لقد امتازت أمتنا بأنها أمة وسطا في كل شيء وكان ذلك من أهم ما يميزها عن الأمم وهذا ما قرره القرآن حين قال : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا .....) ولكن للأسف أن أمتنا في هذا الزمان تخلت عن تلك الميزة بعد أن كانت مطبقة في أوج عصور الحضارة الإسلامية فإذ بنا نجد أمتنا تنقسم بين إفراط وبين تفريط وهذا الإفراط والتفريط أصبح موجودا في كافة شئون حياتنا بصورة تدعو إلى الأنتباه وحتمية العودة إلى الوسطية من جديد .
وإذا أردنا أن نوضح ما ندعو إليه فإننا نضرب لذلك العديد من الأمثلة التي توضح بجلاء أننا نصبح إما مُفرِطين أو مُفَرطين ومن هذه الأمثلة :- 1) تربية الأبناء : فبدلا من أن يسلك الآباء سلوكا وسطا في تربية آبناءهم كما دعاهم القرآن والسنة إلى ذلك إذ بنا نجد الآباء ينقسمون بين إفراط في تربية أيناءهم على الإسلام وبين تفريط في تلك التربية ، فكثير من الأباء قد يدعوهم إلتزامهم غير المضبوط إلى تربية أبناءهم على الحق بصورة تتمثل في الأمر والنهي غير المناقش فيه بصورة تدعوا ألأبناء إلى كراهية الدين ومحاولة التمرد عليه في أقرب وقت ممكن إذ أن الأبناء لن يظلوا تحت أعين آباءهم في كل الأوقات فتربيتهم على الخوف فقط من الآباء لن يجعل الأبناء يلتزمون شريعة الإسلام ، وكم رأينا من شباب كانوا من أسر متدينه ولكن لتضييق آباءهم على حريتهم وللإلزامهم بالأمور دون نقاش أو حوار جعلهم حين يبتعدون عن آباءهم يفعلون كل ما يريدونه وما يرغبون فيه , وعلى الجانب الأخر نجد آباء لا يربون أولادهم ولا يهتمون بهم ويكون كل همهم في جمع المال وفي إعتلاء المناصب ظانين بذلك أنهم يوفرون لأبناءهم حياة سعيدة ولك للأسف أنها لا تكون كذلك ، فكما أن الآباء مطالبون بالسعي نحو المعيشة فإنهم مطالبون في الأساس بتربية آبناءهم على الحق وحمايتهم من الغواية والأنحراف ولقد رأينا وسمعنا كثيرا عن آباء تركوا أبناءهم للأنحراف لإنشغالهم بالسعي وراء المال ، ولعل هذا التفريط في التربية موجود بصورة كبيرة للغاية في أمتنا الإسلامية نظرا للأننا نعيش في زمن انشغل فيه بالسعي وراء المعيشة التي أصبحت صعبة وغير ميسرة نظرا للأننا نطبق أنظمة اقتصادية وضعية تقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتعاني من ظلم في توزيع الدخول بين الأفراد وعموما فإن الأفراط والتفريط أمران يرفضهما الإسلام بكل قوة لأنه يدعو إلى الوسطية في تربية الأبناء والتي من أهم سماتها على سبيل المثال لا الحصر :- 1) قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ..) فإسلامنا يدعونا إلى أن نقي أنفسنا وأهلينا نار جهنم وهذا لن يكون إلا بالتربية على الإسلام تربية سليمة .
2) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تكون على أساس الخشية من الله وليس من الأباء فقط فالأبن الذي تدرب وتعلم وتربى على الخوف من الله لن يرتكب ذنبا أو معصية سواء كان ذلك في حضور الأب أم في غيابه .
3) يقرر الإسلام بأن يكون هناك حوار دائم بين الأباء وأبناءهم في كافة الأمور وأن يكون الأقناع هو السبيل الوحيد للحوار والنقاش لا الإلزام مع ضرورة أن لا توضع الحواجز بين الأباء وأبناءهم والتي من شأنها لجوء الأبناء إلى غير آباءهم للسؤال عن أمور يتعرضون إليها ويكون من نتيجة ذلك الضلال خاصة عندما يكون السؤال موجها إلى جماعة من الفسقة وما أكثرهم في هذا الزمان .
4) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تأخذ منحنى في التدرج وأن تتناسب التربية المرحلة التي يمر بها الأبناء فتربية ذوي السبع سنيين ليست كتربية ذوي العشر سنين ولعل ذلك ملاحظ في قوله صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " فلعلنا نلاحظ تغير أسلوب التربية حيث كان الأمر بالصلاة على سبع سنين ثم إن لم يطبق وينفذ الأمر يكون الضرب غير المبرح ولكن لعشر سنين فتغيرت التربية بتغير المرحلة التي يمر بها الأبن كما أن تربية الأبن ليست كتربية البنت نظرا لما بينهما من إختلاف وهذا من جميل وعظيم أمر الإسلام . وغير ذلك من السمات الوسطية التي تميز التربية في الإسلام .
2) الدعوة إلى الله :- انقسم الناس إلا من رحم ربي إلى قسمين في الدعوة إلى الله فنجد :- 1) قسم أفرط في الدعوة إلى الله فتجده يصرف كل وقته في الدعوة ولكن على غير علم فيضل ويُضل فنجده يفتي هنا وهناك ويتحدث عن الدين هنا وهناك آخذا بالظاهر من الدين دون أن يتعمق في مقاصد الشريعة وما تسموا إليه فنجده يحرم ما أحله الله وتجده يتشدد في أمور يسرها الدين فيفر الناس منه ومن دعوته وهذا بسبب قلة فهمه وعلمه وسوء تطبيقه .
2) فسم فرط في الدعوة إلى الله فنجده يعيش ويحيا لا يتعلم العلم الشرعي ولا يدعو إلى الله ولو بأية أو حديث أو حتى بحسن أخلاقه وجميل عبادته فهو يعيش ليأكل ويتمتع ولا هم له إلا الدنيا وآخر ما يخطر بباله أمر هذا الدين وواقعه فيموت ولا أثر له يذكره به الناس وبذلك يكون ممن خذل الإسلام في حياته وما أكثر تلك الطائفة من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا الإفراط والتفريط في الدعوة إلى الله أمرا غير مرغوب فيهما أيضا فإن دعوتنا يجب أن تتسم بالوسطين من حيث الشكل والمضمون والأشلوب فيجب على المسلم أن يتعلم دينه تعليما صحيحا ويأخذه عن العلماء الثقات ويحسن فهم الدين ويعرف مقاصد الشريعة ثم يدعوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة دون تغليظ أو قسوة أو إكراه بل بيسر وود ومحبة ورغبة في الخير وبهذا يستطيع أن بقطف ثمار دعوته ويحقق غايته من الدعوة إلى ربه فإسلامنا قضية رابحة تحتاج إلى محام ناجح يحسن عرضها وإيصالها إلى الناس . وغير ذلك من الأمور التي أبتعدت عنها الوسطية كالتعامل مع المرأة والعلاقة مع غير المسلمين وغير ذلك .
|