لقد حثَّ الشارع الحكيم على المُضِيِّ في التكسُّب والعمل، بل قرَن مَن يفعَل ذلك بِمَن يُجاهِد في سبيل الله لقتال الكفار؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، بل حثَّ الشارع الحكيم على ذلك؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان، إلاَّ كان له به صدقة))[40].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ الله داود كان يأكل من عمل يده))[41].
وقد كان رسول الهدى - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرَ مثالٍ لتعليم الناس السعي في طلب الرزق، ولو وقَفنا عند هذا الحديث لوجدنا فيه الفوائد الكثيرة والدروس المهمة، فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به عن الناس، خيرٌ له من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منَعَه، ذلك بأنَّ اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى))؛ أخرجه مسلم، وحين جاءَه رجلٌ يطلب منه - عليه الصلاة والسلام - مالاً ويشكو إليه داء الفقر وقلَّة ذات اليد، صنع – عليه الصلاة السلام - موقفًا إيجابيًّا، وحوَّل فيه النِّقمة إلى نعمة؛ فعن أنس بن مالك أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله فقال: ((أمَا في بيتك شيء؟))، قال: بلى، حِلْس - الحلس: كساء يوضع على ظهر البعير أو يفرش في البيت تحت حر الثياب - نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب - والقعب: القدح - الإناء - نشرب فيه الماء، قال: ((ائتني بهما))، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((مَن يشتري هذين؟))، قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، وقال: مَن يَزِيد على درهم؟ - مرتين أو ثلاثًا - قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال: ((اشترِ بأحدهما طعامًا وانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخَر قدومًا فائتني به))، فشد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عودًا بيده ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا))، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نكتةً في وجهِك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقِع - والفقر المدقع: الشديد، وأصله من الدقعاء وهو التراب، ومعناه: الفقر الذي يُفضِي به إلى التراب؛ أي: لا يكون عنده ما يتقي به التراب - أو لذي غرم مفظع - والغرم المفظع: أن تلزمه الدية الفظيعة الفادحة، فتحل له الصدقة ويُعطَى من سهم الغارمين - أو لذي دم موجع - الدم الموجع: كناية عن الدية يتحمَّلها، فترهقه وتوجعه، فتحل له المسألة فيها)))[42]، فهو هنا - عليه الصلاة السلام - صنع له البديل الأفضل، والطريقة المثلى لعلاج ما به من فقر وفاقة، وكما يقول المثل الدارج: "لا تطعمني كلَّ يوم سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد".
مع أنَّه - عليه الصلاة والسلام - بإمكانه أن يقول له: يجب عليك ألاَّ تكثر السؤال، وينبغي عليك أن تعمل، ولا بدَّ أن تفكِّر في حلِّ مشكلتك، ويلزمك... إلى غير ذلك من العبارات بدون تقديم حلول واقعيَّة، وخطط عمليَّة.
1– الزكاة:
لعظَمِ أهمية الزكاة فإنَّ من بين ستة آلاف آية في القرآن الكريم، اختصَّت اثنتان وثمانون منها بالزكاة، وذلك بخلاف أحاديث سيدنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهناك شروط ضرورية لضمان نجاح الزكاة في التطبيق المعاصر، وخصوصًا إذا قامت عليها مؤسسة، ومن الشروط المهمَّة لكي تنجح الزكاة في تحقيق أهدافها وآثارها:
1- الأخْذ بنظرية الموسعين في إيجاب الزكاة تحت الضوابط الشرعيَّة في هذه المسألة.
2- تحصيل زكاة الأموال ظاهرة وباطنة.
3- حسن الإدارة التي تُشرِف على جباية الزكاة وتوْزيعها.
4- حسن التوزيع وقيامه على أسس سليمة، بحيث لا يُحرَم من الزكاة مَن يستحقُّها ويأخذها مَن لا يستحقها، أو يأخذ المستحق ما لا يُغنِي، أو يأخذ الأحسن حالاً، ويترك الأشد حاجة"[43].
ولهذا فقد كان كبارُ الاقتصاديين المسلمين يدعون لعلاج مشكلة الفقر في المجتمعات الإسلاميَّة عن طريق نظريَّة الزكاة لعلاج الفقر، ومنهم الدكتور محمد شوقي الفنجري، وحين سأله أحد الصحافيين: البعض يرى في قصر علاج مشكلة الفقر على أموال الزكاة تشجيعًا للكسالى على عدم العمل، فما ردُّكم؟
فأجاب: "الإسلام لم يشجع أبدًا على الكسل وعدم العمل، بل حثَّنا على الإنتاج، ولكن ماذا يفعل مَن لا يقدر على العمل لأسباب خارجة عن إرادته كعجز أو شيخوخة؟ هذه هي الفئة التي تستحقُّ الزكاة، والتي يجب على كلِّ مسلم ثري أن يُعطِيَها من ماله ما يضمن لها حدَّ الكفاية؛ أي: المستوى اللائق للمعيشة، وليس مجرَّد الكفاف"[44].
2- ضرورة تفعيل شبكات التكافل الاجتماعي الأهليَّة:
إنَّ تحقيق مبدأ التكافُل الاجتماعي على مستوى المجتمع، وتحقيق هذه العدالة مع دعْم الجمعيات الخيرية الإسلامية لإغاثة الشعوب الفقيرة، لَهو من أنجح الخطط لنشْر الإسلام، وإلا فسيكون الفقر والمرض هما الطُّعم لتلك الدول للوقوع في شباك التنصير.
وذلك لأنَّها أكثر كفاءة من الشبكات الحكومية، وتُقاس كفاءة شبكات التكافُل الاجتماعي من ثلاث زوايا:
• مدى قدرتها على جباية الموارد المستحقَّة، واستيعابها في أنظمتها المالية والإدارية.
• تكاليف إدارة هذه الشبكات، ونسبة التكاليف إلى الموارد المالية.
• مدى كفاءة الشبكات في توصيل المراد إلى مستحقيها[45].
3- إنشاء صندوق لعلاج الفقر:
وذلك ليكون هذا الصندوق في كلِّ دولةٍ من الدول الإسلامية مُعِينًا للفقراء في قضاء حوائجهم والصرف عليهم، ومحاولة تشغيلهم قدر الإمكان، بدل أن يكون الأمر فقط مجرَّد صدقات وأعطيات تصبُّ في جيوب الفقراء فيصرفونها، ولا يتعلَّمون كيف يقتاتون، ولا يدخلون في مخارط العمل ودواليب الشغل.
وممَّا يُساعِد على تنمية صندوق مكافحة الفقر القيامُ بحملات تبرُّع خيرية، هدفها معالجة ظاهرة الفقر في العالم الإسلامي؛ بحيث تُوجَّه تبرُّعات القادرين من المسلمين لكلِّ الفقراء، وإحياء ثقافة الوقف داخل المجتمعات الإسلامية، مع تشجيع وتحفيز رجال الأعمال على عمل وقفيَّات يعود ريعُها على الفقراء.
4- تكفُّل الأغنياء ببعض الفقراء:
يقول الإمام ابن حزْم: "وفرضٌ على الأغنياء من أهل كلِّ بلدٍ أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم، فيُقام لهم ممَّا يَأكُلون من القوت الذي لا بُدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يُكِنُّهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة"[46]، وإنَّ مثل هذا التكفُّل أو كفالة الأغنياء للفقراء لا بُدَّ وأن يصل إلى درجة حدِّ الكفاية، ولقد قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب: "إذا أعطيتم فأغنوا"، وقول الخليفة الرابع علي بن أبى طالب - رضي الله عنه -: "إنَّ الله فرَض على الأغنياء في أموالهم بقدرِ ما يَكفِي فقراءَهم".
ويقول الإمام الماوردي: "فيدفع إلى الفقير والمسكين من الزكاة ما يُخرِجه من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى"[47]، كما يقول: "تقدير العطاء معتبر بالكفاية"[48].
ويقول الإمام السرخسي: "وعلى الإمام أن يتَّقي الله في صرف الأموال إلى المصارف، فلا يدع فقيرًا إلا أعطاه من الصدقات - أي: أموال الزكاة ببيت المال - حتى يغنيه وعياله، وإن احتاج بعضُ المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شيء، أعطى الإمام ما يحتاجون من الأموال الأخرى ببيت المال"[49].
ويقول الإمام ابن تيميَّة: "الفقير الشرعي المذكور في الكتاب والسنة الذي يستحقُّ من الزكاة والمصالح ونحوها، ليس هو الفقير الاصطلاحي الذي يتقيَّد بلبسة معينة أو طريقة معيَّنة، بل كل مَن ليس له كفاية تَكفِيه وتَكفِي عياله فهو من الفقراء والمساكين"[50].
5- استِنهاض الأمَّة كلها للاستِفادة من مواردها:
ونقصد بذلك كلَّ الأمَّة؛ حكامًا ومحكومين، مثقَّفين وعامَّة، وذلك لئلاَّ يكون ديدن بعض الناس احتقار أو التقليل ممَّا لدى الأمَّة والدول المسلمة من كفاءات، فنحن لدينا مواد خام تجعلنا من أغنى الأغنياء، ولكن نحن في حاجةٍ لاستِغلال هذه الموارد.
6- ضرورة التكامل الاقتصادي الإسلامي:
يلخِّص عمر بن الخطاب ذلك بقوله: "ما من أحدٍ إلاَّ وله في هذا المال حقٌّ، الرجل وحاجته، الرجل وبلاؤه (أي: عمله)"، ثم في قوله: "إني حريص على ألاَّ أدع حاجةً إلاَّ سددتها ما اتَّسَع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا آسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف".
ولذلك وجدنا أنَّ هذه السياسة العمريَّة الراشدة آتَتْ أكلها؛ ففي "تاريخ الخلفاء"يذكر السيوطي: "قال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، وقد أغنى عمرُ الناس".
ولقد طُبِّقت أحكام التكافُل الاقتصادي في صدر الدولة الإسلامية وتحقيق الخير للمسلمين جميعًا، والنموذج العملي لذلك عندما نادى عمرُ بن الخطاب عمرَو بن العاص في مصر وقال: واغوثاه، فأجابه عمرو بن العاص بقافلةٍ من الطعام والشراب أولها الفسطاط وآخرها المدينة المنورة.
إنَّ دول الخليج تمتاز بأموالها، ودولة مصر الشقيقة تمتاز برجالها وكثرة الأيدي العاملة، والسودان يمتاز بخصوبة أرضه ووجود قرابة 200 مليون فدان صالح للزراعة، والباكستان كذلك، ففي العالم الإسلامي إذًا عناصر الإنتاج التي تُبعِدنا عن خط الفقر - بإذن الله - وهي: العمل - رأس المال - الموارد الطبيعية - المنظم والأسس الإدارية.
7- العمل على تحرير العملات النقدية في البلاد الإسلامية من التبعية المعلقة بالدولار الأمريكي:
لكلِّ عملٍ نتائجُه وإيجابيَّاته وسلبيَّاته - كما لا يخفى - وإنَّ عمليَّة فكِّ ارتِباط عملة الدول العربية والإسلاميَّة قد يكون فيها نوعٌ من السلبيَّة في بداية فكِّ هذا الارتِباط، والذي يؤثِّر نوعًا ما على الاقتِصاد العام للدُّوَل العربيَّة والإسلاميَّة؛ إذ إنَّ فكَّ الارتِباط الحالي بالدولار يكلِّف الاقتصاد الإسلامي والدول الخليجية مثلاً الكثير؛ بسبب دفعها الفوارق السعرية ما بين الدولار والعملات الأخرى، ولكنَّنا بحاجةٍ إلى أن يفكِّر الساسة بما يخدم مَصالِح الدُّوَل الإسلاميَّة والعربيَّة؛ ليكون على الأقل بداية التدرُّج في التغيير بارتباط العملات بالدولار، وذلك بأن يكون هنالك فكٌّ لهذا الارتِباط في البداية جزئيًّا رويدًا رويدًا؛ لكي يكون هنالك فكٌّ كامل، وخاصَّة حين أُطلِق اليورو ليصبح عملة دوليَّة يمثِّل كتلة اقتصاديَّة من أقوى الكُتَل في العالم.
إنَّ فكَّ ارتِباط كثيرٍ من عملات الدول العربية والإسلامية بالدولار من شأنه أن يكون له دورٌ أكيد في تقليل عمليَّة التضخُّم النقدي، بل إنَّ هذا الفكَّ سيرفع سعر العملات النقدية العربية والإسلامية كنتيجةٍ طبيعية لاستقلاله السعري.
8- دراسة التجربة الماليزية في تخفيف نسبة الفقر:
"فقد استَطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970 - 2000م) تخفيض معدَّل الفقر من 52,4% إلى 5,5%، وهو ما يعني أنَّ عدد الأسر الفقيرة تَناقَص بنهاية عقد التسعينيَّات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عمَّا كان عليه الحال في عقد السبعينيات، ويتوقَّع إذا استمرَّت جهود الحكومة في محاربة الفقر على نفس الوتيرة أن يصل معدَّل الفقر بحلول العام 2005 حوالي 0,5%، ويكون الفقر المدقع قد تَمَّ القضاء عليه قضاءً مبرمًا"[51].
وتقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"؛ وعليه؛ فإنَّ مكاسب التطوُّر الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابيًّا على المواطنين في تحسين نوعيَّة حياتهم بما يَشمَل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أوَّل المستفيدين من هذا النموِّ الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى والمجموعات العرقية الأكثر فقرًا في المجتمع والأقاليم الأقل نموًا[52].
"ولكي تتحقَّق عمليَّة التكامل الاقتصادي، فلا بُدَّ من اتِّخاذ عدَّة خطوات، منها: أولويَّة التعامُل مع الدول الإسلامية وفقًا لفقه الأولويَّات، واستِثمار أموال المسلمين في بلاد المسلمين، وتحقيق الأمن الشرعي للمال؛ ليؤدِّي وظيفته التي خُلِق من أجلها، والأولويَّة في فرص العمل للمسلمين؛ لعلاج مشكلة البطالة، ورفع قيود التجارة وما في حكمها بين الأقطار الإسلاميَّة، وإنشاء الوحدات الاقتصاديَّة الكُبرى بمساهمة الدول الإسلاميَّة، والتدرُّج في تطوير وتوحيد السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية بين أقطار الدول الإسلامية، وإنشاء نظام المعلومات الاقتصادية وشبكات الاتِّصالات الاقتصاديَّة بين الأقطار الإسلاميَّة، والتفكير في تحرير العملات النقديَّة في البلاد الإسلامية من التبعيَّة المطلقة للدولار الأميركي، ومن المؤكَّد أنَّ الفكر والتراث الإسلامي تضمَّن نماذج من نُظُمِ التكامل الاقتصادي الإسلامي، يُمكِن إحياؤها لتقوم بدورها المُعاصِر في تحقيق التكامُل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية؛ منها: نظام السوق الإسلامية المشتركة، ونُظُم المشاركات في المشروعات الاقتصاديَّة المهمَّة، ونُظُم التبرُّعات والمساعدات الاقتصاديَّة، ونظام زكاة المال، والقروض الحسنة، والوقف الخيري، والتعويضات وقت الأزمات... وغيرها"[53].
احذروا من ثورة الفقراء:
إِذَا قَلَّ مَالُ الْمَرْءِ قَلَّ بَهَاؤُهُ --- وَضَاقَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَسَمَاؤُهُ
وَأَصْبَحَ لاَ يَدْرِي وَإِنْ كَانَ دَارِيًا --- أَقُدَّامُهُ خَيْرٌ لَهُ أَمْ وَرَاؤُهُ
"لقد أصبح العالم جزيرة أغنياء تُحِيط به بحار الفقراء"، إنَّها مقولةٌ رَنَّانةٌ كان يقولها رئيس جنوب إفريقيا "مبيكي" التي ألقاها في خطابه بمناسبة مؤتمر الأرض الذي أُقِيم بالعاصمة جوهانسبورغ: "أصبح العالم جزيرة أغنياء تحيط به بحار الفقراء".
ولأجل ذلك فلا بُدَّ أن تنهَض هبَّة حكوميَّة وجماهيريَّة شعبيَّة لمحاولة التخفيف من وَعْثاء الفقر، فإنَّ في ذلك تخفيفًا لحِدَّة الاحتِقان الذي تغَذَّتْ به الشعوب الفقيرة ضدَّ حُكَّامها، ولقد تكلَّم خُبَراء ومُتخصِّصون في خطَر ثورة الفقراء المسلَّحة؛ بسبب ما يُعانُونه من فقر وجوع وتهميش، فقال الدكتور عزت حجازي أستاذ علم الاجتماع: الفقراء لا يعانون الفقر المادي فقط، وإنما يعانون مشكلات اجتماعيَّة ونفسيَّة، مؤكِّدًا أنَّ هناك كثيرين انتَحروا بسبب الفقر، ومنهم مَن انحرَف بسبب شعوره بالتهميش.
واتَّهمت الدكتورةُ عواطف عبدالرحمن أستاذُ الصحافة بكليَّة الإعلام جامعة القاهرة الدولةَ بسياستها الحاليَّة، بأنها المسؤولة عن تكريس الفقر التقليدي، وإيجاد نوع جديد يُسَمَّى "الإفقار"، محذِّرة من خروج "الفقر المسلَّح" إلى الشارع في حال عدم مواجهة قضايا الفساد والإفساد الذي نَعِيشه.
ولأجل هذا فمن المهمِّ بمكانٍ أن تكون هنالك تحرُّكاتٌ واسعة وميدانية للوقوف مع الفقراء، ولقد كان الشعار العالمي (الذي أُجمع عليه لجميع تحرُّكات النداء العالمي لمكافحة الفقر لسنة 2007) هو: انهض وانتفض، يتبعه مطلب سياسي مُناسِب للسياقات المحلية والإقليمية، إنَّ ذلك يستكمل تحرُّك "انهض" للعام 2006 في حين نؤكِّد على كوننا "ننتَفِض" من خلال مطالب تدبيريَّة فعَّالة؛ بغية صقل نفوذنا السياسي).
لقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما آمنَ بي مَنْ باتَ شبعان وجارُه إلى جنبه جائع، وهو يعلمُ))؛ رواه البزَّار والطبراني في "الكبير" عن أنس - رضِي الله عنه.
فويل لِمَن نسي جاره وجوعه، وفقره ومسكنته، وانغمس في ترف الحياة الدنيا، واستمتع بزينتها وهو يسمع تأوُّهَ جاره، ولا يكاد يستمع إليه أو يُشفِق عليه أو ينظر في أمره، ولقد ذَمَّ الله - تعالى - المُترَفِين والمتنعمين بأصناف الطعام والشراب واللباس في حياتهم الدنيا ولَهْوهم عن غيرهم؛ فقال :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾ [الأحقاف: 20].
وعن أمثال أولئك قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أولئكَ قومٌ عُجِّلَتْ لهم طيباتُهم في حياتهم الدُّنيا، ونرجُو أنْ تكونَ لنا الآخرةُ))؛ رواه مسلم.
-----------------------------------------
[1]"لسان العرب": (7 / 176).
[2]"المعجم الوجيز": (348 - 349).
[3] "لسان العرب": (11 / 179 - 180).
[4] "المعجم الوجيز": ص503.
[5] "لسان العرب": (357).
[6] المشكلات الاقتصاديَّة العامَّة والخاصة وانعكاساتها على الأسعار في دولة نامية على هذا الرابط:
http: / / www.yek-dem.com / moxtarat=1-12-6-2004.htm
[7] "النظام الاقتصادي في الإسلام"؛ لمدرس المادة أحمد الحربي، مذكرة خطية مكتوبة بخط اليد، ص1.
[8] "دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصاديَّة"؛ تأليف د. يوسف القرضاوي.
[9] انظر الرابط:
http: / / www.dw-world.de / dw / article / 0،، 1478726، 00.html
[10] أخرجه الإمام أحمد برقم (1948)، والنسائي في "سننه" برقم (9766)، وقال ابن حجر: حسن وله شاهد ("توضيح الأفكار": 2 / 389)، وقال العيني: صحيح ("عمدة القاري" 8 / 211)، وصحَّحه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (5480).
[11] قال العراقي (3 / 163): "رواه أبو مسلم الكشي والبيهقي في "الشعب" مِنْ رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد ضعيف"، وضعَّفَه الألباني في "مشكاة المصابيح" برقم (4979)
[12]"فيض القدير"؛ للمناوي.
[13] أخرجه النسائي برقم 5373، وأخرجه أبو داود برقم 1546، وقال النووي في "الأذكار" ص484: إسناده صحيح، وحسَّنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3 / 88)، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1547).
[14] أخرجه أبو داود برقم: (1544)، وقال الذهبي في "السير" 15 / 492: إسناده قوي، وحسَّنه ابن حجر في "تخريج مشكاة المصابيح" 3 / 21، وصحَّحه أحمد شاكر في "المسند" 15 / 196، وانظر: "صحيح الجامع الصحيح" رقم: 1287
[15] تقرير الأمم المتحدة سنة 1997م.
[16] "الحرمان والتخلُّف في ديار المسلمين" ص23؛ للدكتور نبيل الطويل، قطر، سلسلة كتاب الأمة، الطبعة الأولى عام: 1404هـ.
[17] "الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي"؛ تأليف عبدالرزاق الفارس، 2001، ص21.
[18] تعليق الإمام القرطبي على آية: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ عند تفسيره لهذه الآية برقم (268) في سورة البقرة.
[19] الحديث أخرجه جماعةٌ من المحدِّثين عن ثوبان بألفاظ متقاربة، فقد أخرجه الحاكم في ("المستدرك" برقم 1814، ورقم 6038) وصحَّحه، وأخرجه ابن حبان في ("صحيحه" برقم 872) وصحَّحه، وأخرجه ابن ماجه في ("السنن" برقم 90، ورقم 4022)، وأخرجه الإمام أحمد في ("المسند" برقم 22440، ورقم 22466، ورقم 22491)، وحسَّنه ابن حجر في "تخريج مشكاة المصابيح": (4 / 411) وحسَّنه العراقي، وصحَّحه البوصيري.
[20] أخرجه أبو نعيم في "الحلية"، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" (2085).
[21] انظر الرابط:
http: / / www.burathanews.com / news_article_81823.html
[22]ينظر لمقال: "الفقر أكثر قسوة في يوم الفقير العالمي"، على هذا الرابط:
http: / / www.diwanalarab.com / spip.php?article11024
[23] د. علي عقلة عرسان، رئيس اتِّحاد الكتَّاب العرب، دمشق، انظر: "الأسبوع الأدبي"، العدد رقم 602 الصادر بتاريخ 14 / 3 / 1998، ص19.
[24] "مكافحة الفقر فريضة إسلامية غائبة"؛ بقلم: نعيمة عبدالفتاح ناصف، انظر الرابط:
http: / / www.alukah.net / Culture / 0 / 943 /
[25] "أي مستقبل للجزيرة العربية في زمن الاحتكارات"، مقال منشور للدكتور النفيسي، ورابطه:
http: / / www.alasr.ws / index.cfm?method=home.con&ContentId=7491
[26] "الأمة وإستراتيجية المركز والأطراف"؛ بقلم: ياسر الغرباوي، ورابطه:
http: / / www.aljazeeratalk.net / forum / showthread.php?t=10951
[27] نقلاً عن مقال: "بترول السودان وأمن البحر الأحمر"؛ لعمرو كمال حمودة، المنشور في "الشرق الأوسط"، عدد 9172.
[28] نهضة الشرق تبدأ بفكِّ تحيزات الغرب، مقال منشور في إسلام أون لاين، ورابطه:
http: / / www.islamonline.net / servlet / Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-News / NWALayout&cid=1172571435482
[29] "الاكتساب في الرزق المستطاب"، ص14.
[30] جريدة "القدس العربي" 17 - 18، من جمادي الثاني عام 1426هـ.
[31] كتاب "فقراء الوطن العربي في ازدياد"؛ لعبدالرزاق الفاسي، وهو نائب المدير التنفيذي للبنك الدولي.
[32] "أي مستقبل لفقراء في الوطن العربي"؛ لإسماعيل قيرة.
[33]http: / / www.free-syria.com / loadarticle.php?articleid=23888
[34] منى غانم، الهيئة السورية لشؤون الأسرة، مؤتمر السكان خمس سنوات بعد المؤتمر الوطني للسكان تحديات وإنجازات، 2006، ورقة عمل قدمت في المؤتمر.
[35] "نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي"؛ عبدالكريم بكار، ص103.
[36] أخرجه مسلم، برقم: (4898).
[37] أخرجه البخاري، برقم: (5859).
[38] رواه الطبراني والحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3 / 11): إسناده صحيح أو حسن أو ما يقاربهما، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (1056).
[39] رواه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ولكنَّ الصحيحَ ضعفُ هذا الحديث؛ فلقد حكم عليه الزيلعي في "تخريج الكشاف" وقال: فيه عبيد بن كثير، قال فيه الأزدي: متروك، وعباد بن يعقوب رافضيٌّ، انظر: "تخريج الكشاف" (4 / 51).
[40] أخرجه البخاري برقم: (2152).
[41] أخرجه البخاري.
[42] أخرجه أبو داود في "سننه" 2 / 120، والترمذي في "جامعه" (3 / 522) وقال: حسن.
[43] من كتاب "لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر"؛ للدكتور القرضاوي، بتصرف شديد.
[44]http: / / www.insanonline.net / print_news.php?id=1628
[45] للمزيد انظر: جريدة "الشرق الأوسط":
http: / / www.asharqalawsat.com / details.asp?section=6&issue=8681&article=122599
[46] "أصول الدعوة"؛ لعبدالكريم زيدان 246.
[47] "الأحكام السلطانية" ص122.
[48] "الأحكام السلطانية" ص205.
[49] "المبسوط" للسرَخسي (3 / 18)
[50] "مجموع الفتاوى" (8 / 579)
[51] "كيف تهزم الفقر"؛ للدكتور محمد شريف بشير.
[52] "كيف تهزم الفقر"؛ للدكتور محمد شريف بشير.
[53] انظر الرابط: http: / / www.alukah.net / Culture / 0 / 943 /
* ملاحظة:
المقال منشور في موقع الألأوكة على هذا الرابط:
http://www.alukah.net/Culture/0/28376/