سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
* الصلاة آخر ما يُفقد في الإسلام وهي آخر وصية لمحمد صلى الله عليه وسلم لأمته * قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"
عباد الله، الإيمان لا يكون إيماناً حقاً، إلا إذا كان اعتقاداً في القلب ونطقاً باللسان وعملاً بالجوارح، فكون العبد يعتقد ولا يعمل أو يعمل بدون اعتقاد، كل ذلك لا ينفع، فإن الأعمال الصالحة جزء من الإيمان فلا انفكاك بين الإيمان والأعمال، إذ أعمال الجوارح تمثِّل حقيقة الإيمان وتدل على أن في القلب إيماناً.
إيمان وعمل أيها المسلم، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيِّات" والله يقرن الإيمان بالعمل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } (23) سورة هود. إن مجرد انتسابك للإسلام، مع عدم التزامك بفرائضه وواجباته، هذا الالتزام لا يفيدك ولا ينحيك من عذاب الله، فلا يكفي مجرد الانتساب إلى الإسلام مع تعطيل فرائض الإسلام، إذ لو كان الانتساب حقاً لأدى ذلك الإنسان فرائض الإسلام كما أمر الله.
بعد التوحيد أيها المسلم، إن أعظم الفرائض بعد التوحيد، الصلوات الخمس، فهي أعظم الفرائض بعد التوحيد، وهي أعظم الأركان العملية بعد التوحيد، هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله علينا في اليوم والليلة خمس مرات هذه الفريضة العظيمة التي جاء ذكرها في القرآن في مواضع عديدة مما يدل على أهميتها وعظيم شأنها. نعم، أيها المسلم، يدل على أهميتها وعظيم شأنها وأن الذي لا يؤديها ولا يقيمها دليل على ضعفه ودليل على فقد الإيمان من قلبه، إذ لو كان في قلبه إيمان، لأدى تلك الفريضة وحافظ عليها ولازمها.
امتثال الجوارح أخي المسلم، قد يعرض لبعض الناس شبهة يتعلق بها عندما يؤمر بالأوامر، فيؤمر بأداء الفرائض أو ينهى عن المحرمات، يكتفي بقوله: "التقوى في القلب"، نعم، أخي المسلم، التقوى في القلب ولكن التقوى التي في القلب ما الذي يدل على حقيقتها ووجودها، إذا لم تمتثل الجوارح بأداء فرائض الإسلام فإنه يدل على خلو القلب من الإيمان. أيها المسلم، إن لهذه الفريضة، أعني فريضة الصلاة، منزلة عظيمة في الإسلام، فهي أولاً عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه، يقول صلى الله عليه وسلم رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله. هذه الفريضة أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة في أعماله الصلاة، فإن صلحت فقد صلحت كل أعماله وإن فسدت، فسدت كل أعماله. وفي بعض الألفاظ "فإن أتمها كُتبت له تامة وإن انتقص شيئاً منها، قال الله لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوِّع فيكمَّل به النقص؟ وهكذا سائر الأعمال. هذه الفريضة العظيمة هي آخر ما يفقد من الإسلام، ففي الحديث: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة". قال الإمام أحمد، "فشيء فُقد آخره لم يبق منه شيء" هذه الصلاة هي آخر وصية لمحمد صلى الله عليه وسلم لأمته فكان في اللحظات الأخيرة في حياته يقول: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" فهو يوصي بها صلى الله عليه وسلم ويحث عليها وفي القرآن من الأمر بها ما الله به عليم.
حقيقة الديِّن أخي المسلم، إن أداء هذه الصلاة، مع التزام التوحيد وأداء الزكاة هي السبب في الأخوة الإيمانية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (23) سورة هود. وهي مع التوحيد والزكاة حقيقة الدين {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة. هذه الفريضة العظيمة افترضها الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به إلى السماء فافترضها الله عليه مشافهة، افترضها خمسين، فما زال محمد صلى الله عليه وسلم متردداً بين ربه وموسى حتى جعلها الله خمساً، ونادى المنادي "أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي".
أداؤها أيها المسلم، لهذه الفريضة خصائصها العظيمة، فالله جلَّ وعلا ينوِّه بذكرها تمييزاً لها عن غيرها {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت هذه الصلاة العظيمة تنهى مؤديها عن الفحشاء والمنكر، وتهذب أخلاقه وتقوِّم ما اعوجَّ من سلوكه، يقول الله جلَّ وعلا: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت. هذه الصلوات الخمس أوجبها الله على المسلم في كل أحواله لا يسقط عنه أداؤها ما دام عقله حاضراً، فهو يصليها في سفره. كما يصليها في حضره، ويصليها في خوفه كما يصليها في أمنه، ويصليها في مرضه كما يصليها في صحته فلا تسقط عنه الفريضة ما دام حياً، كل ذلك دليل على عظيم شأنها.
نور ونجاة إنها عبادة من أجل العبادات، سأل ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله، قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. هذه الفريضة، طهرة لك من الأخطاء، يقول صلى الله عليه وسلم: مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هذه الفريضة تكفر السيئات، يقول صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر". هذه الصلوات متى حافظت عليها حفظك الله في كل أحوالك، يقول صلى الله عليه وسلم: "من حافظ عليها وحفظها حفظ الله دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، إنها نور لك في الدنيا والآخرة.. يقول صلى الله عليه وسلم: "من حافظ عليها كانت له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة وحشر مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف" أئمة الكفر والضلال والعياذ بالله.
كل الخير هذه الصلوات الخمس، مع إحسان وضوئها كفارة لما مضى من الذنوب، فيقول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم تحضره صلاة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها وذلك الدهر كلّه". هذه الفريضة عون لك على كل خير في أمر دينك ودنياك، يقول الله جلَّ وعلا: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } (45) {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (46) سورة البقرة. فيستعين بها المسلم على أمور دينه ودنياه، وعلى تحمل المصائب والبلايا وهي شاقة إلا على الخاشعين، فالخاشعون الصلاة عليهم يسيرة لأنهم موقنون بلقاء الله، فلما عظم الإيمان في قلوبهم وتصوروا حقيقة الأمر صارت تلك الصلاة خفيفة على نفوسهم يحبونها ويألفونها وترتاح قلوبهم فيها وتطمئن بها نفوسهم وتسكن بها قلوبهم. يقول صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم وهو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة، عليك ليل طويل فنم، فإن قام وذكر الله انحلت عقدة وإن توضأ انحلت عقدة وأن صلى انحلت عقده كلّها فأصبح طيب النفس نشيطاً وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
أخلاق الأنبياء إن هذه الصلاة والعناية بها، هي أخلاق أنبياء الله ورسله والصالحين من عباده، قال الله عن الخليل عليه السلام في دعائه لذريته: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (40) سورة إبراهيم. وقال عن نبيه إسماعيل: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (55) سورة مريم . وأمر بها كليمه موسى في مبدأ وحيه إليه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (14) سورة طـه. وقد أمر الله المؤمنين أن يأمروا أهليهم بهذه الفريضة ويهتموا بها، يقول الله جلَّ وعلا، لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وأمر أهلك بالصلاة وأصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى".
الوارثون وأرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى أن نربي أولادنا في الصغر على العناية بهذه الفريضة لينشأوا مجيبين لها، معظمين لها، يعرفون لها قدرها ومكانتها، فعنه صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرّقوا بينهم في المضاجع". هذه الفريضة العظيمة لا يتخلى عن أدائها إلا من في قلبه مرض النفاق والشك والعياذ بالله، إذ المؤمن حقاً يلتزم بأدائها طاعة لله ورغبة فيما رتَّب الله لمؤديها من الثواب العظيم. هذه الصلوات الخمس هي أخلاق أهل الإيمان، ابتدأ الله صفات المؤمنين واختتمها بالصلاة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1({الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3) {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (4) {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (5) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (6) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (7) {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (8) {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (9) {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (10) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (11) سورة المؤمنون . لاحظَّ له ويقول جلَّ من قائل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (34) {أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} (35) سورة المعارج. فحافظ عليها رحمك الله وأحرص على أدائها وأجعلها من أهم أمورك، وإياك والتكاسل عنها، وإياك والتهاون بها وإياك والاستخفاف بشأنها فإن علامة إسلامك وإيمانك محافظتك على هذه الفريضة، يقول عمر رضي الله عنه وقد نبَّه للصلاة في مرضه: "لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة" هذه الصلاة نور لك يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظُّلَمْ للمساجد بالنور التام يوم القيامة"، هي كرامة لك أكرمك الله بها فأقبل هذه الكرامة، يقول صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح" ويقولصلى الله عليه وسلم: لمولاه ثوبان "إنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة". سأله ربيعة الأسلمي قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما قَرَّبَ للنبي وضوءه، قال يا ربيعة سلني، قال أسألك مرافقتك في الجنة، قال أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك قال: يا ربيعة أعني على نفسك بكثرة السجود".
فذلكم الرِّباط إن محافظتك على الصلوات الخمس تجعلك كالمرابط في سبيل الله، الملازم لفضول الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يرفع الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الربِّاط وذلكم الربِّاط". محافظتك على الصلوات تجعل ملائكة الرحمن الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والمطيعون لله لا يسبقونه بالقول وهم يأمره يعملون، يستغفرون لك ما دمت في مصلاك، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن المسلم إذا توضأ فخرج إلى المسجد لم يخط خطوة إلا كتب الله بها حسنة وحطَّ عنه بها خطيئة. فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه "اللهم صلي عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة". فحافظوا معشر المسلمين على هذه الفريضة وأعتنوا بها ولا تأخذكم الدنيا وغرورها فتصرفكم عن هذه الفريضة.
قرة عين بعض أبناء المسلمين، قد يصلي الجمعة فقط ولا يصلي سواها ويقول: الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ولكن هذا سوء فهم وقلة إدراك، فلا بد من المحافظة عليها في اليوم والليلة خمس مرات لتكون من المؤمنين حقاً، وإياك والتهاون بها، إياك وعدم العناية بها فإسلامك وحقيقة إسلامك، إنما يبرهن عليه المحافظة على هذه الصلوات والعناية بها العناية التامة، فعظموها رحمكم الله، كما عظّمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحافظوا عليها فهي قرة عين نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم: "أحب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجُعلت قرة عيني في الصلاة" وهي راحة باله وانشراح صدره واطمئنان نفسه صلوات الله وسلامه عليه. يقول صلى الله عليه وسلم: أرحنا يا بلال بالصلاة، فجعل الصلاة راحة لقلبه وانشراحاً لصدره وطمأنينة لنفسه. إنك تقف هذا الموقف العظيم بين يدي ربك وخالقك ومن بيده حياتك وموتك ورزقك ومالك نفعك وضرك، تقف بين يديه موقف الذليل المستكين، موقف الراجي الخائف، تناجى ربك فتقول: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيجيبك ربك: حمدني عبدي، وتقول: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ، فيجيبك ربك: أثنى عليَّ عبدي، وتقول: }مّالٌكٌ يّوًمٌ الدٌَين{، فيجيبك ربك: مجدني عبدي، وتقول: }إيَّاكّ نّعًبٍدٍ وإيَّاكّ نّسًتّعٌينٍ{، فيقول الله: هذا بيني وبين عبدي. وتقول {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (6) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فيقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" إنها فرصة من أعظم الفرص وساعة من أعظم الساعات ولحظة من أسعد اللحظات أن تقف بين يدي ربك وقد أكرمك بهذا المقام العظيم، موقف الذليل المستكين بين يدي ربك فتسأله وترجوه وتشكو إليه وتبث حزنك، فيا أهل الإسلام اهتموا بهذه الفريضة وأعتنوا بها غاية الاعتناء فإنها عمود الإسلام وثاني أركان الإسلام.. جعلني الله وإياكم من المحافظين عليها مخلصين لله في ذلك {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة.
شأنها عظيم عباد الله: من أخلاق المسلم المحافظة على الصلوات والعناية بها، ظاهراً وباطناً يصليها دائماً في المسجد ويحافظ عليها، ولو قُدّر أنه لم يتمكن صلاها في البيت، المهم أنه معتنٍ بهذه الفريضة غاية العناية، رآه الناس أم غابوا عنه، لأنه يؤديها عن قناعة أن الله افترضها عليه وألزمه بأدائها والله يحب له ذلك. وقد ذمَّ الله المتهاونين بها والمستخفين بها المؤخرين لأوقاتها، يقول جلَّ وعلا: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم. ويصف المنافقين بأنهم وإن صلوا لكنهم لا يصلوها عن قناعة ولكن يأتونها بكسل وتهاون وعدم اهتمام {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142) سورة النساء. لأنهم إنما يصلون ليراهم الناس ولو انفردوا ما أدوا لله فريضة. إنك إذا تأملت نصوص القرآن وجدت عظيم شأن الصلاة، وأن المحافظة عليها من علامات الإيمان، وأن التهاون بها من خصال المنافقين وأن المضيّع لها يخشى عليه على أن يلقى الله على غير هدى، وأن يكون من أهل النار، قال الله جلَّ وعلا مخبراً عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (42) {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (43) {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (44) {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (45) {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (46) {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (47) سورة المدثر. إذن عدم الصلاة مقرون بالتكذيب باليوم الآخر وعدم الإيمان بالله.
إياك والتهاون فيا أهل الإسلام، ليحذر المسلم أن يلقى الله على غير هدى، إياك والتهاون بها والتكاسل عنها، ولهذا ذهب جمع من العلماء أن من ترك الصلاة ولو كان مقراً بوجوبها وتركها تكاسلاً إنه يستحق أن يوصف بالكفر. يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك ترك الصلاة" ويقول صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" فيا أهل الإسلام: حافظوا على هذه الفريضة واعتنوا بها غاية العناية وأعلموا أنها الركن الثاني من أركان دينكم، وأنها عمود الإسلام الدال على الإيمان الصادق، يقول جلَّ وعلا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة . فيا أهل الإسلام حافظوا على هذه الفريضة واعتنوا بها وأعلموا أن الخشوع فيها وحضور القلب في أدائها علامة التوفيق، علامة الخير والهدى. أسأل الله أن يمنّ عليَّ وعليكم بالعناية بها والمحافظة عليها وأدائها في وقتها لنكون من المتقين بتوفيق من الله وعتقه.
|