لفـظ (سـلف) فـي اللـغة يراد به مـا مضى وتقدم؛ كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] كما يراد به القوم الـمتقدّمون؛ فكل من تقدم من الناس فهو سلف لمن جاء بعدهم. قال الله ـ تعالى ـ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ} [الزخرف: 56]. وقد وردت مادة «سلف» في القرآن في ثمانية مواضع كلها دالة على ما تقدم ذكـره. والملاحـظ في اللفـظ مطلق التقدم الزمني، دون الاقتصار على قوم معينين أو جماعة محددة من الناس. والسلف بمعنى مـن سبق، منهم الصالحون ومنهم الطالحون، والنسبة إليه سلفي. والسلف الصالح بالنسبة لنا هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون لهم بإحسان، والنسبة إليهم لا تعني إلا أن المنسوب إليهم السائر على نهجهم وطريقتهم؛ وعلى ذلك فالسلفية ليست جماعة من الجماعات، كما أنها ليست فترة زمنية من الفترات مرت وانتهت، وإنما السلفية تعني متابعة السلف الصالح في تعاملهم مع كتاب ربهم وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، في فهم الدين والعمل به والدعوة إليه، وهم أهل السنة والجماعة، مما يعني أن السلفية منهج علمي وعملي شامل ومتكامل تجاه النصوص الشـرعية، وليسـت مجـرد موقـف علمـي، وقـد حث الله ـ تبارك وتعالى ـ على اتِّباع السلف الصالح في قوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، كما قال عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»(1)؛ فهي بذلك منهج قابل للتكرار على اتساع الزمان والمكان.
لقد كان التزام المسلمين بالمنهج السلفي في التعامل مع نصوص الشريعة من حيث الفهم والعمل، ضمانة ثبات الدين عندهم وعدم تحريفه في أذهانهم، مصداقاً لقوله ـ تعالى ـ: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: 9] كما مكَّن هذا الالتزام من التعامل مع النوازل والمستجدات بالطريقة نفسها التي تعـامل بها السـلف الصـالح معها، ممـا يعنـي وحـدة المنهج التـي تؤلـف بـين المسـلمين فتجـعل منهـم نـسيجاً متجـانساً، ولا يعني هذا عدم الاختلاف بين أصحاب المنهج السلفي في الفهم مطلقاً؛ فذلك أمر غير مقدور كما أنه ليس مطلـوباً، وإنمـا يكون الخلاف في هذه الحالة خلافاً منضبطاً أي وفق أطر وقواعد معلومة، تنأى بالاختلاف في الفهم والاستنباط عن أن يكون تفرقاً في الدين، أو تفـلتاً وخـروجاً على النصوص، كما لا يعني العصمة في الفهم والعمل؛ بحيث لا تكون هناك أخطاء علمية أو عملية، فذلك أيضاً لم يُضمن لأحد غير الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. ومن أدبيات المنهج السلفي ما جاء عـن ابن عـباس ـ رضي الله عنهما ـ رفـعـه قـال: «ليــس أحـد إلا يؤخذ من قوله ويُدَع غير النبي -صلى الله عليه وسلم-»(2)، وتبعه في ذلك مجاهد فقال: «ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-»(1)، وقد ورد نحو هذا عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، وقد ورد نحو ذلك أيضاً عن كوكبة كبيرة من أهل العلم في جميع المذاهب.
لقد كانت طبيعة هذا المنهج الذي يلتزم بقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]، وبقوله ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 36] سبباً رئيساً لأن يتـحالف ضـد متبـعيه على طـول التـاريخ المتفـلتون الذيـن لم يقدموا الكتاب والسنة على ما عداهما مما يظنونه من اتباع العـقول أو المصـالح، بل عـدُّوا الكتاب والسنة كأحد ما يمكن أن يرجع إليه ضمن أشياء أُخر.
\ مفاهيم خاطئة عن المنهج السلفي:
يروِّج المناوئون للمنهج السلفي بعض المفاهيم المغلوطة عنه، ويخلطونها ببعض التحليلات التي تعتمد على تلك المفاهيم؛ فمن ذلك دعواهم: أن المنهج السلفي منهج إقصائي حاد وعنيف يلغي الآخر المسلم ولا يعترف به، مما يترتب عليه تقسيم البلاد وتفتيت الجماعة، وتهديد الوحدة الوطنية، والعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، وهو يؤدي في النهاية إلى الاحتراب الداخلي، وهم يدعون لأجل ذلك إلى إقصاء المنهج السلفي، وإلى التمييع في متابعة الكتاب والسنة والسلف الصالح بزعم التمكين للتعددية الثقافية والمذهبية، وهذا بلا شك غير صحيح، بل أصحاب المنهج السلفي هم أهل اتِّباع السنة وأهل الجماعة والاجتماع؛ فهم حريصون على الجماعة يذمون التفرق ويصبرون من المخالف على الأذى. قال الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ في خطبته فيما صنفه من الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله قال: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم»(2)، وقد طبق ذلك ـ رحمه الله ـ عملياً؛ وموقفه العملي في ذلك مع المعتزلة الذين عذبوه وسجنوه معروف مشهور.
وهذا مالك بن أنس ـ رحمه الله تعالى ـ لما اسشاره هارون الرشيد في حمل الناس على موطَّئه قال له: «لا تفعل يا أمير المؤمنين! فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفرقوا في الأمصار، فأخـذ كـل قوم عمن كان عندهم، وإنما جمعت علم أهل بلدي ـ أو كما قال»(3).
ومواقف أصحاب المنهج السلفي في ذلك كثيرة مشهورة؛ فكيف يقال عنهم إنهم إقصائيون؟ وقد سُمي السلف الصالح بأهل السنة والجماعة من حرصهم على الالتزام بالسنة ومجانبة الابتداع، وعلى الاجتماع ونبذ الفرقة، وبهذا يظهر أن هذه مواقف أصيلة في المنهج السلفي وليست تنازلات مؤقتة فرضتها ظروف قاهرة. والشيء الغريب في ذلك أن الذين يرمون الاتجاه السلفي بهذه الفرية هم من يعلنون ويطالبون بإقصاء التيار السلفي، بل الأغرب من ذلك أن من قَبِلَ من هؤلاء بالحل الديمقراطي وأن يكون قرار الشعب هو الفاصل، تجده يقول: ولكن كيف نفعل ذلك من غير أن يصل أصحاب المنهج السلفي إلى الحكم؟ فحتى النظام الانتخابي الذي ارتضوه يسعون إلى صياغته ليكون قائماً على الإقصاء.
ومن ذلك حديثهم أن أصحاب المنهج السلفي لا يستطيعون العيش بدون معارك داخلية مع العلمانيين والروافض وغيرهم، والشيء الغريب أن أصحاب هذه الأقوال هم من يقومون بمعارك داخلية عنيفة وإقصائية مع من يختلفون معهم، لكنهم لا يقبلون أن يردَّ عليهم أحد؛ فهم ينكرون على غيرهم ما هم غائصون فيه إلى الأذقان، ولكن بفارق مهم هو أنهم لا مرجعية لهم في إنكارهم على السلفيين.
فمن المعلوم من دين الإسلام وعند كل المسلمين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما أمرت به الشريعة وجاءت به الرسالة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له درجات ثلاث: باليد واللسان والقلب. ولا شك أن كل من كان لديه علم صحيح فعليه أن يقوم بالبيان في هذا الأمر؛ فهل المطلوب من السلفيين أن يكفُّوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويغلقوا أفواههم على ألسنتهم حتى يقال عنهم إنهم منفتحون أو يقبلون بالتعددية؟ إن هذا الاعتراض في حقيقته هو اعتراض على شريعة الإسلام نفسه وليس على السلفيين فحسب، إن الأمر والنهي أمر قد مارسه المسلمون في كل عصورهم، وكان ضمانة مهمة من ضمانات أمن المجتمعات الإسلامية، وإن الدعوة اليوم إلى إهماله أو تهميشه بحجة السماح بالتعددية الثقافية ونحو ذلك هي دعوة إلى إفساد المجتمعات وتخريبها، وتلك مهمة كثير من التيارات المناوئة للمنهج السلفي.
\ حرب السلفية من جهة تيارات الحداثة بجميع فصائلها:
كل من كان يريد الخروج على هذه الشريعة الكاملة ومنازعة الكتاب والسنة في المرجعية، فلا بد أن يهاجم أصحاب المنهج السلفي؛ لأن أصحابه هم الذين يتصدون له ويردون عليه بالدليل ويبينون زيف كلامه أو دعواه.
في عصرنا الحاضر توجد مجموعات عدة تعادي أصحاب المنهج السلفي، بعضها يستند إلى جذور قديمة وبعضها محدَث جديد، فممن يستند في ذلك إلى أصولهم ومرجعياتهم القديمة، الشيعة وكذلك الصوفية.
لكن هناك فئة معاصرة تعادي أصحاب المنهج السلفي، من غير أن يكون لهم سلف أو أصول يمكن أن يرجعوا إليها، وهي فئة العصرانيين أو الحداثيين أو الليبراليين، وهو ما يجعلهم مقطوعي الصلة مبتوتين عن أوضاع المجتمع الإسلامي، وإن حاولوا الاستناد على المعتزلة الذين قدموا العقل في أمور كثيرة على الكتاب والسنة، فكانوا لهم سلفاً من هذه الناحية؛ فلذلك يكثر من هذه الفئة المديح والتبجيل لهم، ومحاولة إحياء تراثهم، حتى صار الثناء على المعتزلة يمثل علامة بارزة لأصحاب هذه الاتجاهات.
لقد وفرت الحملة الأمريكية الظالمة التي تشنها هي وأحلافها ـ على ثبات الدين الإسلامي في محاولة لتفريغه من مضمونه، أو تطويره الذي يعني تغييره وتبديله، متذرعة في ذلك بما ابتدعته وروجت له باسم الحرب على الإرهاب، وقد قدمت العديد من مراكز أبحاثهم توصيات لتحقيق ذلك كتقوية الفئات المبتدعة أو الفئات الليبرالية والاتصال بهم، وفرضهم على الأنظمة، والسماح بإدخال بعضٍ من أطروحاتهم ومفاهيمهم للدين لتكون جزءاً من المناهج التعليمية ـ وفرت شروطاً لنجاح أصحاب تلك الفرق في مشروعهم التخريبي، الذين عملوا على الاستفادة من هذه الأوضاع، واستغلال حالة الضعف الشديدة التي يمر بها الكثير من الأنظمة الإسلامية، التي لم يعد يشغلها سوى الحفاظ على مكاسبها وأوضاعها.
وقد تعرض المنهج السلفي في عصرنا على أيديهم إلى مناوأة شديدة على مختلف الأصعدة.
ويمكن تقسيم الحديث عن حربهم للسلفية إلى ثلاثة محاور:
الأول: المرجعيات أو المصادر (الكتاب ـ السنة ـ الإجماع).
الثاني: منهج التعامل العلمي والعملي.
الثالث: رموز ورجالات المنهج السلفي.
وقد حظي كل محور من هذه المحاور بحملة من الهجوم والقدح لمحاولة إفراغه من مضمونه، أو إسقاطه من نظر المسلمين.
\ حرب المرجعيات أو المصادر:
تمثلت هذه الحرب في محاولة تهميش مكانة الكتاب والسنة والإجماع باعتبارها الأصول الضابطة التي يرجع إليها عند الاختلاف؛ وذلك من خلال الحديث عن:
1 ـ تعددية القراءة للنصوص الشرعية؛ بمعنى أن النص الشرعي يمكن فهمه بأكثر من طريق، أو أسلوب، مما يسمح بالوصول إلى نتائج مختلفة أو متباينة، وأحقية كل واحد أن تكون له قراءة خاصة به، يفهم من خلالها النصوص بلا ضابط يضبط ذلك، سوى الحديث عن موافقة العصر ومجاراة التطور، وعدم التحجر أو مخالفة العقل، من غير اشتراط لأي إمكانيات أو مؤهلات علمية تعين على الفهم والاستنباط، وهم في ذلك متأثرون بالنظرة الغربية لكتبهم المقدسة التي فقدت قداستها لكثرة ما وقع فيها من الخلط والاضطراب، الذي هو أحد نتائج التحريف الذي تعرضت له تلك الكتب على أيدي أتباعها.
2 ـ إهمال مكانة أصحاب التخصص في العلوم الشرعية في الفهم والاستنباط، تحت زعم نفي الوصاية والقداسة، ومن هذا المنطلق، انفتح الباب على مصراعيه لكل دخيل دعي يزعم أحقيته في مخالفة المستقر المعلوم الذي دلت عليه النصوص، وأيدته أقوال أهل العلم على مدى القرون، وهم في ذلك أيضاً متأثرون بالنظرة الغربية لعلماء دينهم الذين جعلوا من آرائهم ومعارفهم المحدودة، شرعاً وديناً يضاهي ما نزل من عند الله العلي الكبير، فقامت لأجل ذلك في الغرب حركات للإصلاح الديني من أشهرها حركة «مارتن لوثر»؛ حيث دعا إلى رفع وصاية القساوسة عن «الكتاب المقدس» وأن تتاح قراءته لجميع النصارى بعيداً عن التقيد بشروحات أو أفهام القساوسة والرهبان.
3 ـ تاريخية الشريعة؛ بمعنى ربط النص بالحادثة أو الواقعة التي جاء فيها، وهو يعني إخراج الشريعة عن عمومها وشمولها، وهو ما يعني في حقيقته نسخ الشريعة، وإذا لم يكن النسخ كاملاً عند بعض هؤلاء، فعلى الأقل نسخ كل ما يتعارض من الشريعة مع ما يعدونه من قيم التحضر والمعاصرة؛ انطلاقاً من أن تلك النصوص المتروكة إنما هي نصوص تاريخية ليست عامة أو شاملة، فصارت هذه القيم بمنزلة المحكم الذي يُقدَّم على غيره، وتُحرَّف لأجله النصوص الواضحة المحكمة باسم التأويل.
\ حرب المنهج العلمي: وذلك من خلال:
1 ـ الاعتداد الزائد عن الحد بالعقل وتقديمه على النص؛ فإذا تعارض ما دل عليه الشرع مع ما دل عليه العقل، كان ما دل عليه العقل هو المقدم.
2 ـ تأسيس الأحكام على ما يتصور أنه مصلحة من غير مراعاة لأية قيود أو ضوابط سوى مجرد المصلحة.
3 ـ الخروج على الضوابط الشرعية والتفلت من الاتِّباع بدعوى التيسير، فأصبح لفظ التيسير هو الصخرة التي ُتحَطَّم بها الضوابط والقيود والحدود، وتخالَف بها النصوص الصريحة في دلالاتها
\ حرب الرموز:
أما الرموز فهي القيادات المتبعة للمنهج السلفي والداعية إليه والمقررة لأصوله، ويكون ذلك بالطعن فيها بنبزها بالتحجر والانغلاق، وعدم معرفتها بالواقع، وعدم الانفتاح على قيم العصر، وأن هذه القيادات لم تعد مما يصلح في حقبة العولمة التي تحول فيها العالم إلى بقعة كبيرة متجانسة متصلة ببعضها اتصالاً وثيقاً على رغم بُعد المسافات بينها، ومحاولة حصر المنـهج فـي عـدد مـن الأشـخاص وكـأنهم هـم الذيـن جاؤوا به أو ابتدعوه، وليس هو منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، فتراهم يحصرون المنهج السلفي في العصر الحديث في الشيح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ومن قبل يحصرونه في شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى؛ في حين أن هؤلاء الأعلام لم يكونوا أكثر من مقررين لمنهج السلف، ناقلين له، وداعين إليه؛ فلم يكونوا منشئين له؛ والدليل على ذلك أنك تجدهم يستدلون على ما يقررونه بكلام المتقدمين من أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة المتَّبَعين كأبي حنيفة ومالك والليث والشافعي وابن حنبل والبخاري والطبري وابن عبد البر والآجرِّي واللالكائي والهروي والدارمي وابن مندة، وغيرهم كثير.
\ ساحات العمل:
لقد بان أن على أصحاب المنهج السلفي أن يجاهدوا في ساحة عمليات واسعة، تشتمل على عدة جبهات كلها مفتوحة فـي آن واحـد. ولا شك أن تعدد الجبهات واتساعها من شأنه أن يضـعف القـوة المواجـهة ويشتـتها، كمـا قـد يـورث نوعـاً مـن البـلبلة والتداخل بل وربما التعارض أحياناً، وليس هناك من خيار في مواجهة تلك الجبهات جميعاً، لكن قد يمكن التأجيل بعض الوقت مع بعض الجبهات، وتقديم مواجهة الأخطر على الخطير إذا لم يمكن استيعاب الجبهات جميعاً، كمـا يمكن تقسيم العمل بحيث تتفرغ مجموعة لمواجهة طرف من أطراف الهجوم على المنهج السلفي، بينما تتفرغ مجموعة أخرى لمواجهة طرف ثانٍ وهكذا، ويتبين من هذا أن الساحة تتسع لكل فصائل التيار السلفي بالمشاركة دون المزاحمة، والجبهات المفتوحة لمحاربة المنهج السلفي هي: جبهة الشيعة، جبهة الصوفية، جبهة تيار الحداثة بكل فصائله، جبهة الغلاة الذين يغالون في المنهج السلفي. وفي المقابل لهم: فئة المتخاذلين أمام جبروت الظالمين وكلهم يزعم اتباع المنهج السلفي، وهم رغم تناقضهم الشديد إلا أنهم وجهان لعملة واحدة، هي البعد عن المنهج السلفي: إما بالغلو فيه، وإما بالجفاء عنه
\ التحديات التي تواجه الدعوة السلفية:
هناك العديد من التحديات التي تعترض مسير الدعوة إلى المنهج السلفي، التي يمكن النظر إليها من خلال جهة التحدي: فهناك تحديات دولية، وهناك تحديات محلية، كما أن هناك تحديات داخلية، نذكر منها ما يلي:
< التحديات الدولية:
تتمثل التحديات الدولية في الحملة العالمية المعلنة على الإرهاب، التي تحاول الربط ظلماً وافتراء بين الإرهاب والمنهج السلفي؛ فاتِّباع المنهج السلفي يعد في نظر أصحاب هذه الحملة من الإرهاب الذي ينبغي محاربته، ويعدون المنهج السلفي هو منتج الإرهاب، ولا يستثنون من ذلك إلا ما يدعونه بأنه معتدل. والاعتدال عندهم ليس هو ما ينافي الغلو، ولكن الاعتدال هو القبول بالقيم الغربية والدعوة إليها، أو عدم معارضتها، فأتْباع المنهج السلفي ـ عندهم ـ إما إرهابيون بالفعل، وإما إرهابيون بالاستعداد، مما ترتب عليه ضغط الحكومات الغربية على كثير من الأنظمة الإسلامية للتضييق على الاتجاه السلفي ومحاصرته، وذلك عن طريق إلغاء التعليم الديني أو التضييق عليه، وتقييد النشاط الدعوي السلفي، وتقليص الدعم المادي إلى حدود متدنية، ولا يبعد عن ذلك تلك الهجمة الشرسة على المؤسسات الخيرية الإسلامية التي تقوم بالعمل الخيري بين المسلمين، وهذا يؤثر بلا شك على الدعوة السلفية؛ حيث يجعلها في دائرة الاتهام في نظر المخدوعين بهذه الحملة الظالمة، مما يصد الكثير من المسلمين عنها.
وفي تقرير (شيرلي بينارد) الذي أعدته مؤسسة (راند) لمقاومة الإسلام في شخص المتمسكين به، قدَّمتْ عدداً من التوصيات لصانعي القرارات. فمن ذلك: أن الصوفية تمثل تأويلاً فكرياً منفتحاً للإسلام، ويجب أن يتم تشجيع التأثير الصوفي بقوة في البلدان التي لديها تقاليد صوفية مثل العراق وأفغانستان، وذلك من خلال التأثير في مناهج التعليم وقيم المجتمع وثقافته؛ حيث إن الصوفية بما لديها من طقوس شعرية وموسيقية وفلسفية تمثل جسراً للخروج من الاندماج الديني. ومن ذلك يجب دعم الحداثيين في المقام الأول؛ وذلك من خلال تغليب نظرتهم للإسلام.. ويجب العناية بهم وتقديمهم إلى الرأي العام على أنهم يمثلون الوجه المعاصر للإسلام. ومن ذلك تشجيع العلماء من أنصار الحداثة في تأليف الكتب وإعداد المناهج الدراسية. ومنه الاستفادة من وسائل الإعلام الإقليمية للتعريف بأفكار وممارسات أنصار الحداثة المسلمين. ومن ذلك العمل على تأهيل نماذج قيادية يقتدى بها. ومن ذلك أيضاً مشاركة الغالبية من المسلمين من أنصار الحداثة في المناسبات السياسية ليصبحوا حقيقة سكانية ماثلة للعيان(1)، إلى غير ذلك من التوصيات التي تأخذ طريقها إلى التنفيذ في واقع المجتمعات الإسلامية.
< التحديات المحلية:
وأما التحديات المحلية فكثيرة، ومنها: سيطرة كثير من مروِّجي بضاعة الغرب الفكرية على مواقع التأثير، والذين يرون أن في التمسك بالمنهج السلفي والمحافظة عليه خطراً يهدد سلامة المجتمع وأمنه وتآلفه، ولذلك يدعون إلى التخلي عن هذا المنهج وتجاوزه، واستغلال واقع العالم المناوئ للمنهج السلفي في كسب أرض جديدة، والضغط على الأنظمة لابتزازها في التصدي للدعوة السلفية، واستعدائها عليها بزعم الخطورة على استقرارها، والتخويف بالعالم الغربي.
ومن ذلك السماح للاتجاهات المنحرفة إسلامياً كالشيعة والصوفية الغالية وتيارات الحداثة في الدعوة إلى انحرافاتهم، ومن ذلك تجاهل أصحاب الدعوة السلفية في كثير من المجتمعات، وإبعادهم عن مراكز التأثير، والحيلولة بينهم وبين المناصب العليا في مؤسسات الدولة المهمة، وعدم إشراكهم في حركة التصحيح والإصلاح، بل حجبهم عن ذلك ومنعهم منها، مما يؤثر على قدرتهم في إصلاح مجتمعاتهم ويحول بينهم وبين الانفتاح على شعوبهم.
ومنه جهل كثير من الشعوب الإسلامية بحقيقة دين الإسلام، مما أدى إلى اختزال الإسلام على شموله وعمومه في بعض أركانه عند فريق، وفي مستحباته عند فريق آخر، بل بلغ الاختزال إلى مجرد الانتساب إليه؛ فالإسلام عندهم هو الانتساب إليه، ولو لم يقم بأيٍّ من فرائضه، وقد ترتب على هذا الاختزال أن انحرفت كثير من العقول عن جادة الطريق وتعلقت بسفساف الأمور، ولا شك أن هذا الاختزال عند الكثيرين يجعلهم ينظرون إلى دعاة المنهج السلفي وكأنهم قد أتوا بدعوة جديدة، وليس تجديداً لمفهوم الدين الصحيح.
ومن التحديات الخطيرة التي يظهر أنها مرشحة بقوة في الفترة القادمة لمواجهة المنهج السلفي، الإغراء بلعبة الحل الديمقراطي والانتخابات، مما قد يغري طائفة كبيرة من الناس بالتحول إلى ذلك الخيار خاصة مع التضييق على المنهج السلفي، فيذهب الناس إليه على أنه متنفس لهم، يحاولون عن طريقه تحقيق ما يمكن تحقيقه، وإذا كان من الممكن تحقيق بعض الإيجابيات من ورائه على المدى القصير؛ فإن سلوك هذا الطريق والتعويل عليه سيكون على المدى الطويل حائلاً دون اجتماع المسلمين على متابعة الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام، ولذلك فإننا نجد ضغطاً غربياً على الدول العربية والإسلامية لفتح هذا الباب حتى آخر مداه، ولا يكون ضغطهم هذا لخير الأمة؛ فقد قال الله ـ تعالى ـ في وصف حالهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]، والآيات في ذلك كثيرة، وإنما يضغطون لما يعود عليهم من النفع من وراء ذلك.
< التحديات الداخلية:
وأما التحديات الداخلية فهي تتمثل في التحديات الآتية من داخل التيار السلفي نفسه؛ فمن ذلك: تقدير بعض الفصائل لنفسها تقديراً زائداً عن الحد حتى لترى أنها الفرقة الناجية دون ما سواها من المسلمين، ومن ثم النظر لكل من خالفها على أنها من الفرق المذمومة، ومن ذلك وسْم المنهج السلفي بسمات ضيقة مما يترتب عليه أن يُخرج كل فصيل من المنهج السلفي الفصيل المغاير له في الفهم ولو في بعض القضايا الفقهية، ومنه اختزال العمل الدعوي كله في العناية ببعض المسائل العلمية، وتحقيقها وشرحها والدعوة إليها.
\ ضوابط وآليات في المواجهة:
أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين هم الأمناء على هذا الدين وهم من يقع على كاهلهم أمانة تبليغه والمحافظة عليه، وهم الذين عناهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»(1)، وهم الـمُناط بهم مواجهة الخارجين عن هذه الشريعة أو الزائغين عنها، وهناك أمور مهمة يحتاج إليها المسلم على الدوام في رد عادية المعتدي، فمن ذلك:
1 ـ الجهر بالحق والمفاصلة عليه مع من يبغضون الحق ويكرهونه، وعدم الضعف في ذلك أو التلون أمام ضغوط الإكراه أو الإغواء، وقد قال الله ـ تعالى ـ لرسوله وهو في مكة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ} [يونس: 104]، وقال له: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1 - 2] وهو قول له ولكل من اتبعه وسار على منهاجه، ولكن ينبغي الحذر من البغي أو الاستطالة على الآخرين.
2 ـ كشف المحاربين للدعوة السلفية والذين يتدثرون ببعض أرديتها، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، لكن من غير أن يُظلم أحد أو يُتهم بغير بينة ودليل يرشد إلى ذلك.
3 ـ عدم الفتور في نشر المنهج السلفي وجمع الأمة عليه، والتماس كل طريق صالح يؤدي إلى ذلك؛ فإن الدعوة السلفية دعوة للاجتماع على الحق قولاً وعملاً.
4 ـ تحديث وسائل الدعوة ومواجهة الخارجين على المنهج السلفي بأساليب ووسائل صحيحة مقبولة وفق قواعد المنهج السلفي، مع عدم الانسياق وراء ما تروجه وسائل الإعلام في كثير من بلاد المسلمين عن الخيار الديمقراطي.
5 ـ الثبات على الحق وعدم المداهنة أو الخضوع والخنوع؛ فإن من عوامل قوة المنهج السلفي الثبات على الحق. وفي أجواء الحملة المضـادة ربمـا يحاول بعضهم أن ينحني للعاصفة حتى لا تقتلعه، وإذا كانت قواعد السياسة الشرعية تسمح للمسلم بأن يؤخر الدعوة إلى أمر من الدين إذا علم أنه لا يقدر على ذلك، فيؤخره إلى حين التمكن، لكن لا ينبغي له المداهنة والموافقة على بعض الباطل في مقابل أن يُسمح له ببعض الحق، فالسكوت عن التكلم بالحق إذا لم يكن ذلك مقدوراً أوْلى من النطق بالباطل؛ وقد حــذر القــرآن من ذلـك المسـلك فقــال ـ تعالى ـ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] وقد بين ابن جرير الطبري ـ رحمه الله تعالى ـ معنى ذلك فقال: «ود هؤلاء المشركون يا محمد! لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك»(1)، وقال الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ: «ودوا لو ترفض بعض أمرك، فيرفضون بعض أمرهم»(2).
فالمنهج السلفي يأبى الصيغ التوافقية التي يترتب عليها الإقرار ببعض الحق بجانب بعض الباطل، أو التخلي عن بعض الحق في مقابل أن يتخلى أهل الباطل عن بعض باطلهم، ونلحظ في هذا المجال في أيامنا هذه محاولة إدخال كثير من الألفاظ والتعابير وحشرها بعُجَرها وبُجَرها في نسيج الأمة الثقافي من غير أي تمييز، وموافقة كثير من الناس على ذلك أو السكوت عليه، كما نلحظ اتهام من يميز هذه الألفاظ ويبين ما فيها من الصواب وما فيها من الخطأ، فمن هذه الألفاظ التي غزت ثقافتنا: التسامح أو الإخاء الديني، والاعتراف بالآخر المختلف ثقافياً وعقدياً، ونبذ التعصب والكراهية للآخر المختلف، والبحث عن المشترك الإنساني والتعاون لخير الإنسانية. وفي المقابل نجد عملية تغييب مقصودة لكثير من المصطلحات الشرعية مثل: الولاء والبراء، ودار الحرب ودار الإسلام، وأحكام أهل الذمة.
6 ـ الصبر وعدم الضجر واستعجال النتائج: إن مشروعاً ضخماً كمشروع المنهج السلفي يحتاج إلى جهد ومثابرة ومكابدة وطول زمان، والاستعجال يقوِّض العمل ويفسد النتائج؛ فالزلل يلازم المستعجل، لكن عدم الاستعجال لا يعني التراخي والكسل، بل الجد والاجتهاد والحرص، وكلها أمور مطلوبة في ترسيخ هذا المشروع الكبير، وقد قال نوح ـ عليه السلام ـ: {إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا} [نوح: 5] وقال: {ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا} [نوح: 8 - 9] مما يبين حرصه الشديد وجهده المتواصل، وكذلك الأنبياء من بعده، وعلى رأسهم سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-، فلم يستعجل؛ إذ ظل يدعو في مكة ثلاثة عشر عاماً من غير استعجال النتائج، ولكن مع الجد والاجتهاد في الدعوة؛ حيث كان يلقى الناس في المواسم ويعرض عليهم دعوته، كما خرج من مكة إلى الطائف يدعو إلى ربه، فلم يكن عدم الاستعجال؛ مدعاة للتواني أو الخـمول، وكـان -صلى الله عليه وسلم- يرشد أصحابه إلى عدم الاستعجال، فعـندما قـال له خباب رضي الله ـ تعالى ـ عنه وهم يُضيَّق عليهم في مكة: ألا تستنصر لنا! ألا تدعو الله لنا! قال لهم بعدما ذكر ما كان يلاقيه المسلمون السابقون من أقوامهم: «واللهِ! ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»(3).
لكن هناك ضوابط لا بد مراعاتها في هذه المواجهة، والتي منها:
1 ـ العدل والإنصاف: فلا يجور على المخالفين، ولا يعاملهم بمثل ما يعملون من الكذب والغش والخيانة. قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، والعدل والإنصاف مطلوب مع كل أحد سواء كان من أهل السنة والجماعة، أو كان من أصحاب الفرق، أو كان مـن غـير المسـلمين. وأمـا مـن كـان يفـتري علـى أصـحاب المنهج الـسلفي فإن الله ـ تعالى ـ يرد كيده في نحره ويخذل المفترين. قـال الله ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] فبـين الله ـ تعالى ـ أن هـذه العـقـوبـة جـزاء لكـل مفترٍ.
2 ـ اتباع الظاهر وعدم التنقيب عن البواطن: فإنه لا سبيل إلى الاطلاع على البواطن إلا للذي يعلم السر وأخفى، لكن ينبغي مع هذا عدم الغفلة عن القرائن التي تنبئ عما وراءها، كما قال ـ تعالى ـ: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَـحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30]، وإذا كانت هذه القـرائن لا تصـلح لإصـدار حـكم علـى صـاحـبهـا، لكنها تصلح للاحـتراز والاحـتراس منـهم، وهـو معـنى مـا روي عن عمر ـ رضي الله تعالى ـ عنه: «احترسوا من الناس بسوء الظن» والحسن البصري ومطرف بن عبد الله من التابعين، وكذلك ما ورد في أمثال العرب من قول القائل: أخوك البكري فلا تأمنه.
3 ـ عدم المبالغة أو الغلو في الأحكام: فمن المعروف أن أحكام الشريعة ليست كلها على وِزان واحد؛ فمنها ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومنها ما هو مجمَع عليه، ومنها ما هو مختلَف فيه خلافاً ضعيفاً، ومنها ما هو مختلف فيه خلافاً قوياً، وكـل نـوع منـ هذه الأنـواع له أحـكامه المترتـبة علـى وضـعه، ولا ينبغي إنزال الجميع منزلة واحدة بحيث تعامل المسائل المختلَـف فيــها كما لو كانت مسائل إجماعية، ولا تعامل المسائل المشهــورة كمـا لو كانـت معلومـة مـن الـديـن بالضـرورة، كما لا ينبغي حمل الناس على مذهب واحد في العلم والفتيا في المسائل الاجتهادية.
ويتبين مما تقدم أن أصحاب المنهج السلفي أهل السنة والجماعة بحاجة إلى وحدة الصف وعدم التنازع وتفريق الجـهـود، والثـبات علـى الحـق ورفـض المسـاومة علـيـه، والجـد والاجتهاد واحتمال الأذى في العمل لهذا الدين، وبيان فساد الدعوات المخالفة، وبيان ارتكانها على المشاريع الغربية السـاعية لتـقويض صـرح هـذا الديـن، حتى يحذرهم الناس علىـ دينـهم ودنيـاهم، والله غـالب علـى أمـره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري كتاب رقم ومسلم كتاب رقم ( ).
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11/339 وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون (مجمع الزوائد 1/430) ونسبه في فتح المجيد إلى رواية الإمام أحمد وهو وهم، ونسبه السيوطي في الدرر المنتثرة (1/361) إلى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد.
(1) أخرجه البخاري في قرة العينين (1/73).
(2) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (15/284).
(3) مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/338).
(1) انظر: الإسلام المدني الديمقراطي، تأليف شيرلي بينارد، ص 75 وما بعدها.
(1) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، رقم 3544.
(1) تفسير ابن جرير الطبري (12/182).
(2) تفسير القرطبي (18/202).
(3) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، رقم 3343.
|