الحمد لله الذي أكرم أولياءه بجنات النعيم. وأسبغ عليهم فيها حُلَل النَّضَارة والتَّكريم. والصلاة والسلام على نبيه الهادي إلى الصراط المستقيم. وعلى آله وأصحابه مصابيح الليل البَهيم. وبعد:
أخي المسلم: لقد ظل هذا الإنسان يبحث عن السعادة في ليله وفي نهاره! لا يدع باباً يشمّ منه ريحاً للسعادة إلا طرقه! بحثٌ شديد.. وحرصٌ أكيد..
أخي: هي ( الدنيا! ) بآلامها وشجونها! الخلق يتقلبون في بلائها ما بين حُلو ومُر! ولكن قل لي أخي: هل صفت لأحد؟!
هل اعتصر أحد سعادتها خالية من الأكدار والآلام؟!
هل سَعِد أحد حتى قال الناس: هذا أسعد الناس؟!
و ( هي! ) هل أعطت أحداً من خيرها صافياً؟!
هل اتخذت أحداً من الخلق صفيّاً؟! فمنحته برّها، وأَغدَقت عليه ألطافها وقالت له: أنت السّعيد وحدك ببري من بين الخلق؟!
أخي: كم هي هذه الدنيا رخيصة! وكم هي خائنة وغادرة! إذا أضحكت أبكت! وإذا أعطت أخذت! تمنح لصيدها الطعم الثمين! فيأكل هنيئاً مسروراً! حتى إذا قال لنفسه: أنا السعيد صبّت عليه بلاءها وشرورها! فعادت السعادة شقاء! وعاد النعيم بؤساً ونكداً!
أخي: هي ( الدنيا! ) لو صفت لأحد لكان أولى الناس بذلك سيد الخلائق، والناطق بالوحي الصادق، رسولنا محمد ، خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير! خرج من الدنيا ولم يجمع بها درهماً ولا ديناراً!
أخي: هي ( الدنيا! ) غُصَصُها لا تنقضي.. وأكدارها لا تنجلي.. وسهامها عن الفؤاد لا تنثني..
أخي في الله: هل تفكّرت يوماً في سعادة خالية من الأكدار؟!
هل تفكّرت يوماً في سعادة أصفى من الدموع! وأنصع من لبن الضُّرُوع؟! هل تفكرت في حياة لا شقاء فيها؟! ولا سقم ! ولا جوع! ولا حزن! ولا نصب؟!
حياة لا موت فيها! حياة تحيا فيه روحك ويحيا بدنك!
حياة سعى من أجل تحصيلها الأحياء! أحياء القلوب! لا أموات القلوب! إنها الحياة الأبدية في دار القرار.. ومنازل الأبرار.. حياة ينسى صاحبها الشقاء.. وتُزًفُّ إليه السعادة صافية غرّاء... وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].
أخي المسلم: أتدري أين هذه السعادة الخالية من الآلام والأحزان؟! أتدري أين هذه السعادة الكاملة؟!! جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر:33-35].
إنها ( الجنة! ) دار النعيم.. دار المقامة.. المقام الأمين.. ودار السرور.. قال عنها النبي : { من يدخلها ينعم لا ييأس، ويخلّد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم } [رواه الترمذي وأحمد، تخريج المشكاة:563].
أخي: بأي وصف أصف لك الجنة؟! وهي النعيم الذي لا يدركه إلا مالك النعم تبارك وتعالى.. وإن أخبرتك أخي عن نعيمها فإنما أخبرك عن القليل! أما رأيت أخي كيف وصف الله تعالى جناته وما فيها من النعيم الكثير؟! قال رسول الله : { قال الله تعالى: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت! ولا أذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر! ). فاقرأوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: ألا فلتعجب إن كنت متعجباً! تلك هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأهل طاعته.. فكم لها أخي من وصف يأخذ بالألباب.. ومن محاسن تأسر أولي الألباب.. قال : { موضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها } [رواه البخاري ومسلم].
أخي في الله: إنها ( الجنة! ) تلك السلعة الغالية!
إنها ( الجنة! ) تلك البضاعة الرابحة!
إنها ( الجنة! ) بذل الصالحون مهرها في دار الدنيا قبل الرحيل..
وقدموا ليوم زفافها عليهم صالح العمل الجميل. قال النبي : { من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة } [رواه الترمذي، السلسلة الصحيحة: 2335].
أخي: تلك هي الجنة! سلعة الله الغالية.. ولنفاستها حفها الله بالمكاره! فكانت كالدرّة النفيسة التي لا يوصل إليها إلا بعد خوض وغوص لجج البحر. قال : { حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: تلك هي الجنَّة! سعى نحوها الصالحون.. وتنافس فيها المتنافسون.. ولها قامت سوق الأعمال فكان الرَّابحون، وكان الخاسرون!.. ولمثلها فليعمل العاملون..
أخي: لقد تزينت الجنَّة لأهلها حتى غدت أزين من الزِّينة! ولقد تجملت لخُطَّابها حتى غدت أجمل من الجمال!
أخي المسلم: هي الجنَّة! دار الأولياء.. وموطن الأتقياء.. ومنازل السُّعداء.. من دخلها فهو السَّعيد حقاً! وجاز أن يُمنح لقب السعادة صدقاً! وكيف لا! وهي سعادة صنعها ملك الملوك، الغني واهب السعادة عز وجل وتنزه تعالى..
أخي: ألا تُحب أن أصف لك تلك الدُّرَّة الفريدة! وتلك الدار البديعة؟! فقف معي أخي عند هذا الوصف العجيب!
سئل رسول الله عن بناء الجنَّة فقال: { لبنة من فضة ولبنة من ذهب! ومِلاطُها ( المادة بين اللبنتين ) المسك الأدفر! وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت! وتُربتها الزَّعفران! من يدخلها ينعم لا يبأس! ويخلد لا يموت! ولا تبلى ثيابهم! ولا يفنى شبابهم! } [رواه الترمذي وأحمد، تخريج المشكاة: 5630].
أخي: إن الداخل إلى بيت أول ما يدخل من الباب، فيا تُرى كيف هو باب الجنَّة؟!
قال عتبة بن غزوان رضي الله عنه: ( ولقد ذُكرَ لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرة أربعين سنة! وليأتينَّ عليها يوم وهو كظيظ من الزِّحام! ) [رواه مسلم].
أخي: لقد أخبرنا نبينا أن في الجنَّة ثمانية أبواب يوم أن قال : { في الجنَّة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الرَّيان لا يدخله إلا الصائمون } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: يا لسعادة الصَّائمين يوم يدخلون من الباب ثم يُغلَق بعدهم فلا يدخله أحد سواهم! أخي ما أربحها من بضاعة.. وما أسعدها من ساعة.. قال رسول الله : { من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي في الجنَّة: يا عبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الرَّيان } قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على أحد يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة! فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟! قال رسول الله : { نعم وأرجو أن تكون منهم } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: تلك هي أربعة أبواب وما أضنك تزهد عن معرفة بقية الأبواب! ( بقي من الأبواب الحج، ومنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، ومنها باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب! ومنها باب الذكر أو العلم ) [فتح الباري:7/34] بتصرف.
أخي المسلم: تلك هي الأبواب التي سيدخل منها السُّعداء.. فأين أنت يومها أخي؟! أتراك في تلك الجموع التي تروم دخول الجنان؟! أم في جموع أخرى؟! فيا لذة قوم نَعِمُوا بالصالحات في دار الدُّنيا! ونَعِمُوا بالجنَّات في دار الآخرة! إنها الطاعات أخي! إنها الباقيات الصالحات! المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرعِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَير أَمَلاً [الكهف:46].
أخي: تلك هي أبواب الجنَّة! جعلني الله وإيّاك من الواردين عليها يوم تبيضُّ وجوه السُّعداء في دار النَّعيم..
أخي: هنيئاً لتلك الوجوه يوم أن تُحشر إلى دار السعادة فتستقبلها الملائكة: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73].
أخي: فإذا دخلوا تحقَّق يومها الوعد الصادق: وَنَزَعنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّن غِلٍّ إخوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( أول ما يدخل أهل الجنَّة الجنَّة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله تعالى ما في قلوبهم من غِل! ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم، وتصفُو وجوههم، وتجرى عليهم نضرة النَّعيم! ).
أخي: فإذا قرَّ القرار بأهل الجنَّة، ورأوا ما فيها من النعيم الذي لا يُحصى! نادى منادٍ: ( إن لكم أن تصحُّوا فلا تسقموا أبداً! وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً! وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً! وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً! ) فذلك قوله عز وجل: وَنُودُواْ أَن تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ [الأعراف:43] [رواه مسلم].
أخي في الله: إن نعيم أهل الجنَّة إنما يُلَذُّ بموعود الله تعالى لأوليائه فيها بالخلود الدائم! والأمن من سخطه وغضبه.. فتلك أخي لأهل الجنَّة لذَّة فوق ما يجدونه من نعيم الجِنان! يَدعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلا المَوتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُم عَذَابَ الجَحِيمِ [الدخان:56،55]
أخي: لا تسل عن ما يجدونه في جنة الله من النعيم الذي فاق الوصف! فيا للسعيد يومها! فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُواْ وَاشرَبُواْ هَنِيئا بِمَا أَسلَفتُم فِى الأيَّامِ الخَالِيَة [الحاقة:21-24] فانظر كيف تلذذوا في دار لا عناء فيها قُطُوفُهَا دَانِيةٌ قال قتادة: ( دنت فلا يرد أيديهم عنها بُعدٌ ولا شوك! ) وَذُلِلَت قُطُوفُهَا تَذلِيلا [الإنسان:14] قال مجاهد: ( أي ذُللت ثمارها يتناولون منها كيف شاءوا إن قام ارتفعت بقدره! وإن قعد تدلت إليه! وإن اضطجع تدلَّت إليه حتى يتناولها! ).
أخي: فيا لها من لذات متصلة زادها لذة الأمن من غضب الله تعالى أو التحول عن ذلك النعيم..
أخي: وتتواصل اللذات على أهل الجنَّة.. يُطَافُ عَلَيهِم بِكَأسٍ مِنّ مَّعِيِن (45) بَيضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَولٌ وَلا هُم عَنهَا يُنزَفُونَ [الصافات:45-47] مِّن مَّعِيِن قال قتادة: ( كأس من خمر لم تُعصر ! والمعين: هي الجارية ). لا فِيهَا غَولٌ وَلا هُم عَنهَا يُنزَفُونَ قال قتادة: ( لا تذهب عقولهم! ولا تصدع رؤوسهم! ولا توجع بطونهم ).
ألا قلت معي: يا شاربين لخمر الدُنيا! أما لكم في خمر الجنَّة حاجة؟! ماذا وجدتم في خمر الدُّنيا؟! أولها: سُكر! وآخرها: أسقام وأوجاع وذهاب للعقول!
أخي: إلى تلك المجالس! مجالس أهل الجنَّة، والتي امتلأت بهجة وسروراً.. وها هم الخدام يغدون ويروحون عليهم بأنواع المطاعم والمشارب! وَيَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُّخلَّدُونَ إِذَا رَأَيتَهُم حَسِبتَهُم لُؤلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإذَا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعِيماً وَمُلكاً كَبِيراً [الإنسان:20،19] قال ابن عباس رضي الله عنه: ( بينا المؤمن على فراشه إذ أبصر شيئاً يسير نحوه فجعل يقول: لؤلؤ! فإذا ولدان مخلدون ).
أخي المسلم: طعام أهل الجنَّة وشرابهم كله مسرات ولذاذات! لا أذى فيهما.. فلا بول! ولا غائط! ولا بُصاق!
قال النبي : { يأكل أهل الجنَّة فيها ويشربون ولا يتغوطون! ولا يمتخطون! ولا يبولون! ولكن طعامهم ذاك جُشاء كرشح المسك! يلهمون التسبيح والحمد كما تلهمون النَّفس! } [رواه مسلم].
أخي: وتكتمل السعادة للسُّعداء في دار السعادة باجتماعهم بزوجاتهم من الحُور العين! فيا لهنَّ من زوجات! بُذلت من أجلهن أغلى المهور! تنافس في الفوز بهن الصالحون.. وتسابق إلى خطبتهن المتقون.. وَلَهُم فِيهَا أَزوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُم فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] قال قتادة: ( طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر ومآثم ).
فانظر أخي معي إلى وصفهن كما وصفهن الله تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرفِ لَم يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلا جَانٌّ (56) فَبِأىِّ آلاءِ رَبِكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرجَانُ [الرحمن:56-58]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( قاصرات الطرف على أزواجهنَّ لا يرين غيرهم! والله ما هُنَّ متبرجات ولا متطلعات ). فيا غافلين عن ذلك النعيم تأملوا إلى وصف جمال أولئك الزَّوجات اللائي أعدهن الله تعالى لأوليائه.. قال النبي : { ولو أن امرأة من أهل الجنَّة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما! ولملأته ريحاً! ولنصيفُها على رأسها خير من الدُّنيا وما فيها! } [رواه البخاري].
أخي في الله: هل من خاطب؟ فها هنَّ قد تهيَّأن للخُطَّاب! ولكن أخي أتدري ما هو مهر الحُور العين؟!
أخي: إنه مهر أغلى من الذهب والفضة! مهر أنت باذله وأنت قابضه! أخي هذا هو صك المهر: وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:12]
قال قتادة: ( الصبر صبران: صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله ).
أخي: السعيد غداً من سَعِدَ في دنياه بطاعة الله تعالى، والشقي من شقي بمعاصيه!
أخي: ما أورف أشجار الجنَّة! وما أمتع ظلها! وما أحسن منظرها! إِنَّ لِلمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعنَاباً [النبأ32،31].
قال رسول الله : { ما في الجنَّة شجرة إلا وساقها من ذهب } [رواه الترمذي، صحيح الجامع:5647].
أخي: وها هي شجرة من أشجار الجنَّة يخبرنا عنها النبي : { إن في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها! واقرؤوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ [الواقعة:30] } [رواه البخاري ومسلم].
أخي المسلم: وأما غُرف الجنة وقصورها فقد فاقت الوصف بناءً! وجمالاً! لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُم لَهُم غُرَفٌ مِّن فَوقِهَا غُرَفٌ مَّبنيَّةٌ تَجرِى مِن تَحتِهَا الأنهَارُ وَعدَ اللهِ لا يُخلِفُ اللهُ المِيعَادَ [الزمر:20]
قال رسول الله : { إن في الجنة لغرفاً يُرى ظهورها من بطونها! وبطونها من ظهورها! } فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا نبيّ الله؟ قال: { هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام } [رواه الترمذي وأحمد، صحيح الجامع:2119].
أخي: ما أسعد السُّعداء وهم يطوفون في تلك الغُرف والقصور.. والكل بنعيم الله مسرور.. قال : { إن للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوَّفة! طولها ستون ميلاً! للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً! } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: كيف أنت في دار الدُّنيا إذا كنت في قصر جميل قد حفت به الحدائق الوارفة الجميلة! وجرت جداول الماء تحت أشجاره! وغردت عصافيره! وسرت نسمات لينة فلامست الأشجار! وهبت نحوك وقد مزجت بعبير الأزهار! كيف بك أنت وقتها؟! ما أظنُّك ستفيق من نشوتك إلا على يد تربُتُ على كتفك!
أخي: إذا كانت هذه هي جنان الدنيا الفانية! فكيف بجنة الله تعالى؟! التي أخبرك الله تعالى على لسان نبيه أن فيها: { ما لاعينٌ رأت! ولا أُذُنٌ سمعت! ولا خطر على قلب بشر! } [رواه البخاري ومسلم].
أخي: ما اسعد أولئك الداخلين جنات الله تعالى.. الفائزين برضوانه الأكبر.. جعلني الله وإياك في زمرتهم بمنّه وعظيم لُطفه وإحسانه.
أخي: لا أنسى أن ألفت ناظريك إلى تلك الأنهار التي طالما ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز إذا ذُكرت الجنان مَّثَلُ الجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيرِ آسِنٍ وَأنهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّم يَتَغَيَّر طَعمُهُ وَأَنهَارٌ مِنّ خَمرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنهَارٌ مِّن عَسَلٍ مُّصَفُّى وَلَهُم فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغفِرَةٌ مِّن رَّبهِم [محمد:15].
أخي: إنها ليست كأنهار الدُّنيا التي تعرفها! فهي أنهار تفيض بأحسن ما تشتهيه الأنفُس.. من ماء طيب! ولبن شهيّ! وخمر ليست كخمر الدُّنيا! وعسل أكرم به من عسل! لا كعسل الدُّنيا وصفه تعالى بأنه مُصفى! إذ أن كل ما في الجنة لا كدر فيه!
أخي: واعجب معي: إن أنهار الجنَّة لا تجري على أخدود كأنهار الدُّنيا! وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أنهار الجنَّة: أهي تجري في أخدود؟! فقال: ( لا ولكنها تفيض على وجه الأرض! لا تفيض هاهنا ولا هاهنا! ).
أخي: ألا قُل معي: تبارك الله الذي أحسن كل شيء خلقه.. جلت قدرته عن الوصف.. وإذا أراد شيئاً قال له: كُن فيكون!
أنهار في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا *** مفجرة وما للنهر من نقصان
أخي المسلم: بقيت لذة لأهل الجنة! لطالما عمل لها العاملون وذاب شوقاً لها المتقون.. فهي لذة اللذات.. وغاية الأمنيات إذا نالها أهل الجنَّة نسوا ما هم فيه من النعيم! فما ألذها لهم في جنَّات النعيم!
أخي: إنها اللذة الكبرى! والنعمة العظمى! أجل ما فاز به أهل الجنان.. وأعظم ما ناله أهل الإيمان..
إنها ( رؤية الله تبارك وتعالى! ) فما أسعد أهل الجنة يوم يناديهم منادٍ: ( يا أهل الجنَّة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه! فيقولون: وما هو؟! ألم يثقل الله موازيننا؟! ويبيض وجوهنا؟! ويدخلنا الجنَّة؟! وينجنا من النار؟! )
قال: ( فيكشف الحجاب! فينظرون إليه! فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر - يعني إليه - ولا أقرّ لأعينهم ) [رواه مسلم والترمذي وابن ماجة]. وفي رواية مسلم: ( ثم تلا هذه الآية: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26].
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه: ( الحسنى: الجنَّة. والزيادة: النظر إلى وجهه الكريم ). فما أسعد تلك الوجوه يوم تفوز بالنظر إلى ربها تبارك وتعالى! فتزداد نضرة وبهاء! وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23،22].
قال الحسن البصري رحمه الله: ( النضرة: الحسن. نظرت إلى ربها فنضرت بنوره! ).
أخي في الله: تلك هي الجنَّة! مهما وصفتها لك فأنى لي أن أجلي لك نعيمها وحبورها؟!
فلا تنس أخي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت! ولا أُذنٌ سمعت! ولا خطر على قلب بشر! ) [رواه البخاري ومسلم].
أخي: وقبل أن أطوي هذه الأوراق.. الله أرجو أن تطوي ملائكة الله صحيفتي وصحيفتك على أحسن الأعمال، وجعلها الله لي ولك بشرى بجنانه يوم لقائه..
أخي المسلم: هل سألت نفسك يوماً: ما هو مهر الجنَّة؟! فإن مهرها ليس ذهباً ولا فضة! ولا حتى الدنيا بكنوزها لو بذلتها مهراً لجنة الله تعالى ما قُبلت منك!!
أخي: مهر الجنَّة: إدمان الصالحات.. والتزود بالطاعات.. واجتناب المحرمات.. ورفض المنكرات.. وإخلاصك لله تعالى في توحيده وطاعته.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: خطواتك إلى الصلوات في بيوت الله تعالى غادياً ورائحاً.. طريق إلى الجنَّة.. وحرصك على تعلم العلم النافع وشهودك مجالس الذكر.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: ترديدك لآيات الله تعالى وتلاوتك لكتابه العزيز في ساعات الليل والنهار.. طريق إلى الجنَّة.. وبرُّك بأبويك والتفاني في خدمتهما وإسعادهما.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: تبسمك في وجه أخيك المسلم ولينك له وتطييب خاطره بالكلمة الطيبة.. طريق إلى الجنة..
أخي: برُّك بالضعفاء والمساكين.. ومسح دموع المحرومين بإحسانك.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: المال غداً إما رحمة لأصحابه وإما وبالاً عليهم فزكاتك وتصدقك منه.. طريق إلى الجنة..
أخي: التزامك بكريم الأخلاق وفضائل السجايا.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: قيامك بنشر المودة والمحبة بينك وبين جيرانك.. طريق إلى الجنَّة.. وقيامك في جُنح الليل المظلم تُرتل آيات من كتاب ربك تعالى وتصلي ركعات.. طريق إلى الجنَّة..
أخي: صدقك في بيعك وشرائك وحرصك على المال الحلال.. طريق إلى الجنَّة.. وصدق نيَّتك وإقبالك على ربك تعالى وحب مراضيه وبُغض مساخطه.. طريق إلى الجنة..
أخي: إنها ( الجنَّة! ) سلعة الله الغالية! أعدَّها الله تعالى لمن بذل مهرها! وقد عرفت أخي المهر.. فلا تأتين ربك تعالى غداً ويدك خالية من مهر جنته! فتندم في يوم الحسرات.. يوم لا تنفع إلا الصالحات.. وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7].
|