التغيير التربوي في العالم الإسلامي
dweesh@dweesh.com
لقد ولَّدت أحداث سبتمبر وما أعقبها أثراً لدى الغرب وأمريكا بدرجة أساسية، ومن الطبيعي أن يؤدي حدث بمثل هذا الحجم تستهدف به دولة تتربع على عرش القوة والجبروت في هذا العصر، أن يؤدي إلى تغيير في سياسة هذه القوة وأساليب تعاملها مع الآخرين، وبخاصة أولئك الذين تعد أرضهم وبلادهم موطناً ومصدراً لمن تصنفه القوى الغربية على أنه العدو الأحدث والأخطر.
ومن هنا سعت تلك القوة إلى إحداث التغيير في المنطقة وفرض قيمها وحضارتها ومعاييرها على شعوب الأمة المسلمة.
ويدرك الغرب أن التربية والتعليم هي أخطر أسلحة الأمة، وأنها هي التي تصنع عقول أبناء الأمة وتوجه مسيرتهم، ومن هنا حظيت التربية بأهم مجالات التغيير التي يتطلع إليها الغرب.
وليس هذا بجديد؛ فقد رأينا في أحداث التاريخ الماضي كيف أنهم يسعون عند مواجهة أمة من الأمم إلى تغيير تربيتها وثقافتها، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في كل من اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث أملى عليها المنتصرون شروطاً قاسية وصارمة لتغيير تربيتهم.
لذا بدأت تتوالى التصريحات التي تطالب بالتغيير من كبار أصحاب القرار في العالم الغربي، ومن ذلك تأكيد باول في مقابلة له مع القدس العربي بأنه مع احترامه لتقاليد دول المنطقة! فعليها أن تعيد النظر في تقاليدها وممارساتها بهدف معرفة ما إذا كان التغيير ممكناً، وأثنى على ما سماه إصلاحات في بعض الدول، ودعا الآخرين إلى السير على الطريق نفسه(1).
وقال باول أيضاً: «وبالنسبة إلى الدول الصديقة لنا في المنطقة، كل واحدة لها نظامها الخاص، وكل واحدة عليها أن تحكم بنفسها ما إذا كانت تريد أن تتغير، ومدى السرعة التي ستتغير بها، ونأمل أن نستطيع التأثير عليها من حيث كيف يتحقق التغيير، وأي تغيير يمكن أن يكون أفضل لها من أشكال أخرى من التغيير»(2).
* مجالات التغيير التربوي:
تتنوع مجالات التغيير التربوي التي يسعى إليها الغرب في دول المنطقة، ومن أبرزها:
1 - إعادة فهم الإسلام:
يسعى الغرب الذي ينادي بحرية التدين، وعدم التدخل في خصوصيات الآخرين إلى مطالبة المسلمين مطالبة صريحة بتغيير دينهم، وإلى أن يعيدوا فهم الإسلام فهماً جديداً يحدده الغرب، فها هو رئيس الوزراء البريطاني ـ الشريك الأساسي للولايات المتحدة في حملة مكافحة الإرهاب في خطاب موجه للزعماء والمسؤولين بالدول الإسلامية، يدعوهم فيه أن يعملوا جاهدين على أن يهيمن «الإسلام العادي أو الرئيسي» (استخدم لفظ: main stream) بحيث يخضع له جميع المسلمين في شتى أنحاء العالم.
والأمر تجاوز مجرد التصريح أو إثارة ما أسمي بمفهوم الإسلام المعدل إلى الدخول في التفاصيل؛ فللإسلام المعدل ملاحق تنفيذ؛ فقد أرفقت الإدارة الأمريكية بمنهاج «الإسلام العادي» ملاحق تنص على حذف مجموعة من الأحكام الإسلامية المتعلقة بالجهاد والحث على كراهية المشركين واليهود، وبالإضافة إلى تلك الأحكام تطالب الإدارة الأمريكية بضرورة منع تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار؛ لأن ذلك بمثابة «غسيل مخ» وفرض توجه فكري محدد لا يستطيعون تمييزه في هذه السن المبكرة»(1).
2 - فرض القيم الغربية:
يشعر الغرب بأن قِيَمَه هي القيم المرشحة لتحقيق رسالة السلام في العالم، ولحمايته من مخاطر الإرهاب والتطرف.
وحيث إن بلاد المسلمين هي مصدر هــذا الإرهـاب والتطرف ـ كما يزعمون ـ فلا بد من السعي لتغيير قيمها وإحلال قيم يُفصِّلها ويصنعها الغرب.
وقد أشار وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول» في شهر نوفمبر 2001م - في خطاب ألقاه بجامعة لويسفيل بولاية كنتاكي - إلى تبلور رؤية أمريكية للمجتمعات الإسلامية تقوم على أساس من قيم معينة تمس التكوين الثقافي والسياسي والعقدي لتلك المجتمعات(2).
وأبرز القيم التي يسعى الغرب إلى فرضها ما يلي:
1 - القيم المتعلقة بالمرأة:
تحتل القيمُ المتعلقةُ بالمرأةِ ودورِها القمةَ في القيم الغربية التي يسعى الغرب إلى تصديرها للعالم الإسلامي، وكثيراً ما يتكرر انتقاد واقع المرأة في العالم الإسلامي والحديث عن الرغبة في تغييره.
«وقد أكدت «ماري روبنسون» رئيسة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر على ربط تقديم المساعدات لأفغانستان بإعطاء دور حقيقي للمرأة الأفغانية في الحياة السياسية، وليس دوراً رمزياً فقط.
وذكرت روبنسون أن المرأة تشكل 60% من سكان أفغانستان البالغ عددهم 26 مليون نسمة، وعلى الدول المانحة في إعادة بناء أفغانستان أن تتأكد من البداية أن هذا الجزء الهام من الشعب الأفغاني له دور في أي إدارة مستقبلية»(3).
وقالت مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي كونداليزا رايس - والمقال منقول من موقع وزارة الخارجية الأمريكية -: «ويجب أن يكون محور جهودنا المشتركة تصميماً على الوقوف إلى جانب الرجال والنساء في كل دولة الذين يكونون رمزاً لما دعاها الرئيس بوش: «المطالب المتعلقة بالكرامة الإنسانية غير القابلة للتفاوض» - ألا وهي الخطاب الحر، العدالة المتساوية، احترام المرأة، التسامح الديني، ومحدودية سلطة الدولة»(4).
2 - قيم الليبرالية الغربية:
يقوم الغرب على الفكر الليبرالي المتحرر، ويرى أن الحرية التي تسود في مجتمعاته هي التي ينبغي أن يأخذ بها الآخرون.
وفرض هذه القيم الغربية يتجاوز مجرد المطالبة أو الضغوط إلى توظيف الحملات العسكرية؛ فقد جاء في تصريحات ستفين جي هادلي، مساعد الرئيس ونائب مستشار الأمن القومي، في مجلس العلاقات الخارجية في 12/2/3003م ـ والتصريح منقول من موقع وزارة الخارجية الأمريكية ـ:
«لهذا السبب أعاد الرئيس التشديد على وقوف الولايات المتحدة إلى جانب ما سماه «مطالب الكرامة الإنسانية غير القابلة للمساومة»: حكم القانون، وتحديد سلطة الدولة، وحرية التعبير، وحرية العبادة، والمساواة أمام القضاء، واحترام المرأة، والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة.
إننا بحاجة للعمل على أساس هذا الالتزام بقيام عالم أفضل في كل أوجه سياستنا الخارجية، بما في ذلك الحالات التي نقوم فيها بأعمال عسكرية. فالولايات المتحدة، كما أشار الرئيس مراراً وتكراراً، ليست بلداً غازياً ـ إننا بلد مُحرّر؛ ملتزم مساعدة الشعوب على انتهاز الفرص المتاحة من أجل الحرية، وبناء مجتمعات أفضل لها ولأولادها»(5).
ويرى الغربيون أن العالم العربي عالم متخلف وأن من مسؤوليتهم الإسهام في تغييره؛ فها هو روبرت فيسك الكاتب البريطاني صديق العرب يكتب في تعليق بعنوان: «الأمم المتحدة تسلط الضوء على الحقائق المرّة في العالم العربي» في صحيفة الإندبندنت 4/7/2002م، يقول: «لن يجد العالم العربي ـ المحروم من الحرية السياسية، والمعزول عن عالم الفكر، والمضطهد للنساء في مجتمعه، والقامع للعلم والتطور ـ ما يقوله ضد الاستنتاجات التي توصل إليها تقرير صادر عن الأمم المتحدة يصف بدقة متناهية الحياة القاحلة والمتحجرة في كثير من الأقطار العربية»(6).
3 - المؤسسات التربوية الإسلامية:
تكتسب المؤسسات التربوية أهمية قصوى في أي مطلب للتغيير في المجتمعات، وتعد المؤسسات التربوية بؤرة لإعداد الإرهابيين وتخريجهم ـ كما يرى الغرب ـ ومن ثم فلا بد أن يكون لها النصيب الأوفى من عملية التغيير.
ومن أبرز المؤسسات التربوية المستهدفة في التغيير ما يلي:
أ - المدارس الشرعية:
يتجه للمدارس الشرعية الآلاف من الشباب في المجتمعات الإسلامية، ولها أثرها البالغ في نشر العلم الشرعي وفي إشاعة التدين لدى صفوف الشباب.
وقد بدأ الاهتمام بتغيير المدارس الشرعية بعد أحداث سبتمبر مباشرة وقبل الحرب الأفغانية، وقد تجاوزت الحملة على المدارس الشرعية مجرد المطالبة والحديث عن التغيير، فتمت خطوات عملية في ذلك، ومن أبرزها ما تم في اليمن بشأن المعاهد الدينية التي تبلغ أربعمائة معهد حيث تم إلغاؤها ودمجها بالتعليم المدني.
أما ما تم في باكستان فإنه تدخُّل سافر وصفيق؛ حيث قدمت أمريكا مائة مليون دولار لإطلاق برنامج رقابة على المدارس الشرعية التي يقدر عددها بسبعة آلاف مدرسة، تضم حوالي مليون طالب، وهي التي تُتهم بأنها خرَّجت قيادات حركة طالبان الأفغانية، وسيكون من أهداف ذلك البرنامج الذي تشرف عليه وزارتا الداخلية والشؤون الدينية الباكستانية الرقابة على منشورات تلك المدارس ودور النشر التابعة لها، ويتضمن البرنامج تشكيل خلية خاصة من أجهزة الاستخبارات الباكستانية تدرب أشخاصاً للتسلل إلى تلك المدارس ورصد كل ما يجري داخلها، كما يوجه جزءاً من التمويل الذي قدمته الولايات المتحدة إلى إدخال مواد دراسية جديدة في تلك المدارس التي كانت تقتصر على تدريس القرآن وعلومه. وعلى نحو تدريجي سيتم إدماج المدارس القرآنية مع المدارس المدنية الأخرى(1).
وتحدث الدكتور حامد عبد الماجد عن هذا التغيير، ورأى أن الأمر سيتجاوز ما حدث في اليمن وباكستان إلى سائر المؤسسات التعليمية الشرعية كالأزهر فهي ستتعرض بدورها لضغوط بشكل أو بآخر، ولن يشفع لها ما كانت تمارسه سابقاً من أدوار؛ لأن المطلوب هنا ليس مواقفها السياسية ولكن بنيتها ذاتها ونمط التفكير الذي تنتهجه؛ ولذلك سوف يتم العمل على تجفيف جذور هذه المؤسسة الدينية، والتوقعات هنا أن تتم محاصرة انتشار الأزهر من ناحية بناء المعاهد، كما سيتعرض المضمون الدراسي لتعديلات متلاحقة، ويعاد تكييفه ليتوافق مع التعليم المدني العادي، وفي مرحلة لاحقة تدرج جامعة الأزهر في إطار التعليم المدني، ويتم الإبقاء على الأزهر كجامع فقط(2).
ب - المساجد:
والأمر لا يقف عند حدود المدارس، بل سيمتد إلى المساجد، وهذا ما يتوقعه أحد المهتمين بقوله: «كذلك تشير التوقعات - بناء على ما يصدر عن المصادر الغربية - إلى أن التأثير لن يقتصر على التعليم بشقيه الديني والمدني، بل سيتجاوزه أيضاً إلى المساجد، سواء عبر ما يُلقى فيها من خطب ودروس دينية؛ بحيث تتجنب هذه الخطب والدروس ما يُوصف بأنه إثارة للكراهية وعدم قبول الآخر، وأن تشيع بدورها ما يوصف بثقافة السلام.
ويعتقد البعض أن قرارات مجلس الوزراء المصري التي صدرت أوائل ديسمبر الماضي ووضعت شروطاً عشرة لبناء المساجد أهمها عدم بناء هذه المساجد أسفل العمارات الســكنية ـ وهو الشكل الشائع في مصر ـ هدفها هو الحد من بناء المساجد التي زاد عددها بحيث أصبح من الصعب على وزارة الأوقاف الإشراف والإنفاق عليها وتعيين أئمة لها، كما أصبح من الصعب على الأجهزة الأمنية مراقبة ما يدور في كثير منها(3).
ومن ذلك ما قام به معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط وهو معهد أنشئ في عام 1998م بهدف تغذية الحوار حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد قام المعهد باستعراض قائمة من خطب الجمعة التي ألقيت في السعودية، وبالذات في المنطقة الشرقية والغربية ومدينة الرياض، وذكر بعض الاستشهادات منها مما يرى أنه يصب في تغذية الإرهاب، داعياً إلى السعي للتغيير في هذه المنابر(4).
4 - مناهج التعليم:
والحديث عن المناهج أشهر من أن يستشهد له، وقد سبق تناول الموضوع بالتفصيل في مقالة سابقة.
ولعل من أبرز الأمثلة على الاتجاه للتغيير في المناهج تصريح باول الذي يقول فيه: «لكن إذا أرادت دول أن تكون لها علاقات حسنة معنا؛ فعليها أن تعرف أنه مهما كانت الطروحات الدينية التي تدرِّسها لأبنائها في مدارسها العامة، فإننا ننتظر منها أن تلقن الطريقة السلمية التي تحقق بها تلك الطروحات. وعلى كل سفراء أمريكا أن يحققوا هذا الجزء من القضية؛ لأنه إذا لم يكن التسامح عالمياً فإن التعايش مستحيل».
وقد دعا كلينتون ـ في كلمته امام المنتدى الاقتصادي بجدة ـ الدول الإسلامية إلى تغيير مناهجها المدرسية لمنع ترسيخ العقائد في النظام التربوي».
فالأمر يتجاوز مجرد كتابات لبعض الصحفيين إلى تصريح لمسؤول، ومهمة يطالب السفراء بمتابعتها.
أما تصريحــات الصحفيين والمفكرين والمراكز المستقلة وشبه المستقلة فهي أشهر من أن تورد، ومنها على سـبيل المثال لا الحصرالدراسة التي قام بها (الدكتور أرنون جريس) وهو إسرائيلي الجنسية، ويعمل صحفياً في راديو إسرائيل! وقام فيها بتحليل محتوى ثلاثة وتسعين كتاباً من كتب المواد الشرعية التي تدرس في السعودية، وكان من أهم نتائج دراسته أن المناهج تدَّعي أن الإسلام هو الدين الوحيد المقبول، وأن اليهود والمسيحيين هم أعـداء المســلمين الأبديين، وأن كتب الجغــرافيا لا تعترف بدولة إسرائيل...إلخ.
وقد أدان مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الخطوات الرامية إلى تغيير المناهج الدراسية في بيان أصدره، ومما جاء في البيان: «ولقد تبع هذه التصريحات والكتابات دعوات غريبة وشاذة للتدخل في أخص خصائص الإسلام والمسلمين، فتجاوزوا التدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي، إلى الحديث عن ضرورة تغيير مناهج التعليم الديني، والمدارس القرآنية في بعض البلاد الإسلامية، وفي مواجهة هذه الحملة الظالمة والغربية الشاذة، يرى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن يعلن أن التهجم على أي دين من الأديان، والسعي لتغيير أو تعديل هويات الأمم وثقافات الشعوب، إنما هو تجاوز للخطوط الحمراء يصل إلى حد اللعب بالنار وتعريض السلام العالمي لأشد المخاطر والتحديات.
وأضاف أن الإسلام يصنف هذه الدعوات والكتابات والتصريحات والمساعي في باب (فتنة الناس في دينهم) والفتنة أشد من القتل ـ وهي سبب من أسباب الإذن والتحريض على الجهاد حتى يكون الدين خالصاً لله، وحتى تكون الحرية مكفولة لكل صاحب عقيدة وهوية وثقافة، ويختار ما يريد ضميره الحر، لا ما يفرضه المتجبرون على المستضعفين.
لذلك يحذر مؤتمر المجمع من العواقب الوخيمة لهذه الحملة الظالمة والشرسة على الإسلام وعلى التعليم الديني الإسلامي»(1).
5 - سياسة تجفيف البويضة:
وهذا «ليوسي واسكال» الضابط في وحدة الأبحاث التابعة للاستخبارات الصهيونية، يفصح عبر الراديو عن مخططهم لمواجهة الإسلام فيقول:
(إن أجهزة الاستخبارات تعمل على مستويين وستعمل قريباً على ثالث:
المستوى الأول: مستوى التحالف: وقد نجحنا في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إمدادها بالمعلومات عن حماس والجهاد وحزب الله، وقد تم ذلك بالتعاون مع دول التحالف في المنطقة بنطاق استخباري، وهو الأمر الذي أدى إلى وضع هذه التنظيمات على قائمة الإرهاب.
المستوى الثاني: مستوى الإحباط: إذ تعمل بها أجهزة الشاباك والاستخبارات عبر مد الجيش بالمعلومات الدقيقة حول نشاطات الفلسطينيين والتي تتمثل بالتصفيات والاعتقالات من خلال وحدات المستعربين والدفدفان وحرس الحدود وغيرها.
أما المستوى الثالث والذي سيعمل به قريباً فهو: (تجفيف البويضة) إذ تعتمد الحرب على الفكر، ونحن الآن في مواجهة الحركات الإسلامية التي تنتهج فكر المقاومة لإسرائيل، ومن هذه الأفكار: اقتحام المستوطنات، إطلاق قذائف الهاون، وإطلاق الصواريخ، وإطلاق النار داخل إسرائيل؛ هذا الأمر يدفعنا للوقوف إزاء محاربة هذا الفكر من خلال معرفتنا بكيفية التعامل مع الإسلام الهادئ، والإسلام المتطرف، وأعني بذلك محاربة أيديولوجيا الحركات الإسلامية؛ بحيث لا تقف الحرب عند حدود التعامل مع الإرهابيين على النطاق العسكري، وإنما الوصول إلى الروحانية التي يتمتع بها أعضاء الحركات الإسلامية من خلال تجفيف البويضة(2).
* خطوات مواجهة التغيير:
إن إدراكنا لجدية وضخامة هذه الحملة التي تواجه فيها أمتنا بدينها وهويتها ـ والتي قد لا نبالغ حين نقول إنها أخطر من العدوان العسكري المسلح ـ يفرض علينا أن نفكر بجد في أساليب مواجهة هذا الطوفان، وأن يتجاوز الأمر مجرد الحديث عن التغيير إلى الخطوات العملية.
1 - توعية الأمة:
إن حجم هذه الهجمة وهذه المطالب أكبر من أن يواجهها فئة محدودة من الدعاة، ومن ثم فتوسيع دائرة الوعي بها ومواجهتها مطلب لا غنى عنه.
ومن هنا يتأكد علينا أن نعتني بتوسيع دائرة الوعي بهذه الحملة، من حيث حجمها ومجالات انتشارها، ومن حيث مخاطرها وآثارها التي لا يعيها الناس.
والأمر يحتاج إلى توظيف الوسائل التي تخاطب الأمة، والعمل على الارتقاء بالحديث وتجاوز اللغة العاطفية التي تردد كيد الأعداء ومكرهم، إلى الحديث العلمي الموثق الرصين.
2 - تأكيد ارتباط التعليم بهوية الأمة:
التعليم يمثل هوية وثقافة ألأمة، وهو يسعى إلى تقرير هذه الهوية، وتربية الأجيال الجديدة عليها، ولئن كان هذا الأمر مهماً في أي عصر فهو أكثر أهمية في عصرنا؛ حيث تتعرض هوية الأمة وثقافتها لكثير من الاهتزازات، وتضيق الدائرة التي يسهم التعليم في بنائها لدى الجيل لصالح مؤثرات أخرى.
ومن هنا؛ فالحاجة ملحة لمزيد من ارتباط التعليم بهوية الأمة، وإشعار الأمة بخطورة هذا الأمر، وأن التعليم أهم مواطن السيادة لدى المجتمعات الواعية بهويتها.
3 - إعطاء الأمر أولوية واهتماماً:
إن مثل هذه المطالب ليست دعوة لمنكر محدود ينتهي أثره، إنما هي دعوة لتغيير مسيرة الأمة، والخطوات التي تتخذ في ذلك يصعب التراجع عنها.
وهذا يحتم على الغيورين أن يعطوا مثل هذا الأمر أولولية واهتماماً، ويقدموه على غيره من المشروعات التي هي دونه في الأهمية.
ومواجهة مشروع التغيير التربوي تستمد أولويتها من اعتبارين رئيسين:
الأول: خطورة التأثير واستمراره.
والثاني: كونها قضية الوقت.
4 - تحديد أولويات المواجهة:
الناس في هذه القضايا ليسوا فئتين لا ثالث لهما؛ فمن المسلمين ـ سواء من هم في موقع الفكر والرأي، أو في موقع القرار والتنفيذ ـ من يختلف معنا بصورة أو أخرى، ومساحة الاختلاف ليست واحدة فهي تضيق مع أشخاص وتتسع مع آخرين.
وقد يتناغم بعض هؤلاء مع المطالب الغربية، ومن هنا فنحن بحاجة إلى الحكمة في التعامل مع هؤلاء ومع أطروحاتهم، وأن ندرك أننا أمام صراع خطير يستوجب منا تحديد الأولويات، ورعاية رتب المصالح والمفاسد.
فثمة خلافات ينبغي أن نتجاوزها، وخلافات ينبغي أن نؤخر الحديث حولها، وعلى الذين يصرون على أن يمُلوا كافة اقتناعاتهم، وعلى الاستماتة على وجهات نظر تقبل الأخذ والعطاء، على هؤلاء أن يكونوا واقعيين، وأن يفرقوا بين التنظير والتقرير الفكري، وبين صراع يتطلب حكمة وحنكة.
5 - تفعيل الجهود الاحتسابية:
هذه الحملة لا تقف عند مجرد الإثارة الفكرية، بل هي تسعى لاستصدار قرارات عملية، ومن ثم يتأكد الاحتساب لمواجهة التغيير، والسعي لتفعيل كافة فئات المجتمع وشرائحه للوقوف في وجه التغريب الذي يسعى لطمس هوية الأمة سواء كان مصدره من العدو الخارجي، أو المستغربين من أفراد الأمة.
6 - تفعيل دور التعليم غير الرسمي:
مع أهمية المحافظة على التعليم الرسمي القائم، وترسيخ الهوية الإسلامية فيه، فلا بد من السعي في مجال موازٍ له يتمثل في تفعيل التعليم غير الرسمي من خلال المدارس الخاصة، أو الدروس العلمية في المساجد، والدراسات المسائية، وبرامج التعليم الذاتي، وغير ذلك.
والأمر يحتاج إلى توسيع دائرة الانتشار لمؤسسات التعليم غير الرسمي، ويحتاج إلى الارتقاء بأداء القائم منها؛ فكثير من الجهود القائمة لا تتلاءم نوعياً مع مستوى ما يتطلع منها.
7 - الاعتناء بترسيخ القيم:
مجالات الخلل والانحراف في الأمة كثيرة ومتعددة، وهي ليست ذات درجة واحدة؛ فالخلل في السلوك والممارسة خطير، لكن الخلل على مستوى المبادئ والقيم أكثر خطورة؛ لذا صارت مما يستهدفه الغرب بالتغيير.
ومن ثم يتأكد الاعتناء بترسيخ القيم، وتأصيل المفاهيم الشرعية، وهذا لا يتحقق من خلال التناول المعرفي المجرد لها، بل هو بحاجة إلى برامج متنوعة تحقق تأثيراً راسخاً يصعب اقتلاعه.
وثمة منابر متاحة تمكن الغيورين من تأصيل المفاهيم والقيم الشرعية، وثمة مجالات عدة يمكن التحرك من خلالها وتوظيفها توظيفاً إيجابياً.
8 - الارتقاء بأداء المعلمين والمعلمات:
مع أهمية المنهج المدرسي وخطورة تأثيره، فيبقى للمعلمين والمعلمات أثر قد يؤدي إلى تهميش تأثير المنهج أو تطوير أثره.
ومن هنا لا بد من الاعتناء بدور المعلمين والمعلمات بكافة تخصصاتهم.
إننا نملك في مدارسنا فئة غير قليلة من المعلمين والمعلمات يملكون الغيرة على مجتمعات المسلمين ولديهم الرغبة في الإسهام والإصلاح.
إلا أن التحديات القادمة تتطلب الارتقاء بخبراتهم وأدائهم حتى يمتلكوا قدرة أكبر على توظيف المنهج توظيفاً إيجابياً في تحقيق هوية الأمة.
9 - الاعتناء بالجوانب الأخرى من المنهج:
المنهج ليس قاصراً على تلك الأوراق التي يدرسها الطالب؛ فمن الاهتمامات المعاصرة في التربية ـ على سبيل المثال ـ ما يسمى (المنهج الخفي)، ويعنى به: كل ما يمكن تعلمه في المدرسة من تعلم غير مقصود وغير موجود في المنهج الرسمي.
ويمكن استنباط المنهج الخفي من القوانين واللوائح الداخلية والقواعد والتنظيمات العامة الموجودة في المدرسة، ومن العلاقات العامة الموجودة داخل المدرسة كعلاقة الناظر بالمعلمين، وعلاقته بالطلاب، وعلاقة كل فئة بالأخرى، ومن خلفيات هذه الفئات المختلفة الطبقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن طبيعة بنيان المدرسة والأثاث المستخدم للطلاب والعاملين، وطبيعة المنافع والمرافق العامة، ومن شكل المعرفة المدرسية وليس مضمونها(1) .
10 - التغيير الإيجابي:
المناهج والنظم التربوية مهما بلغت من التميز تبقى جهداً بشرياً لا يخلو من النقص والقصور.
وكثيراً ما ينطلق المنادون بالتغيير من ثغرات موجودة في النظام التعليمي، وقد أدت الأجواء المتوترة المرتبطة بإثارة قضايا التعليم والتربية إلى إصرار العديد من الغيورين والخيرين على الإبقاء على الواقع والدفاع عنه رغم سلبياته.
ومثل هذا اللون من التعامل مع هذه الظاهرة إن تحقق له النجاح فسيبقى نجاحاً وقتياً، وما يلبث أن ينهار أمام عوامل التغيير.
وهذا يدعونا إلى أن نبادر بحكمة حتى يكون لنا إسهام في التغيير، وأن يكون التغيير إيجابياً فنقطع الطريق على من يسعون لتوظيف التغيير توظيفاً سيئاً، أو على توظيف أصحاب النوايا الحسنة ممن لا يرضيهم الواقع القائم فيسايرون تيار التغيير السلبي.
11 - التوازن بين رفض التغيير ومراعاة المصالح والمفاسد:
ففي مثل هذه المواقف تبدو نظرتان: نظرة تتجه إلى الإصرار على التمسك بكل صغيرة وكبيرة ورفض أي مرونة أو استجابة، ونظرة تتجه إلى التعامل الواقعي مع المشكلة والانحناء أمام العاصفة.
وكلا النظرتين لها مسوِّغاتها، والخلل ينشأ في الغالب من الإصرار والمبالغة في النظرة إلى جانب واحد فقط.
فنحن بحاجة إلى التمسك بمكتسباتنا والحفاظ عليها والوقوف في وجه التغيير، وبحاجة إلى الحكمة ومراعاة المصالح والمفاسد.
وفي صلح الحديبية رفضت قريش أن يكتب الرسول صلى الله عليه وسلم باسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب (محمد رسول الله) فلم يصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ووافقهم على ما يريدون مراعاة للمصلحة الأهم والأكبر، وقد أخذ علي ـ رضي الله عنه ـ بهذا المعنى في حواره مع الخوارج.
-----------------------------------------------
(1) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_2576000/2576345.stm
(2) http://usinfo.state.gov/arabic/mena/1217pwlar.htm
(1) http://www.elakhbar.net/pages310502/monde3.htm
(2) الأهرام، 18/12/2001م.
(3) http://www.islamonline.net/Arabic/news/2001-12/05/Article78.shtml
(4) http://usinfo.state.gov/arabic/tr/1016rice.htm
(5) http://usinfo.state.gov/arabic/mena/0219usisl.htm
(6) http://www.islamonline.net/Arabic/politics/2002/07/article15.shtml
(1) http://www.islamonline.net/arabic/politics/2002/01/article12.shtml
(2) http://www.islamonline.net/arabic/politics/2002/01/article12.shtml
(3) http://www.islamonline.net/arabic/politics/2002/01/article12.shtm
(4) انظر: موقع المركز على شبكة الإنترنت www.memri.org
(1) http://www.alwatan.com.sa/daily/2002-04-19/culture/culture05.htm
(2) http://www.amin.org/views/abdulaziz_rantisi/2002/jan08.html
(1) انظر: المجلة التربوية. جامعة الكويت. عدد 39 ص (82 ـ 83).
|