ولو ماصبر المسلم لفسد صومه، وإتقان الصلاة والمحافظة على أركانها وشروطها وواجباتها وتأديتها على الوجه الأكمل يحتاج إلى صبر، وحفظ القرآن والمداومة على قراءته يحتاج إلى صبر، وغض البصر والامتناع عن الحرام يحتاج إلى صبر، واحتساب المصيبة يحتاج إلى صبر، واحتساب ما يصيبك والصبر عليه ماحٍ للذنوب ومكفر للخطايا. ولعلنا بعد هذا الاستعراض الموجز ندرك معنى قول الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه- حين قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر
| | |