إعداد/ مجدي عرفات اسمه ونسبه: هو أبو عبد اللَّه مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير بن عوف بن كعب بن يزيد بن الحريش بن عامر الحَرَشِيِّ العامري البصري. مولده: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. شيوخه: روى عن أبيه وعلي وعمار وأبي ذر وعثمان وعائشة ومعاوية وعمران بن حصين وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم. تلامذته: حدث عنه الحسن البصري وأخوه يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير وثابت البناني وقتادة وحميد بن هلال وسعيد الجريري وخلق كثير. ثناء العلماء عليه: 1- ذكره ابن سعد فقال: روى عن أبي بن كعب وكان ثقة له فضل وورع وعقل وأدب. 2- وقال العجلي: كان ثقة لم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا هو وابن سيرين ولم ينج منها بالكوفة إلا خيثمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي. وقال: بصري ثقة من كبار التابعين رجل صالح. وقال ابن حجر: ثقة فاضل. من أحواله وأقواله: قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير أنه كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه فقال: اللهم إن كان كاذبًا فأمته، فخر ميتًا مكانه، قال: فرفع ذلك إلى زياد فقال: قتلت الرجل، قال: لا ولكنها دعوة وافقت أجلاً. وعن غيلان أن مطرفًا كان يلبس المطارف والبرانس ويركب الخيل ويغشى السلطان ولكنه إذا أفضيت إليه أفضيت إلى قرة عين. قال مسلمة بن إبراهيم: حدثنا أبو طلحة بشر بن كثير قال: حدثتني امرأة مطرف أنه تزوجها على ثلاثين ألفًا وبغلة وقطيفة وماشطة، وروى مهدي بن ميمون أن غيلان قال: تزوج مطرف امرأة على عشرين ألفًا. قال الذهبي: كان مطرف له مال وثروة وبزة جميلة ووقع في النفوس، وروى أبو خلدة أن مطرفًا كان يخضب بالصفرة. وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق، أنبأنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن قتادة قال: كان مطرف بن عبد اللَّه وصاحب له سَرَيَا في ليلة مظلمة فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء فقال: أما إنه لو حدثنا الناس بهذا كذبونا، فقال مطرف المكذب أكذب، يقول: المكذب بنعمة اللَّه أكذب. عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف قال: لقيت عليًا رضي الله عنه فقال لي: يا أبا عبد اللَّه ما بطأ بك ؟ أَحُب عثمان ؟ ثم قال: لئن قلت ذاك لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب. وقال أبو نعيم أيضًا: حدثنا عمارة بن زاذان قال: رأيت على مطرف بن الشخير مِطْرَف خز أخذه بأربعة آلاف درهم. وقال حميد بن هلال: أتت الحرورية مطرف بن عبد اللَّه يدعون إلى رأيهم، فقال: يا هؤلاء لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى وإن كان ضلالة هلكت نفسي وبقيت لي نفسي ولكن هي نفس واحدة لا أغرر بها. قال سليمان بن حرب: كان مطرف مجاب الدعوة. قال سليمان بن المغيرة: كان مطرف إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته. قال مهدي بن ميمون عن غيلان بن حرير قال: حبس السلطان ابن أخي مطرف فلبس مطرف خلقان ثيابه وأخذ عكازًا وقال: استكين لربي لعله أن يشفعني في ابن أخي. أقواله: كان يقول: الناس على قدر زمانهم. وروى قتادة عن مطرف بن عبد اللَّه قال: فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع. وفي الحلية روى أبو الأشهب عن رجل قال مطرف بن عبد اللَّه لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا. وعن ثابت البناني عن مطرف قال: لأن يسألني اللَّه تعالى يوم القيامة فيقول: يا مطرف ألا فعلت. أحب إلي من أن يقول لم فعلت ؟ جرير بن حازم حدثنا حميد بن هلال قال: قال مطرف بن عبد اللَّه: إنما وجدت العبد ملقى بين ربه وبين الشيطان فإن استشلاه ربه واستنقذه نجا وإن تركه والشيطان ذهب به. جعفر بن سليمان حدثنا ثابت قال: قال مطرف: لو أخرج قلبي فجعل في يساري وجيء بالخير فجعل في يميني ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئًا حتى يكون اللَّه يضعه. حماد بن يزيد عن داود بن أبي هند عن مطرف بن عبد اللَّه قال: ليس لأحد أن يصعد فيلقي نفسه من شاهق ويقول: قدر لى ربي ولكن يحذر ويجتهد ويتقي فإن أصابه شيء علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب اللَّه له. وقال أيوب: قال مطرف: لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إليَّ من أن التمس فضل الجهاد بالتعزيز. وعن محمد بن واسع قال: كان مطرف يقول: اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض. وعن مطرف أنه قال لبعض إخوانه: يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني واكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال. وقال مهدي بن ميمون: قال مطرف: لقد كاد خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل اللَّه الجنة. قال قتادة: قال مطرف: لأن أعافى فأشكر أحب إليَّ من أن أُبتلى فأصبر. روى ابن عساكر بسنده إليه أنه قال: إني لاستلقي من الليل على فراشي فأبتدر القرآن كله فأعرض نفسي على أعمال أهل الجنة فأرى أعمالهم شديدة كانوا قليلا من الليل ما يهجعون <<، يبيتون لربهم سجدا وقياما <<، أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما <<، فلا أرى صفتي منهم، وأعرض نفسي على أعمال أهل النار قالوا: ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين (45) وكنا نكذب بيوم الدين (46) حتى أتانا اليقينفأرى القوم مكذبين فلا أراني فيهم فأمر بهذه الآية وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهمفأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم. وقال: يا إخوتاه؛ اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة اللَّه وعفوه كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحاذر لم نقل: ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل <<، نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك. وقال: القبر منزل بين الدنيا والآخرة من نزله بزاد ارتحل منه إلى الآخرة إن خيرا فخير وإن شرا فشر. قال: ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت إلي نفسي. قال: لو أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يخيرني أفي الجنة أنا أم في النار وبين أن أصير ترابا لاخترت أن أصير ترابا. وكان يقول: لو أن رجلا رأى صيدا والصيد لا يراه يختله أليس يوشك أن يأخذه ؟ قالوا: بلى قال: فإن الشيطان هو يرانا ونحن لا نراه وهو يصيب منا. وقال: من صفا عمله صفا لسانه، ومن خلط خلط له. وقال لابنه: يا بني إن العلم خير من العمل، وإن الحسنة بين السيئتين، وإن خير العمل أوساطه، قال الله عز وجل: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما <<، وقال: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراوقال: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا <<، وقال: خير الأمور أوسطها والحسنة بين السيئتين وشر السير الحقحقة. قال الأصمعي: قوله: «الحسنة بين السيئتين» يعني: أن الغلو في العبادة سيئة، والتقصير سيئة والاقتصاد بينهما حسنة. وقوله: «شر السير الحقحقة» هو أن يلج في شدة السير حتى تقوم عليه راحلته وتعطب فيبقى منقطعا به، وهذا مثل ضربه للمجتهد في العبادة حتى يخسر. وكان يقول: صلاح قلب بصلاح عمل، وصلاح عمل بصلاح نية. قال: كأن القلوب ليست منا، وكأن هذا الحديث يعني به غيرنا. قال: إني إنما وجدت ابن آدم كالشيء الملقى بين الله عز وجل وبين الشيطان فإن أراد الله أن ينعشه اجتره إليه وإن أراد به غير ذلك خلى بينه وبين عدوه. قال: إن أقواما يزعمون أنهم إن شاءوا دخلوا الجنة وإن شاءوا دخلوا النار فأبعدهم الله إن دخلوا النار (هؤلاء هم القدرية الذين ينفون عن الله التقدير لكل شيء وأن لهم مشيئة مستقلة لا مشيئة لله عليهم)، ثم قال: والله الذي لا إله إلا هو - ثلاثا مجتهدا - لا يدخل الجنة عبد أبدا حتى يدخله الجنة ربه. قال: إن أقواما يزعمون أن الله عز وجل لم يخلق الشر، لشر هو أشر من الشيطان، خلق الله الشيطان وخلق النار وخلق الشر، والشيطان قائد لكل شر حتى يكبه في النار. قال: نظرت في بدو هذا الأمر ممن هو ؟ فإذا هو من الله، ونظرت على من تمامه ؟ فإذا تمامه على الله، ونظرت ما ملاكه ؟ فإذا ملاكه الدعاء. قال: إن الله لم يوكل الناس إلى القدر وإليه يعودون. قال: ما أوتي رجل بعد الإيمان بالله خير من العقل. قال قتادة: كان مطرف إذا كانت الفتنة نهى عنها وهرب، وقال مطرف: لبثت في فتنة ابن الزبير تسعا أو سبعا ما أخبرت فيها بخبر ولا استخبرت فيها عن خبر. قال مطرف: إن من أحب عباد الله إلى الله الصبار الشكور الذي إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر. قال ثابت: كان عبد الله بن مطرف بن عبد الله بلغ في الدنيا حتى استعمل فمات فخرج مطرف وعليه ثياب من صالح ما كان يلبس، فقالوا له: يموت عبد الله وتلبس مثل هذه الثياب؟ قال مطرف: أستبكي وقد وعدني الله عليها ثلاث خصال أحب إلي من الدنيا كلها ؟ قال الله تعالى: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعونإلى قوله: هم مهتدونفقد استرجعت كما أمرني ربي وكل واحدة من هذه الخصال أحب إليَّ من الدنيا كلها. ذكر له أهل الدنيا فقال: لا تنظروا إلى خفض عيشهم ولين رياشهم ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم. وكان مطرف يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان، ومن شر ما تجري به أقلامهم، وأعوذ بك أن أقول بحق أطلب به غير طاعتك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأعوذ بك أن أستعين بشيء من معاصيك على خير نزل بي، وأعوذ بك أن تجعلني عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك أن تجعل أحدًا أسعد بما علمته مني، اللهم لا تخزني فإنك بي عالم، اللهم لا تعذبني فإنك عليّ قادر. قال مطرف: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيمًا ليس فيه موت. وفاته: توفي رحمه اللَّه سنة ست وثمانين وقيل غير ذلك في أول ولاية الحجاج. فوائد الترجمة: 1- الزينة والجمال في الثياب والبدن لا ينافي التقوى والورع. 2- إجابة الدعاء منوطة بالتقوى والورع. 3- احرص على نفسك فلا تهلكها بالبدع والشبهات. 4- العلم أفضل من العبادة بجهل. 5- الإعجاب بالعمل يفسده. 6- وما بكم من نعمة فمن اللهفهو الذي يوفقك ويهديك لا بقدرتك. 7- الشكر على النعمة أقرب من الصبر على البلاء وكلاهما من الابتلاء. المراجع: تاريخ دمشق - حلية الأولياء - سير أعلام النبلاء - تهذيب التهذيب - تقريب التهذيب. |