| الكارثة الثانية لجدة ..سيل الماء، وسيل المرأة 2388 زائر 12-02-2011 د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه | بسم الله الرحمن الرحيم باختصار.. كارثة جدة تعود إلى انتهاك حدود الله تعالى ؟!!. التوصل إلى هذه النتيجة ليس معجزا، تعالوا لننظر: أمطار غزيرة لم تجد طريقها، فأغرقت الشوارع والأحياء والبيوت.. الأبنية احتلت منافذ الماء، فحصر.. الماء سلس يطلب المنخفضات، ويترك المرتفعات للناس.. الناس هم الذين عدوا عليه، واحتلوا مخارجه، فعاد عليهم، فآذاهم كما آذوه، وحاصرهم كما حصروه. كيف حدثت الأبنية في سبل السيل، وقد كان الناس يحذرون الأودية وبطونها؟. الجهل بأنها أودية مستبعد.. فكل بلدة لها خبراؤها وأهلها العارفون بجبالها، وسهولها، ووديانها. ثم مع التمدن، صار لكل مدينة بلدية وأمانة ترعى شئونها، وتدرك تفاصيل طبيعتها الجغرافية. لم يبق إلا أن الأبنية وجدت على علم ومعرفة بطبيعة الأرض، فهناك إذن انتهاك لحدود الله. حدود الله كثيرة، من أعظمها: الامتناع من إلحاق الضرر بالآخرين في أي شيء: - قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار). وامتلاك الأدوية إضرار؛ لأن الوادي أرض مشاعة لا تملك، فإذا خططت للبيع، ثم بيعت فضرر على ضرر على ضرر؛ إي إثم على إثم على إثم. هذا المجموع من الضرر، لم يكن فيه الممتلك للوادي وحده هو المضر المعتدي، بل من أعطاه الإذن بالملك، ثم من خطط له الأرض ليبيعها، وهم يعلمون أنها طرق للماء، ثم من باع له واشترى، ويلحق بهم من روج وأعلن. كل هؤلاء متعانون على الإثم والعدوان، منتهكون لحدود الله تعالى، حيث كان مجموع أعمالهم مهيئا لبيئة تجمع المياه، حتى تكون منها فيضانات تجري؛ لإتلاف أنفسِ ومساكنِ وأموالِ من سكنوا تلك البقعة. ولم يكن هؤلاء المتعاونون على انتهاك الحدود، يظنون حدوث هذا القدر من العذابات، لكنهم علموا أن ما يفعلون خطأٌ وغشٌ، ثم لم يردعهم.. أعماهم حب الكسب. في نصوص الوحي نهي عن الانتهاك الجماعي للحرمات والحدود، كما فيه نهي عن السكوت على الانتهاكات الظاهرة المعلنة، يقول عليه الصلاة والسلام: - (من غش، فليس منا). الغِشُّ فيه إضرار بالآخرين، نهى عنه بنبذ وطرد الغاش وإخراجه من زمرة المؤمنين؛ أتباع النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا). - (لعن الله الراشي والمرتشي). الراشي: يدفع مالا؛ ليأخذ ما ليس له. والمرتشي: يقبض المال؛ ليعطي ويسهل للراشي ما ليس من حقه. فكل الذين اشتركوا في بيع الأرض على مجاري الأدوية لهم حظ من: النبذ والإخراج من زمرة المؤمنين، ولهم حظ من اللعنة. بدءا بالراشي المالك، ثم الذي شرع له ملكية الأرض، حتى الذي خطط وهيأ، إلى الذي روج وباع. كل هؤلاء أَصّلوا وهيَّئوا لمصيبة أتى موعدها بعد عقود من الزمن، لم يكن أحد يعلم ولا يقدِّر حصولها، هي المدة التي احتاجها الوادي ليَتم بنيانُه، ومساكنُه، حتى إذا اختنق فضاع ملكه وسبيله، عاد يطلب حقه فانتقم. لو أن هؤلاء اتقوا وعملوا بوصية الله تعالى: {وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فلم يجد الراشي والمتنفذ بسلطته من يعينه على تملك الوادي؛ أغلقوا بابهم دونه. لو قام في الناس من ينبه من يشترى، إلى وجود الأودية في الموقع: لوقاهم الله شر ذلك اليوم. ما من منكر عام يقوم به جماعة من الناس، وإلا وكانت العقوبة على جميعهم، حتى الذي خفت مشاركته، فالله تعالى: - لعن في الربا خمسة: (آكله، وموكله، وشاهديه، وكاتبه). رواه أحمد - وفي الخمر عشرة: (الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها) صحيح الجامع برقم: 5091 المنكرات العامة الجماعية انتهاك صريح لحدود الله، تستحق العقوبة، والعقوبة من شؤمها تلحق بالجميع، حتى البريء، وقد مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بمثال بليغ، قال فيه: - (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا). البخاري/الشهادت القائم على حدود الله: الذي يمنع الناس من انتهاك الحدود، إما بالأمر إ ذا كانت له سلطة، أو بالوصية. والواقع فيها: هو المنتهك المعتدي. والحديث يخبر بأن الجميع في سفينة واحدة تحملهم في البحر، والبحر من تحتهم، يموج بهم ويلعب. في السفينة ليس لأحد أن يتصرف فيها كما يشاء، إلا أن يشاور ويراعي الآخرين، فلو اجتهد أن يخرق مكانه – لا مكان غيره – كيلا يؤذي أحدا حينما يجلب الماء، بمزاحمة ونحوها، لم يكن له ذلك، مهما بدا في قصده مثاليا؛ فإن فتحة بحجم رأس كبريت تكفي لإغراق سفينة، وقد قيل: إن سد مأرب العظيم انهار بفعل فأر صغير. ما أشبه هذا الفعل بفعل الراشي، حين يرشي ليملك واديا، ثم يقول: هذا واد صغير، والمشروع سيوفر وظائف للعشرات، والمئات، والآلاف من الأسر الفقيرة. يا ويحك!، لا تستخف بالصغيرة، ولا تغش ولا تتصدق. والبقية في السفينة، إن تركوا هذا الأخرق، خرق وأغرق، وهكذا الغاش والراشي والمرتشي، لما تُركوا فلم يأخذ أحد على أيديهم، وكل قال: نفسي، نفسي. كانوا كمن يرى هذا يخرق، فيشيح بوجه ويقول: مكانه يخرق، لا مكاني !!. ويلك، السفينة كلها مكانكم جميعا.. وهكذا غرقت السفينة مرتين، فكان الإثم من نصيب المعتدين والمعاونين، والعذاب من نصيب الغافلين. مجموع الأمة مسئول عن المنكرات الظاهرة، لو تركوها بلا نكير، فالمصائب الحسية والمعنوية تعم، والمعنوية هي أشد؛ فإنها تصيب الدين والخلق، وهي أشد من مصيبة المال والنفس. والناس يغفلون بطبعهم عنها، ولا يعرفون من المصائب إلا محسوسها.
* * *
إذا الناس غفلوا عن بدايات هذه الكارثة حتى أصيبوا بها، فهم اليوم غافلون عن بدايات كارثة كبيرة أخرى، ستجعل من المرأة في بلادنا متحررة من حجابها؛ لا أقول: تكشف وجهها. بل تضع رداءها، وجلبابها، وعباءتها. حتى تخرج بثياب بيتها. وبدايات هذه الكارثة بادية للعيان، في: كشف الوجه، والزج بالمرأة في النشاطات المختلطة بدون مبرر صحيح، وابتعاثها إلى بلاد الاختلاط والسفور والتحرر من الدين. وكل هذه الأمور وقعت. ما أزيح الحجاب بين الجنسين، إلا وجلب معه سيلا يخنق الفضيلة، ويحاصر الأسرة، ويقتل الود والرحمة بين الزوجين، ويهدم السكن، ويخلق الاضطراب. هو سيل مدمر أشدُ من سيل الماء، الذي حاصر، فخنق، وهدم، وقتل، وأتلف.. هذا الدفع بالمرأة، دفع لسيل عرمرم، سيهدم كل شيء في طريقه، يهدم الأرواح، والقلوب، والعقول، والفضائل، سيلحق بها القوت كذلك، نعم، سيل الفتيات العاملات، سيغرق السوق بالوظائف النسوية، والرجال سيغرقون، فلا يجدون يدا تمتد إليهم. الماء رمز الحياة، والمرأة رمز السكن والود والرحمة، لكن الإضرار بطريق الماء، يقلب الماء عذابا. والإضرار بطريق المرأة، وسد منافذ وظيفتها: الأمومة، ورعاية المنزل، والقرار. إلى المنافسة في الوظائف الذكورية المختلطة، والبقاء في الطرقات: يقلبها جحيما على الرجال جميعا، يموتون كل يوم حسرة وندما، وأسفا وحنقا. فأما أولياؤها، فيندبون يوما سكتوا فيه على تحررها، فها هي تسومهم سوء العذاب، عندما تخرج وتذهب كما تشاء، مع من شاءت، وتفعل ما تشاء ولا يدرون في أي واد هي؟!. هذه ضريبة التحرر: مساواة تامة بالرجل، فلا سلطة لولي، ولا تدخل في شئونها بقوة القانون. وأما من عدا أوليائها، فهم بين لاهث وراءها يطلب شهوته، يموت عشقا، ويموت كمدا لو ذهبت إلى غيره. وآخر يلعب بها ويتسلى، يحقق بها غرضه، ثم يدوسها برجليه. وثالث في ذهول وزفرة ألم وغضب وحيرة، من زوجة تركته وأولاده لأجل زميل العمل. وزوجة تلطم الخد، وتشق الجيب على زوجها؛ الذي تركها وأولادها لأجل زميلة العمل. تبقى الأبنية والطرقات آمنة كما هي، لن يضرها تحرر المرأة، لكنها ستكون بلا حياة ولاروح، موحشة لا مهرب منها، ليس فيها الحب والأمل، بل اليأس والنكد. كل ما نراه من بدايات، سينتهي إلى ما انتهت إليه بلاد أخرى، لا حجاب ولا عباءة، بل قصير وضيق، وشفاف، وشبه عار، وشعر متناثر، يقارع الشمس، ويضارع الليل، تتلاشى خصوصيات المرأة، فلا يخفى منها شيء، ثم لا تعود بعد ذلك مشوِّقة، وبعد أن كانت جوهرة مصونة، ما يخفى منها أكثر مما يبدو، تصير مكشوفة يرد عليها كل ذباب، فيزهد فيها الرجال، لا يطلبون روحها وحبها وعقلها، بل جسدها وبضعها، يهلكون بها أنفسهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم.. هكذا سيكون، فالتجارب حاضرة، والسنة واحدة.
| | |