إحدى ثمار العولمة البغيضة تتمثل في السيطرة التامة على الأمم والشعوب، ومصادرة الحقوق، وتبديل المعتقدات والمفاهيم والأعراف، ونشر معتقدات ومفاهيم وأعراف مصدّري العولمة. ومقولة: «أنت ضدي إن لم تكن معي» صورة من صور تصدير العولمة على أساس ومبدأ القوة والإرهاب، وبهذه المقولة وبهذا المفهوم خاطب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن العالَمَ متهماً المسلمين بالإرهاب. وعلى أساسها دشن مشاريعه وبرامجه المعادية للإسلام؛ فشملت هذه المشاريع ميادين عديدة بما فيها التعليم. ولا يخفى على ذي بصيرة أن الأمم الغربية تكيل للمسلمين بمكيال يختلف عن الأمم الأخرى؛ حتى لو كان هذا المسلم أمريكياً أو يعيش في بلاد غير إسلامية.
ومن المعلوم أن عدداً من المسلمين يقيمون في دول الغرب إقامة دائمة، وينخرطون في مجتمعات هذه الدول، ولا ريب أن لهذه المجتمعات تأثيراً على مستوى المعتقد والثقافة والأخلاق والمفاهيم. ويحاول كثير منهم تخفيف حدة تأثير هذه المجتمعات الدينية والثقافية من خلال إقامة المدارس الإسلامية التي تعنى بتربية النشء وتعليمهم أساسيات الدين، وتغرس في نفوسهم أصول التربية الإسلامية والأخلاق الكريمة المستمدة من القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة، وتسعى هذه المجتمعات إلى ربط أبنائها بثقافتهم الأم.
وأهم قضية تؤرق المسلمين في المجتمعات غير المسلمة هي قضية الحفاظ على الهوية الإسلامية، والحفاظ على تميز الأبناء والبنات عن أقرانهم الغربيين؛ ولذلك اشتدت الرغبة لدى السواد الأعظم من المسلمين في البلاد الغربية في التعليم الإسلامي، وارتداء الحجاب، وارتياد المراكز والمساجد الإسلامية، رغبة في حفظ الهوية والبعد عن مسببات المسخ الغربي.
وينظر الغرب إلى قضية حفاظ المسلمين على هويتهم بمنظارين مختلفين: فمنهم من يرى أن هذا الإجراء إجراء سليم يتطلبه الولاء للدين والثقافة ولا يمكن التخلي عنه بأي حال من الأحوال؛ فاليهود والهندوس والصينيون يقيمون مدارسهم ومعابدهم لتحقيق الأهداف نفسها التي يسعى إليها المسلمون؛ بل لقد برز اليهود في قضية التعليم الديني في أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية بصورة جعلتهم يتفوقون على المسلمين وغيرهم في مسألة الحفاظ على الهوية والتمايز الديني من خلال فتح مدارس منظمة ينخرط فيها مربون ومعلمون متمكنون في مجال التربية والتعليم، ومختصون في دراسة الأبعاد النفسية والاجتماعية للجالية اليهودية في المجتمعات الغربية.
وقد دافع أصحاب هذا الرأي عن المسلمين وغيرهم من الثقافات الأخرى، وشجعوا هذا الاتجاه وطالبوا الحكومات الغربية بتقديم العون لهم وإمدادهم بالمقررات والمناهج والمعامل ومساعدتهم في تحقيق رغباتهم؛ لأنهم جزء من المجتمع العام، ولهم حقوق كما أن عليهم واجبات. وقد ذهب بعض أصحاب هذا الرأي إلى مطالبة المدارس العامة في البلاد الغربية بتبني منهج يقوم على احترام الثقافات الأخرى ويركز على:
1- إعطاء الثقافات الأخرى الحق من التقدير والاحترام وعدم الازدراء.
2 - تشجيع تعليم اللغات الأخرى في المجتمعات التي تكثر فيها الجاليات التي تتحدث لغة غير اللغة الرسمية.
3 - تطعيم الكتب الدراسية بأحداث وتاريخ الثقافات الأخرى مثل الإسلام ورموزه ومقدساته.
4 - التركيز على مبدأ المساواة وعدم التفرقة العنصرية.
ومن المناصرين لهذا الرأي عالم الاجتماع البريطاني جون ريكي الذي وجه تحذيراً من خلال دراسات جادة ومستفيضة بيَّن فيها مغبة الوقوف أمام هجرة المسلمين ومناهضة قدومهم إلى بريطانيا؛ مما قد يسبب حنق هذه الطائفة ويشعرها بأنها مضطهدة فتتصرف على هذا الأساس فيحدِث خللاً في التركيبة السكانية.
وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن تنامي تيار تشجيع التمايز العرقي في المجتمعات الغربية؛ واهتمام الآباء المسلمين بحفظ أبنائهم ساعد في انتشار المدارس الإسلامية في الغرب عامة وفي أمريكا الشمالية بصفة خاصة؛ لدرجة أنك تجد في مدينة مثل شيكاغو وحدها أكثر من 42 مدرسة إسلامية.
وتقوم المدارس الإسلامية في الغرب على ثوابت وأهداف عليا تتمثل في:
1 - تعليم أبناء المسلمين أمور دينهم.
2 - ترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية الكريمة.
3 - حفظ أبناء المسلمين من الذوبان في الثقافات الغربية.
4 - إمداد الطالب المسلم بتعليم أكاديمي رفيع المستوى.
5 - تمثيل المسلمين في المجتمعات الغربية.
أما الرأي الآخر فيرى في انتشار المراكز والمدارس الإسلامية خطراً كامناً يهدد المجتمعات الغربية ويمثل فيروساً داخلياً ينخر في بنيان المجتمع الغربي الذي يقوم على ثوابت وأسس لا تتوافق مع النظرية الإسلامية، بل هما نقيضان من الدرجة الأولى؛ ولذلك لا بد من التصدي لأي تمثيل للمد الإسلامي داخل المجتمعات الغربية وتقزيمه، ومن أجل ذلك ظهرت تقارير تشجع الحكومات الغربية على الضغط على المراكز والمدارس الإسلامية وتحديد أدوارها بحجة أنها مفرخة للإرهاب ومصدر له؛ فهذا جهاز المخابرات الهولندي BVD يعد تقريراً حول نشاط 32 مدرسة إسلامية في المدن الهولندية الرئيسة مثل: أمستردام، وايندهوفن يؤكد فيه أن هذه المدارس تمارس أنشطة إرهابية، وتلقن فكراً متطرفاً يشكل تهديداً مباشراً لبنية المجتمع الهولندي، وأن مناهج هذه المدارس تحتوي على نصوص متشددة تنظر إلى الغرب على أنه عدو يستحق القتل والتشريد. ودعا هذا التقرير إلى التدخل السريع والمباشر في مناهج هذه المدارس وتقنين سياسة توظيف الأساتذة والمربين. وكانت ردود الفعل عند مسؤولي التعليم في هولندا على ضوء هذا التقرير عنيفاً؛ إذ صرحت نائبة وزير التعليم: أنه «لن يسمح لهذه المدارس بالاستمرار في نشاطها وترويج الفكر المتطرف، وأننا سنضرب هؤلاء بيد من حديد».
بل ذهب بعض الكتاب إلى أن التعليم الإسلامي في الغرب يمكن أن يسبب أزمات سياسية بسبب تطرفه ونظرته للغرب وتأصيله للارتباط العرقي بين المتعلمين وأوطانهم الأصلية، وطالب بعض الكتاب بالحد من انتشار المدارس الإسلامية، وبالتدخل العاجل في مناهج ومقررات المدارس الإسلامية، وتقنين اختيار المدرسين والمشرفين على هذه المدارس للحد من ظواهر تصدير الإرهاب وتجفيف منابعه.
وذهب بعض المفكرين الغربيين أمثال أنتوني هاريكي إلى أن المسلمين لا يتوافقون مع إيقاع الحياة الغربية؛ فحاجاتهم تسبب تعطيلاً للحياة الغربية؛ فهم يريدون أماكن للعبادة وأطعمة خاصة وألبسة معينة، حتى إنهم يتمايزون في المقابر؛ لذلك لا بد من التخلص منهم والتضييق عليهم، { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 118]. وما تصوره الآية الكريمة واضح منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفهمناه بصورة جلية عندما وقع انفجار أكلاهوما، ونادى الإذاعي الأمريكي الشهير (رش لمبو) بطرد المسلمين من أمريكا بصورة عاجلة؛ لأنهم إرهابيون وأعداء حضارة. ومن فضل الله ـ تعالى ـ أنه بعدها بساعات قلائل أعلن عن القبض على مرتكب الجريمة وأنه من أبناء أمريكا النصارى.
والمنادون بتقليص دور المدارس الإسلامية يدركون طبيعة التربية الإسلامية، وأن عمودها الفقري يتمثل في توجيه الأجيال وتسليحها بالأهداف النبيلة الصحيحة المعتمدة على القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة التي تكفل ـ بإذن الله ـ حفظ المسلم من التأثير الغربي.
وخرج تيار آخر يخوِّف من تنامي التيار الإسلامي في الأوساط السياسة، لكن هذا الرأي واضح الأهداف والمساعي؛ إذ يحاول الالتفاف على المجتمع المسلم في الغرب، ويؤلب عليه لقمعه، وهذا ما أكده الدكتور آغا سعيد، أستاذ العلوم السياسة في إحدى الجامعات الأمريكية عندما وصف هذا الرأي بالسخف؛ لأن التيار الإسلامي لا يملك تأثيراً يذكر في المجال السياسي.
إن وضع المسلمين السياسي والتعليمـي في البلاد الغـــربية لا يزال في بدايته، ويفتقر إلى الكثير؛ فلا يوجد لهم تمثيل سياسي في المحافل السياسية بصورة تبين ثقل هذا المجتمع، والمدارس الإسلامية تفتقر إلى الأساسيات المهمة مثل تأهيل المعلمين، والاعتماد على مناهج تعليمية مبنية على أسس نفسية واجتماعية تتناسب والتركيبة السكانية لمسلمي الغرب؛ مما أفقد هذه المدارس الثقة عند كثير من أولياء الأمور المسلمين؛ إذ بلغت نسبة طلاب المدارس الإسلامية 12% إلى 20% من مجموع أبناء المسلمين في الغرب ممن هم في سن الدراسة النظامي. وهذا يعني أن نسبة 80% من أبناء المسلمين على الأقل في المدارس الغربية، ولا يتلقون تعليماً مبنياً على الأسس الإسلامية إلا من خلال مدارس عطلة نهاية الأسبوع، وغالباً ما تكون لساعات قليلة وتفتقر إلى كثير من الأسس التربوية.
ويمكن حصر مشاكل المدارس الإسلامية في الغرب في النقاط الآتية:
1 - ضعف تأهيل مدرِّسي المدارس الإسلامية وخصوصاً مدرسي العلوم الشرعية واللغة العربية.
2 - ضعف المناهج الشرعية والعربية، وانعدامه في بعض المدارس، أو الاعتماد علــى مناهــج شــرعية من دول إســـلامية لا تتناسب والأسس النفسية والاجتماعية؛ لأن هذه المناهج بنيت لتناسب مجتمعات إسلامية وبيئة خاصة.
3 - ضعف الإدارات في المدارس الإسلامية لعدم توافر المدير المؤهل القادر على تحقيق الأهداف العليا للمدرسة الإسلامية.
4 - انعدام التخطيط وبروز العشوائية في قرارات المدارس.
5 - غياب دور التنسيق بين المدارس الإسلامية في الدولة الواحدة.
6 - قلة الموارد المالية للمدارس الإسلامية واعتماد كثير منها على التبرعات المباشرة من الآباء أو الدول والمجتمعات الإسلامية الأخرى.
وبهذا يمكن تشخيص الوضع العام للمدارس الإسلامية في الغرب بأنها دون المستوى المأمول. وتتأكد حقيقة لا شك فيها، أن مستقبل المدارس الإسلامية في الغرب مليء بتحديات كثيرة تتطلب جهوداً مضاعفة من التربويين والدعاة والجمعيات الإسلامية لينهضوا بها من عثراتها، وخاصة أن أمامهم طريقاً طويلاً لتحقيق أهدافهم التي يرمون إليها. ومما يجدر الإشارة إليه أن المنادين بتقزيم المدارس الإسلامية وتقليل فاعليتها يرمون إلى تقليل الاعتماد على المناهج الشرعية من البلاد الإسلامية كدول الخليج وباكستان؛ لأن غالبية المسلمين في البلاد الغربية هم من الهنود والباكستانيين، ويعتمدون على المناهج الشرعية الباكستانية والخليجية، وهذه المناهج حسب تقرير المخابرات الأمريكية متطرفة وتدعو إلى الإرهاب بجميع صوره.
أما طبيعة المدارس الإسلامية في الغرب فتبدو كما يلي:
- 73% من المدارس الإسلامية ابتدائية.
- 12 - 800 أعداد الطلاب في المدرسة الواحدة.
- 126 متوسط طلاب المدرسة الواحدة.
- 50% من المدارس فيها 65 طالباً.
- 21% من المساجد فيها مدارس نظامية.
تعداد المسلمين في الغرب:
- أمريكا 9 ملايين. - بريطانيا 3 ملايين.
- فرنسا 3.5 ملايين. - ألمانيا 1.9 مليون.
- بلجيكا 850 ألف. - هولندا 200 ألف.
---------------------
(*) رئيس قسم اللغة الإنجليزية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومستشار مؤسسة مناهج ـ (أمريكا).
|