عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( السمت الحسن ، والتؤدة , والاقتصاد , جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة ) (1)
سمة أهل الخير , التأني في تناول الأمور , التوسط في السلوك بين الإفراط والتفريط .. كلها قيم ربيبة هذا الدين العظيم , ترعرعت في كنفه وكبرت بين أحضانه لتقول للبشرية كافة أن الإسلام هو القيم والقيم هي الإسلام
السمت الحسن : هو حسن الهيئة والمنظر , وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره من السيرة المرضية والطريقة المستحسنة , وفي الفائق : السمت أخذ المنهج ولزوم المحجة . وفي رواية لهذا الحديث ( إن الهدي الصالح ) (2) بفتح الهاء السيرة السرية (3) قال تعالى ( يا بني آدم قد لأنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ، ولباس التقوى ذلك خير ، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) الأعراف 26 قال ابن عباس : ولباس التقوى هو السمت الحسن في الوجه (4) وقال تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم , تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا , سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) الفتح 29,قال ابن كثير : قال ابن عباس رضي الله عنه يعني السمت الحسن , وقال مجاهد وغير واحد يعني : الخشوع والتواضع , وقال ابن أبي حاتم عن منصور عن مجاهد ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) قال : الخشوع , قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه , فقال : ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون , وقال السدي : الصلاة تحسن وجوههم , وقال بعض السلف : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار , وقد أسنده ابن ماجة في سننه عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ) (5) والصحيح أنه موقوف , وقال بعضهم : إن للحسنة نورا في القلب , وضياء في الوجه , وسعة في الرزق , ومحبة في قلوب الناس . وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ما أسر أحد سريرة , إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه , وفلتات لسانه . والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه , فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله عز وجل ظاهره للناس , كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته ثم قال ابن كثير : فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم , وحسنت أعمالهم , فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم , وقال مالك رضي الله عنه : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون : والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا , وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة , وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا ( ذلك مثلهم في التوراة ) ثم قال ( ومثلهم في الإنجيل ) (6) أما التؤدة : فهي التأني والتثبت وترك العجلة في جميع الأمور , فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس ( إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ) (7) قال النووي : الحلم هو العقل , والأناة هي التثبت وترك العجلة , وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا إلى المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الأشج عند رحالهم , فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه , ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه , ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( تبايعون على أنفسكم وقومكم ) فقال القوم نعم , فقال الأشج : يا رسول الله إنك لم تزاود الرجل عن شيء أشد عليه من دينه , نبايعك على أنفسنا , ونرسل إليهم من يدعوهم , فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه قال ( صدقت إن فيك خصلتين ...) الحديث , قال القاضي عياض : فالأناءة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل , والحلم هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب (8) أما قول النبي صلى الله عليه وسلم ( التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة ) (9) فقال المناوي ( التؤدة في كل شيء خير ) أي مستحسن محمود ( إلا في عمل الآخرة ) فإنه غير محمود بل الحزم بذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات , فإن في تأخير الخيرات آفات , وقال الطيبي : معناه أن الأمور الدنيوي |