| التاريخ يتحدث (1) 2406 زائر 12-02-2011 مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي | إن من أعظم ما ينبغي أن يعنى به المسلم في حياته قراءة التاريخ وسنن الكون ، وهي أبلغ واعظ لإنسان في الأرض ، ولأهميتها وعظيم شأنها دعا القرآن في أكثر من آية لتأملها وقراءتها ، وسبر أحداثها ، يقول الله تعالى في ذلك \" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ . حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ \" إن المسلم مدعو في كتاب الله تعالى لقراءة سير الأولين في الأرض وسبر أحداثهم وقراءة الأسباب الداعية لنجاح الفالحين ، وهلاك المبطلين في أي حقبة من الزمن وهذه الآيات تدعو كل إنسان أن يسير في الكون وهو يتأمل عاقبة المكذبين المبطلين ، وتصوّر مع ذلك الحالة التي عاشها رسل الله تعالى في الأرض في تلك الفترة وهي حالة من اليأس واستبطاء النصر ، وتصوّر في ذات الوقت حالة النصر والفرح وحصول الفرج للصابرين بعد طول انتظار ! وتبين في نهاية المطاف أن قراءة هذه السنن أعظم ما يبين عن الطريق لسالك . ولئن كان القرآن يدعو إلى قراءة سنن الماضين لما فيها من عظة وعبرة فإن قراءة الأحداث في ذات الزمن الذي يعيشه الإنسان أبلغ أثراً وأشد تأثيراً في حياة المتأملين ، وذلك لجدة الحدث والتصاق الإنسان به زماناً أو مكاناً . إنني أكتب هذه الأسطر هذا المساء وأنا أشاهد أحداث تونس وهي تموج على الأرض ، وتقلب الموازين ، وتكتب صفحات جديدة في سنن الله تعالى في الكون . إن سنن الأحداث التي تموج بها تونس هذا المساء تذكرنا قوة هذا الإنسان على التحمل والصبر زمناً طويلاً من حياته فتراه يعيش بعيداً عن أرضه وغريباً عن وطنه ، ويعيش مغيّباً زمناً طويلاً من عمره في غياهب السجون ، ويعيش فقيراً مضطهداً مسكيناً ، ويظل صابراً منتظراً للحظة النصر القادمة في عرض الزمان من حياته ، وتذكرنا كيف يتحول ذلك المسكين المضطهد الفقير إلى قوة تفجّر الأرض ، وتقلب الموازين ، وتعيد بناء دولة بأكملها ؟ إن هذه الأحداث تعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في عدد آلات الحرب ، ولا حضارة البناء ، وإنما هي في ذات الإنسان تلك القوة التي تقف أمام النار كأنها الماء البارد في حر الصيف .. لقد رأينا الإنسان التونسي وهو يمشي باتجاه النار الموقدة ، ويمضي نحو النهاية كأنها لحظة الأفراح التي ينتظرها ، وتقف النار عاجزة أن تشتعل في أجساد الأحرار .. علمتنا الأحداث أن الإرادة هي الجبل الذي تتحطّم عليه عقبات الأرض كلها ، وأنها إذا تحركت في نفس إنسان لم تقو أي قوة في الكون أن تقف أمامها مهما بلغت قوتها وجبروتها .. وعلمتنا كذلك أن الإنسان يمكن أن يصبر على كل بلواء في طريق رحلته في هذه الحياة ، يمكن أن يصبر على الجوع والعطش والفقر لكنه لا يمكن أن يصبر على الظلم والاستبداد والبطش مهما كانت مسوغاته وأعذاره .
إن هذا الإنسان خلق حراً ، وأي قيد يحول دون حريته ما يمكن أن يلبث طويلاً في قدمه ، وإذا كان هذا المعنى في حرية الجسد ، فما بالك بحرية العقول والأرواح ؟ لقد رزحت أجساد التونسيين زمناً طويلاً في القيد ، ورزحت زمناً أطول أفكارهم وعقولهم وارواحهم ومشاعرهم ، وكانت النهاية الحمراء التي شهدتها الأرض الخضراء هي أبسط تعبير على عظمة الحرية في نفوسهم . إن الدرس الذي يعلمنا التاريخ اليوم أن أعظم شيء ينبغي أن تعنى به الأمم والدول والمجتمعات هو الإنسان ، وأن الحضارة التي ينبغي أن تشيّد في الأرض ليست حضارة البناء والعمران ، وإنما حضارة الإنسان ! حضارة الحريات التي تستقي أفكارها ومشاعرها من وحي السماء ، أي كانت هذه الحرية حرية الأفكار أو حرية المشاعر ، أو حتى حرية الأجساد !
مساء الأحد 21/2/1432هـ مشعل بن عبد العزيز الفلاحي Mashal001@hotmail.com
| | |