وكم رأينا وسمعنا أناسًا يتسوَّلون من الآخرين، وهم بأتَمِّ صحَّة وعافية، ولكن الكسل أو العجز حجَزَهم عن المُضِيِّ في طلب الرزق! مع أنَّه - سبحانه وتعالى - حَثَّ على طلب الرزق؛ فقال: ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15]، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].
وقد قال الإمامُ محمد بن الحسن الشيباني: "إنَّ الله فرَض على العباد الاكتساب بطلب المعاش؛ ليستعينوا به على طاعة الله"[29].
2 - ضعف الهمَّة والدونية، وعدم السَّعي في تطلُّب العمل:
نجد كثيرًا من الفقراء والمُعوِزين قد أَنِسُوا لفقرهم، وقَلَّ منهم مَن يكون عِصاميًّا، فيعتَمِد على نفسه ويقوم ساعيًا في قضاء حوائجه.
وكم رأيت أناسًا فقراء يَتَسوَّلون من الآخَرين، وكنت أقول لهم: هل تعملون؟فيقولون: لا نعمل، قلت لهم: وما عملكم؟ فيقولون: التسوُّل وانتظار الصدقات التي تَرِدُنَا من الأغنياء والموسرين.
فأنسوا بحالة الفقر ومسألة الناس، واستراحوا لحالة الضعة والضَّياع التي يعيشونها، وصار حالهم كحال مَن حدَّثَتْنا كتب التاريخ عنهم من بعض العَبِيد والإماء من أهل الرِّقِّ، الذين إنْ أراد أسيادهم أن يعتقوهم لوجه الله، طلبوا منهم ألاَّ يفعلوا ذلك لأنهم عاشوا في ظروف العبوديَّة ولم يستطيعوا الانفكاك عنها قيد أنملة!
3 - الربا:
فالمُتابِع لحالِ كثيرٍ من الفقراء والمُعوِزين، يجد كثيرًا منهم وقَع بهذه الآفة (الفقر)؛ بسبب ارتِباطه بتلك البنوك الربويَّة التي قصمت ماله، وكسرت ظهره، وأثقلَتْه بوابِلٍ من الديون والهموم، وأخذَتْه عبر طرق غير مشروعة، ومن ثَمَّ صارت يده كفافًا يبابًا، وأصبح محتاجًا فقيرًا يطلب من الآخرين الصدقات والزكوات.
وهذه آفة ولوثة غَزَتْ بيوتنا من المجتمعات الرأسمالية التي تقوم على جعل المال مُتداوَلاً بين الأغنياء، ولا يستَفِيد منه إلاَّ هم، وهم القلَّة القليلة التي تستَفِيد منه، والبقيَّة تعيش فقيرة معدمة الحال والمال، وهو نصُّ ما جاء في كتاب الله محذرًا من التعامل بالتعاملات الربوية؛ حيث قال - تعالى -: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7].
المبحث الثالث: مظاهر الفقر:
لو أردنا أن نستَقصِي معلومات متعدِّدة عن بلاد إسلاميَّة داهَمَها الفقر، فسنجد عجبًا من الحقائق المُثِيرة، فالفقر كان وراء 90 % من أسباب طلاق اليمنيَّات[30]، وثلث العائلات الجزائريَّة فقيرة[31]، وأنَّ 73 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، كما أنَّ أكثر من ثلث سكان الوطن العربي يُقِيمون في أقطار منخفضة الدخل[32]، وأنَّ عشرة ملايين لا يحصلون على الغذاء الكافي، بل صنَّفت الأمم المتحدة 25 دولة من الدول التي تقع في خطِّ الفقر معظمها في العالم الإسلامي، وتصل مشكلة الفقر في 6 دول عربية، وهي: (اليمن - الصومال - جيبوتي - جزر القمر - موريتانيا - السودان) إلى 50 % حسب مقياس الفقر العالمي، وفي فلسطين وصلتْ درجة الفقر إلى نسبة 70 %، وأنَّ أغلبيَّة فقراء العالم من النساء.
وقد أكَّدت المديرة التنفيذية لصندوق الأمان لمستقبل الأيتام مها السقا في الأردن أنَّ عدد الأيتام الذين يعيشون تحت خط الفقر في الأردن بلغ 28 ألف يتيم؛ منهم (6700) يتيم تتراوح أعمارهم من (18 - 21) عامًا، حيث قام الصندوق خلال العام الماضي بتغطية نفقات تعليم ألف يتيم منهم، بالإضافة إلى الفئات المُستَهدَفة التي قام الصندوق بتغطيتها خلال العام 2009م.
ونقل المرْكز عن تقرير الأُمَم المتَّحِدة الخاص بالتنمية البشرية أنَّ 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم 4 ملايين لا يجدون قوت يومهم، لتبقى مصر في المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقرًا، مشيرًا إلى أن أغلب الفقراء في مصر يعيشون في محافظات الوجه القبلي؛ حيث تبلغ نسبة الفقراء فيها حوالي 35,2 % من إجمالي عدد السكان، بينما تنخفض نسبة الفقراء بالوجه البحري لتصل إلى 13,1 %.
وقد ذكرت دراسة أكاديمية عراقية أنَّ 10 ملايين عراقي يُعانُون من الفقر، ويَعِيشون في ظلِّه ويتأثَّرون بثقافته، وينتجون سلوكياته وفقًا لهذا التأثر، ويبتعدون بواسطته عن المشاركة والحراك الاجتماعي، وهذا الرقم الكبير مرشَّح للزيادة مُستقبلاً.
وفي تقريرٍ صدر في سورية الذي تطرَّق إلى سياسات التوزيع للدَّخل القومي في سورية؛ حيث أشار عام 1996 - 2003 م إلى أنَّه لم يتمكَّن ما يزيد عن 2 مليون سوري من السكَّان من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية، وأنَّ الفقر يرتفع في سورية إلى 13 % ليشمل 3,5 مليون شخص، وأنَّ الفقر انتشر بشكل عام في المناطق الريفيَّة أكثر من مناطق الحضَرية 62 % في المناطق الريفية[33].
وقد أظهرت الدراسات في الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة من خلال تقرير رصد الفقر إلى ارتفاع حدَّة الفقر، وذلك حسب مسح دخل ونفقات الأسرة عام 2004، نحو 5,3 ملايين شخص؛ أي: بنسبة 30,13 % من مجموع السكان[34].
ودولة جزر القمر تلك الدولة الإسلامية، ورغم أنها ليست عربية، إلا أنها ضمن جامعة الدول العربية، وتُعَدُّ ثالث أفقر دولة في العالم، وهي من أجمل الجزر الإفريقية، فإنَّ 97 % من سكان جزر القمر مسلمون، وهم فقراء جدًّا، ويمكن أن يعمل شخص براتب 15 دولار فقط.
وتعاني جزر القمر من النقْص في المساجد والمنشآت الدينية، بالرغم من أنَّ أهلها مسلمون، وأطفالها حفَّاظ للقرآن، ويُعانِي أهلها من فقْرٍ شديدٍ.
ومشكلة الفقر تظهر بصورة واضحة في ستِّ دول عربية هي: اليمن، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر، وموريتانيا، والسودان؛ حيث إنَّ نسبة الفقر في هذه الدول تصل إلى 50 % حسب مقياس الفقر العالمي!
لقد أظهرت دراسة أجراها معهد "أندرياس باباندريو" اليوناني الشهير على شبكة الإنترنت، وشارَك فيها 25 ألف شخص من 175 دولة، أظهرت أنَّ أكثر ما يُقلِق شعوب العالم هو الفقر وتدهور البيئة، ويكفي أن نقول: إنَّه "قد أثَّر الفقر المُدقِع في أخلاق كثيرٍ من المسلمين وسلوكيَّاتهم، فتفشَّت فيهم أمراض خلقية عديدة؛ مثل: الذل، وفقْد الثقة في النفس، ومثل: الرشوة، والتحايُل، والحسد"[35].
المبحث الرابع: طرق العلاج:
يقول علماؤنا: "التصرُّف ناتج عن التصوُّر"، فمَن أحسن التصوُّر للشيء فقد أدرك حسن العمل، ومَن أساء التصوُّر له فقد أساء التصرُّف.
لقد عالَج الإسلامُ الفقرَ معالجةً واضحة؛ فالشخص حينما يحنث في يمينه، فكفَّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الحانث أهله أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وكذلك في كفَّارة الظهار فكفارته تحرير رقبة، فمَن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمَن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، وحينما يعجز عن أداء فريضة الصوم لسقم أو مرض أو كِبَر، فإنَّه يفطر ويُطعِم عن كلِّ يوم مسكينًا، وحينما يرتَكِب الحاج محظورًا من محظورات الإحرام، فعليه دم فدية، يقدِّمه للفقراء والمساكين.
ما يدلُّ على أنَّ الإسلام اعتنى عنايةً فائقة بالفقراء والمُعوِزين والمحتاجين، ولكنَّه مع ذلك لم يجعل لهم الأخذ من الناس ديدنًا، بل هنالك طرق عديدة شرعية ومشروعة لمعالجة الفقر والاستفادة منها، وذلك من قبيل:
1 - الالتجاء بالدعاء لمالك الأرض والسماء:
فلقد حثَّ الإسلام على الدعاء بطلب الغِنَى، وجاءت في ذلك النصوص الكثيرة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان من دعاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى، والعَفاف والغِنَى))[36]، ومن أدعية الصباح والمساء: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً صالحًا متقبلاً))[37]، وكذلك جاء الحثُّ على الدعاء بالاستعاذة من الفقر، بل قرنه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعوُّذه بالكفر؛ فعن أبي بكر مرفوعًا: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت))؛ رواه أبو داود.
ونرى تلك المحاربة واضحة في مثل قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الجوع؛ فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضِي الله عنه.
وجاء كذلك الدُّعاء من الاستعاذة بفتنتَي الغِنَى والفقر؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يتعوَّذ: ((اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة الغِنَى، وأعوذ بك من فتنة الفقر))؛ رواه البخاري.
ومع هذا، فإنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد عانَى من الجوع والفقر، حتى لقد ربَط على بطنه الشريف حجرَيْن؛ لكي لا يشعر بألم الجوع وقرقرة البطن أثناء حفره هو وصحابته الكِرام للخندق في غزوة الأحزاب، بل كان لا يُرِيد من هذه الدنيا كثيرًا إلا لِمامًا؛ ولهذا نجده - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدعو الله فيقول: ((اللهم اجعلْ رزقَ آلِ محمَّدٍ قوتًا))؛ متفق عليه.
2 - الإيمان بالله وتقواه واستغفاره:
وإنَّ هذا مِن أعظم الحُلُول النافعة لعلاج مشاكل الفقر، والنصوص على ذلك متواترة شاهدة بصدق ما نقوله، ويوضح ذلك عدد من آيات الذكر الحكيم؛ حيث يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 65 - 66].
ويقول - تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
والتوبة والاستغفار للعزيز الغفار سببٌ لإغداق النِّعَم؛ فالله - تعالى - يقول: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 12].
ويقول - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
ولقد ورَد حول هذه الآية حديثان يَدُلاَّن على مضمونها:
فأمَّا الأوَّل: فهو الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو ذرٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: جعَل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتلو هذه الآية: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3]، قال: فجعل يردِّدها حتى نعست، فقال: ((يا أبا ذرّ، لو أنَّ الناس أخذوا بها لكفتهم))[38].
وأمَّا الثاني: عن جابر بن عبدالله - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزلت هذه الآية: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3] في رجلٍ من أشجع، كان فقيرًا، خفيف ذات اليد، كثير العِيال، فأتى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأله، فقال له: ((اتَّقِ الله واصبر))، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما أعطاك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقال: ما أعطاني شيئًا، وقال لي: ((اتَّقِ الله واصبر))، فلم يلبث إلا يسيرًا، حتى جاء ابنٌ له بغَنَمٍ له كان العدوُّ أصابوه، فأتى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأله عنها وأخبره خبرها، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلها))، فنزلت: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3][39].
يقول السخاوي في كتابه "المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي" - بعد أن ذكر نصَّ رسالة النووي إلى نائب السلطنة بدمشق يطلب منه جمع الناس للاستسقاء -: ولما وصلت الرسالة لوليِّ الأمر - وفَّقه الله تعالى - أمر محتسب البلد فنادَى ساعته في الناس بصيام ثلاثة أيام، أولها يوم الاثنين، الثاني عشر من جمادى الأولى المذكور، وبالصدقة والمعروف ومصالحة الأعداء، وغير ذلك ممَّا هو من آداب الاستسقاء، ثم خرج ولي الأمر والناس يوم الخميس، الخامس عشر من الشهر المذكور، واستسقوا، ثم سقوا بعد ذلك بتسعة أيام سقيًا عامًّا، وترادَفت أمطار كثيرة، بعد أن حصل لكثيرٍ من الناس قنوط، فللَّه الحمد على نعمه والتوفيق لإظهار شعائر دينه، ومتابعة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والاعتناء بسنّته، ومسارعة المسلمين إليها.
وكتب وليُّ الأمر إلى نوَّابه في البلدان يأمرهم بالاستِسقاء في اليوم الذي يستسقي فيه أهل دمشق، فامتثلوا أمرَه في ذلك، فسقوا كلهم في بلدانهم في الوقت المذكور، ثم وقعت في البلدان ثلوجٌ كثيرة لم يُرَ في تلك السنين مثلها، وأبطل تضمين الحانات والخمور، وأُرِيقت على كلِّ مَن وجدت عنده في دمشق وسائر بلاد الشام، ورفعت المنكرات - ولله الحمد - رفعًا تامًّا، بعد أن كانت شائعة أفحش الشياع، وذلك في ربيع الآخر من السنة، ثم جعَل الله الكريم في الغلات أنواعَ البركات، وأخصبت الغلات في جميع بلاد الشام إلى حدٍّ لم يُعهَد مثْله من نحو ثلاثين سنة، ثم أعقب ذلك رخص - لكثرة الغلات - لم يُعهَد مثلُه من نحو خمس عشرة سنة، حتى بِيعَت غرارة القمح بثلاثين درهمًا وبأربعين وما بينهما، والشعير بأربعة عشر درهمًا، وقلَّت رغبة الناس في الغلات لكثرتها - ولله الحمد والمنة".