من الإعجاز العلمي في الطب النبوي التداوي بألبان الإبل وأبوالها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة محمد بن عبد اللَّه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه. وبعد: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم ناس من عُكْلٍ أو عُرَيْنَةَ، فاجتوَوُوا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلِقَاحٍ، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واسْتَاقُوا النَّعَم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهارُ جيء بهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسُمِّرَتْ أعْيُنُهم وأُلْقُوا في الحرَّة، يَسْتَسْقُون فلا يُسْقَوْنَ. قال أبو قِلابَةَ: فهؤلاء سَرقُوا، وقتلُوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا اللَّه ورسوله. هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه بالأرقام: [233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5757، 6802، 6803، 6804، 6805، 6899]. كما أخرجه الإمام مسلم في كتاب الحدود من صحيحه برقم [1671/9 - 14]، وأخرجه الإمام أبو داود برقم (4364)، والإمام الترمذي في الطب برقم (2042)، والإمام النسائي في المحاربة بالأرقام (4029 - 4048)، والإمام ابن ماجه في الطب برقم (3503)، والإمام أحمد في المسند [1/192، 3/107، 161، 177، 198، 205، 287، 290، 370].
شرح الحديث
قول أنس رضي الله عنه: «قدم أناس» أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله: «من عُكْلٍ أو عُرَيْنة» قال الحافظ في الفتح: الشك من حماد، ثم ساق الروايات التي بها شك، والروايات التي اقتصرت على إحداهما، ثم قال: وفي المغازي: «من عكل وعرينة» بالواو العاطفة، وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عَوَانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد، وفي الديات عن أبي قلابة عن أنس: «أن رهطًا من عكل ثمانية» لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب، وزعم ابن التين تبعًا للداودي أن عرينة هي عكل، وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان، عكل من عدنان وعرينة من قحطان، وقد روي أن قدومهم كان في سنة ست من الهجرة بعد غزوة (ذي قَرَدٍ) أو بعد الحديبية، والله أعلم. انتهى من الفتح باختصار. قوله: «فاجْتَووُا المدينة». قال ابن فاس: يقال: اجتويت البلاد إذا كرهتها وإن كنت في نعمة، قال: ومن هذا الجَوَى وهو داء القلب. وقال ابن الأثير في النهاية: اجْتَوَوا أي أصابهم الجَوَى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول. ونقل ابن حجر عن ابن العربي: الجوى داء يأخذ من الوباء، قال ابن حجر: وفي رواية أخرى هي رواية أبي رجاء: «استوخموا المدينة». وهو بمعنى «اجتووا»، وللمصنف في كتاب الطب: «إن ناسًا كان بهم سقم قالوا: يا رسول اللَّه، آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة». والظاهر أنهم قدموا سِقَامًا فلما صَحُّوا من السَّقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد، فعند أبي عوانة: «كان بهم هزال شديد»، وعنده أيضًا: «مصفرة ألوانهم»، وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من حديث أنس، ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس: «وقع بالمدينة المُوْمُ» أي البِرْسَام (وهو سريان معرب) أطلق على اختلال العقل، وعلى ورم الرأس، وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير، فعند أبي عوانة في هذه القصة: «فعظمت بطونهم». قوله: «فأمرهم بلِقَاحٍ»، وللبخاري في رواية قتادة: «فأمرهم أن يلحقوا براعية»، وله عن حماد: «فأمر لهم بلِقَاح». وفي رواية أيوب أنهم قالوا: «يا رسول اللَّه أَبْغِنِا رِسْلاً» أي اطلب لنا لبنًا، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود». واللِّقَاحُ: جمع لِقْحَةٍ؛ وهي النوق ذات الألبان، قال الحافظ: قال أبو عمرو: يُقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر، ثم هي لبون. وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وصرح بذلك في كتاب المحاربين: «إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم »، وللبخاري في رواية أخرى في كتاب المحاربين: «فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة والجمع بينهما: أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه ففعلوا ما فعلوا». قوله: «وأن يشربوا»: أي وأمرهم أن يشربوا، وللبخاري في رواية أبي رجاء: «فاخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها» بصيغة الأمر، وفي رواية شعبة عن قتادة: «فرخص لهم أن يأتوا الصدقة فيشربوا». فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم لبن لِقاحِ النبي صلى الله عليه وسلم فبإذنه المذكور. قال الحافظ في الفتح: وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته، أما من الإبل، فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه. اهـ. قوله: «فلما صحوا» في السياق حذف تقديره: «فشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا». قوله: «واستاقوا النَّعَم» من السَّوْقِ وهو السير العنيف. قوله: «فجاء الخبر»، وفي رواية وهيب عن أيوب «الصَّريخُ» وهو فعيل بمعنى الفاعل أي أنه صرخ بالإعلام بما وقع منهم، وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة عن أنس: «فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل». قوله: «فبعث في آثارهم». زاد في رواية الأوزاعي «الطلب»، وفي حديث سلمة بن الأكوع: «خيلاً من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري»، وفي رواية النسائي: «فبعث في طلبهم قافة» جمع قائف وهو الذي يقفو الأثر ويقتصه. قوله: «فلما ارتفع» فيه حذف تقديره فأُدْركوا في ذلك اليوم فأخُذوا، فلما ارتفع النهار جيء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسارَى. قوله: «فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم»، وفي معظم الروايات فقطع أيديهم وأرجلهم، وللبخاري: ولم يحسمهم، أي يكون قطع منهم بالنار ليقطع الدم بل تركه ينزف. قوله: «وسُمِّرتْ أعينهم» بتشديد الميم، وفي رواية أبي رجاء: «وسَمَرَ» بتخفيف الميم، وروايات البخاري كلها بالراء، وأما مسلم ففي رواية عبد العزيز عنده: «سَمَلَ» باللام، قال الخطابي: والسَّمْلَ فقءُ العين بأي شيء كان. قوله: «وألقوا بالحرة» هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وقد ألقوا فيها لأنها بالقرب من المكان الذي فعلوا فيه فَعْلتهم. قوله: «يَسْتَسقُون فلا يُسْقَوْن». زاد ابن وهب: «حتى ماتوا»، وفي رواية أبي رجاء: «ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا»، وفي رواية شعبة عن قتادة: «يَعَضُّون الحجارة»، وفي الطب قال أنس: «فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت». ثم ساق ابن حجر أقوال القائلين بنسخ المثلة والنهي عنها، وأقوال القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل بهم ذلك لأنهم كذلك فعلوا بالراعي أو الرِّعاءِ. قوله: «قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا» لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها. قوله: «وقتلوا» أي الرعاء أو الراعي. قوله: «وحاربوا اللَّه ورسوله»، ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث: «وهربوا محاربين». قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث غير ما تقدم: 1- قدوم الوفود على الإمام. 2- نظره في مصالحهم. 3- مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها. 4- وأن كل جسد يُطَبُّ بما اعتاده. 5- قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة. 6- المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها. 7- جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وغيره. 8- العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة.
التداوي بألبان الإبل
هذا، وقد عنون الإمام ابن القيم في زاد المعاد لهذا الحديث بقوله: «فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في داء الاستسقاء وعلاجه، ثم ساق الحديث برواية الصحيحين، ثم قال: والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء ما رواه مسلم في صحيحه في هذا الحديث أنهم قالوا: إنا اجتوينا المدينة، فعظمت بطوننا، وارتهشت أعضاؤنا، وذكر تمام الحديث. ولقد بحثت في صحيح مسلم فلم أجد هذا اللفظ، وإنما لفظ: «اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم» كما سبق بيانه في رواية النسائي وعند أبي عوانة كما وضحه الحافظ في الفتح. ونقل ابن القيم عن الرازي قوله: لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد، وفساد المزاج، ونقل عن الإسرائيلي قوله: «لبن اللِّقاح أرقُّ الألبان، وأكثرها مائية وحدَّةً، وأقلها غذاءً، فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول وإطلاق البطن، وتفتيح السدود، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع، ولذلك صار أحض الألبان بتطرية الكبد، وتفتيح سددها، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثًا، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استعمل لحرارته التي يخرج بها من الضرع، مع بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته، وتقطيعه الفضول وإطلاق البطن. ثم نقل عن صاحب القانون (ابن سينا): ولا يلتفت إلى ما يقال، من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء. قال: واعلم أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأن هذا اللبن شديد المنفعة، فلو أن إنسانًا أقام عليه بدل الماء والطعام شُفِيَ به، وقد جرب هذا في قوم دُفِعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورة إلى ذلك فعوفوا، وأنفع الأبوال: بول الجمل الأعرابي، وهو النجيب. اهـ.
«من الأبحاث الطبية الحديثة»
في مقال بجريدة الاتحاد في عددها 9515 بتاريخ 24/7/2006 تتناول دراسة الدكتور محمد مراد في مجال الطب والصحة إلى أنه في الماضي استخدم العرب حليب الإبل في معالجة الكثير من الأمراض ومنها: أمراض المعدة، والأمعاء، والاستسقاء، وأمراض الكبد، وخاصة اليرقان، وتليف الكبد، وأمراض الربو وضيق التنفس، ومرض السكرى، كما استخدم لمعالجة الضعف الجنسي، كما أنه يساعد على نمو العظام عند الأطفال، ويقوي عضلة القلب، وجاء في دراسته أن أبوال الإبل استخدمت - كمادة مطهرة للجروح والقروح، ولنمو الشعر ولتقويته، وتكاثره ومنع تساقطه، وكذا لمعالجة مرض القرع والقشرة. إلخ. وأشارت دراسات أخرى للباحث «محمد أوهاج» أنه توصل إلى أن بول الإبل يشفي من طائفة من أمراض الجهاز الهضمي، وعلى رأسها التهاب الكبد.ويقول الباحث «محمد أوهاج»: إن التحاليل المخبرية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم والبولينا والبروتينات الزلالية، والأزمولارتي وكميات قليلة من حمض البوريك والصوديوم والكرياتين، وأوضح الباحث أن الذي دعاه إلى تقصي خصائص بول الإبل العلاجية هو أنه رأى أفراد قبيلة يشربون ذلك البول حينما يصابون باضطرابات هضمية، واستعان ببعض الأطباء لدراسة البول الإبلي فأتوا بمجموعة من المرضى وسقوهم ذلك البول لمدة شهرين وكانت النتيجة أن معظهم تخلصوا من الأمراض التي كانوا يعانون منها، أي أنه ثبت علميا أن بول الإبل مفيد إذا شُرِبَ على الريق، كما توصل «أوهاج» إلى أن بول الإبل يمنع تساقط الشعر. وهناك دراسات للدكتور عبد العاطي كامل رئيس بحوث الأبقار بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة أثبت فيها أن ألبان الإبل تحتوي على كمية فائقة من فيتامين «ج» وهو الأمر الذي يجعل لألبان الإبل أهمية عظيمة لسكان المناطق الصحراوية التي لا توجد فيها الخضروات الورقية الطازجة والفواكه، كما أشار الدكتور عبد العاطي كامل إلى أن معدلات الفيتامينات والمعادن في ألبان الإبل تتفوق على مثيلاتها في ألبان البقر والغنم حتى تصل إلى ثلاثة أضعاف ما في البقر والغنم، بل وتصل إلى ضعف ونصف ما في ألبان الأمهات من النساء. وثَمَّ دراسة لعميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية البروفيسور أحمد عبد الله أحمداني كشف فيها عن تجربة علمية باستخدام (بول الإبل) لعلاج أمراض الاستسقاء وأورام الكبد أثبتت نجاحها لعلاج المرضى المصابين بتلك الأمراض. وهناك دراسات كثيرة في كثير من البلاد منها في السعودية حتى توصلت الدكتورة أحلام العوضي إلى استخدام بول الإبل في علاج الأمراض الجلدية، وفي اكتشاف آخر توصلت إلى علاج يكافح الأمراض وهو عبارة عن سلالات بكتيرية معزولة من بول الإبل، وهناك مجموعة من الباحثات السعوديات بكلية البنات بجدة تشرف عليهن الدكتورة أحلام العوضي، وأثبتت دراسة لإحدى الباحثات التي تشرف عليها الدكتورة العوضي: أن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية كمضادات حيوية (البكتريا الموجودة به، والملوحة واليوريا). وفي دراسة مصرية أشارت إلى أن ألبان الإبل هي أفضل غذاء للمخ والأعصاب وللوقاية من السكر والكوليسترول. وأوضح باحثون في كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة أن حليب النوق يحتوي على بروتينات تشبه في عملها هرمون الأنسولين المنظم لسكر الدم إلى جانب العديد من الأملاح المعدنية المفيدة كالفسفور والمنجنيز والحديد والبوتاسيوم، ونبه الباحثون إلى أن لحليب الإبل خصائص طبية كثيرة تجعله مناسبًا لعلاج أمراض الاستسقاء واليرقان ومشكلات الطحال والسل والربو والأنيميا والبواسير، وتحسين وظائف الكبد وأمراض الربو ومرض السكري وعلاج نزلات البرد والنزلات الشعبية إضافة إلى قرحة المعدة والسرطان وأمراض الكبد والتهاباته.
موقف بعض المسلمين من الطب النبوي
لقد اعتاد كثير من المسلمين وخاصة منهم من تربى تربية غربية أو شرقية ـ اعتادوا على التنكر لما ينسب إلى دين الإسلام ونبي الإسلام ولا سيما في المجالات الطبية وغيرها، ومع وجود هذه الأبحاث والدراسات، فإن بعض المسلمين لا يزالون يعيشون بمنأى عنها وعن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكتب بعضهم يقول: النبي لم يبعث طبيبا وإنما بعث هاديا، وهذه بلا شك كلمة حق ولكن أريد بها باطل، أريد بها رد ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من كلام في الطب، وأيد الكاتب كلامه بقوله: يكفينا قول الرسول: «أنتم أعلم بشئون دنياكم». وهنا يتضح ما رمى إليه هذا الكاتب وقد صرح بأن الذين يذهبون إلى التداوي بألبان الإبل وأبوالها أناس خرافيون، يلجأون إلى الخرافة، والكاتب ليس وحده في ذلك وإنما نسمع ونقرأ بين الحين والحين من يردد هذا الكلام ويحاول أن ينتصر له، وينضم إلى أولئك بعض الأطباء؛ ومن يتكلم في ذلك من الأطباء؛ فهو أحد صنفين: إما مشفق على نفسه من انقطاع الرزق بانصراف المرضى عنه، وإما حرصًا على المهنة وعدم تكديرها بشيء خارج عنها فيما يزعم، ولقد رأيت عددًا من الأطباء يذهبون للتداوي بألبان الإبل وأبوالها، فبعضهم يذهب على استحياء، ويتكتم على الخبر لا يريد أن يعرف زملاؤه عنه شيئا، فأحدهم قال لي: إن زميله أشار عليه بعد أن اكتشف ورمًا في الكبد أن يذهب ليبحث عن التداوي بالألبان والأبوال، ولكنه كان متحرجا في أن يشير عليه بذلك ولقد رأيت في رحلتي الأخيرة إلى منطقة مطروح أكثر من مائة وعشرين مريضا يترددون على صاحب مزرعة الإبل التي نشرب فيها اللبن والبول، وهم من جميع فئات الشعب منهم ثلاثة أطباء أحدهم مدير مستشفى مركزي بإحدى محافظات مصر، ومنهم لواءات شرطة ولواءات جيش ومهندسون ومن كل الفئات. ولكن من تربوا على المكابرة، ورَدِّ كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يصفونهم بأنهم مخرفون ويستنكرون هذا الدواء، بل إنهم ينكرون أن يكون القرآن شفاءً للأبدان، قائلين إن القرآن نزل هداية، والمراد بالشفاء فيه الهداية من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى... إلخ، وهؤلاء الذين ينكرون شفاء القرآن للأبدان، وينكرون ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطب ويزعمون أن القرآن ما أنزل إلا للهداية وكذلك النبي ما أرسل إلا لهداية الناس، نقول لهم ليتكم اهتديتم في حياتكم بهدي القرآن وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنهم في وادٍ والقرآن والسنة في وادٍ آخر، وأما أن القرآن فيه شفاء للأبدان فهذا ثابت بالقرآن والسنة، وأما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأدوية وأشفية فهذا ثابت في الصحيحين وكتب السنن والمسانيد ودواوين الإسلام، كالتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وبالحبة السوداء، وبالتلبينة، وبالحجامة، والكحل والإثمد، والمنِّ، والقسط الهندي، وإطفاء الحمى بالماء، إلى غير ذلك. لكن قومنا اعتادوا ألا يصدقوا شيئا إلا إذا جاء من الغرب أو الشرق أي من الإفرنج، فيثقون فيه ويعملون به، وكأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أمرنا ألا نصدقه إلا إذا صدقه الغرب، فلو علمنا وفهمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى، ولكن غيره إنما يتكلم بالتجارب والظنون، ثم إننا لو علمنا أن الغرب إنما أخذ عنا هذه العلوم وعمل على تطويرها، وأن الأصل عندنا لوثقنا فيما عندنا وعلمنا أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل، وأفدنا منه، بدلا من البدائل الكيماوية التي تدمر حياتنا وأجسامنا وأصبح ضررها أكثر من نفعها، إن ديننا هو الحق وكلام ربنا حق وسنة نبينا حق، وماذا بعد الحق إلا الضلال!! نسأل الله تعالى أن يوفقنا والمسلمين لما يحب ويرضى وأن يردنا إلى دينه ردًا جميلا، وأن يهدي ضال المسلمين إلى صراطه المستقيم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. |