الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبرحمته تكفر السيئات وتقال العثرات، والصلاة والسلام على البشير النذير، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فها هو رمضان قد مضى وتصرمت أيامه، ربح فيه الرابحون وخسر من عظمت موبقاته وآثامه، فيا أيها الرابح هنيئًا لك، ويا أيها الخاسر ما أجهلك، ولا نعلم من الرابح فنهنؤه، ومن الخاسر فنعزيه، لكن الله يعلمهم، فعلم الغيوب إليه سبحانه، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا {الجن:26}.
أيها المحسن في رمضان
يا من اجتهدت وصمت وقمت، تقبل الله منك، وزادك هدى، وآتاك تقواك، فإن كنت ممن وفقهم الله تعالى للطاعات في رمضان فقد بقي أن تدعو الله تعالى أن يقبل العمل ويجعله خالصًا، ويثيبك عليه الأجر العظيم، فإن من صفات الصالحين أنهم لا يغترون بعمل، ولا يلهيهم أمل، بل في قلوبهم وجل، يخافون بغتة الأجل. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله؛ قول الله عز وجل: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة... {المؤمنون:60} أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله عز وجل؟ قال: "لا؛ ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق وهو مع ذلك يخاف الله عز وجل". {الحاكم في المستدرك ج2 ح3486} فيا أيها المجتهد؛ هذا حالك مهما بلغ اجتهادك، تخاف أن لا يقبل منك، تخشى أن يكون قد خالط قلبك ما قد علمه الله جل وعلا، فابذل فيما بقي من عمرك المزيد عسى أن تفوز يوم المزيد لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد {ق:35}. وعليك أيها المجتهد أن تكون حذرًا كما قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم... {النساء:70} فالحذر من مسببات الهلاك التي تجتمع على العبد حتى تهلكه، ومن هذه المسببات احتقار الذنب، واستصغار الخطيئة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه". {رواه أحمد} وفي رواية الحاكم: "فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه". {صحيح الجامع 2686} وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من صغائر الذنوب لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، وإن الله يعذب من شاء على الصغير، ويغفر لمن شاء الكبير ويعفو عن كثير. وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء أحدهم بعود، وغيره بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه، يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تُكَفَّر أهلكت، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها، فأنذرهم مما قد لا يكترثون به، والصغيرة تصير كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار، فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله، وكلما استصغره عظم عند الله، لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به، واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة، والمحذور تسويده بالمعصية. وقد كان السلف رضوان الله عليهم مع تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم شديدي الاحتراز من الصغائر، إيمانا منهم بما قاله الله جل وعلا: وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم {النور:15} قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر؛ وإن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات". {البخاري ج5 ح6127} وعن بلال بن سعد قال: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت". {سير أعلام النبلاء 5-91} يقول ابن القيم رحمه الله: "وها هنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب؛ وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فيُنسى، وسبحان الله كم أهلكت هذه النكتة من الخلق! وكم أزالت من نعمة؟ وكم جلبت من نقمة؟ وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء، فضلاً عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين، كما ينقض السم، وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل. وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن قليلاً يغنيكم خير من كثير يطغيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا يُنسى، هذا مع أن للذنب نقدًا معجلا لا يتأخر عنه، قال سليمان التيمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته، وقال ذو النون: من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية". {الجواب الكافي} فانتبه يا من وُفِّقْتَ في رمضان للطاعة من الشيطان أن يغتالك، وعن الطاعة يجتالك.
أيها المسيء في رمضان
إن من رحمة الخالق الجليل أن منحنا مهلة للتوبة قبل أن يقوم الكرام الكاتبون بإثبات المعصية، وتدوين الخطيئة. قال صلى الله عليه وسلم : "وإن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة". {السلسلة الصحيحة 1201} فلا تكن ممن لا يرجون لله وقارًا، فيعصونه بأنواع الذنوب ليلاً ونهارًا، فهيا إلى التوبة النصوح، فباب التوبة مفتوح، وراقب الله أينما تغدو وتروح، ولا تقنط من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، فأسرع ولا تتردد، ولا تقل: ذنوبي كثيرة لا يصلح معها التوبة، فلم أدع نوعًا من الفواحش إلا اقترفته، ولا ذنبا إلا ارتكبته، فإن الله يجيبك بقوله: "يا ابن آدم؛ لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني؛ غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم؛ لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة". {صحيح الجامع} بل إن الله تعالى يفرح بتوبة العاصي إليه مهما كان معاندًا شقيًا، وجبارًا عتيًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، والله؛ لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ومن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أقبل إليَّ يمشي أقبلت إليه أهرول". {مسلم} فهنيئًا لك التوبة إذا صدقت الله وأخلصت له.
امرأة حائرة
ما أكثر الحيارى، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل، وحائرتنا هذه المرة تذكر أنها خرجت من رمضان بروح إيمانية عالية، وعرفت أن بر الوالدين من أفضل الأعمال، وهي ترجو الله أن يعينها على ذلك، لكنها تذكر أن هناك مشكلة تواجهها تحيرت فيها ولا تدري كيف تبر أهلها فيها وخاصة أمها. تقول: زوجتني أمي بابن أخيها ومضى على زواجي منه خمس سنوات ولم أنجب حتى الآن، وبالكشف الطبي عُرف أن زوجي مريض بعقم يحتاج إلى وقت طويل في علاجه، وأمي الآن تطلب مني أن أسأل زوجي الطلاق والفراق، وأنا مشفقة عليه، فهو إنسان أحسبه يراقب الله تعالى في سائر عمله وفي معاملتي كزوجة، وليس من السهل عليَّ فراقه، وأمي مصرة على أن أفارقه لأتزوج غيره حتى لا يضيع شبابي ولا أجد من يتزوجني بعد ذلك فماذا أصنع؟! والجواب بحول الوهاب مسبب الأسباب؛ أن هذه القصة ما أشبهها بقصة الرجل الذي أتى أبا الدرداء فقال: إن أمي لم تزل بي حتى تزوجْتُ، وإنها تأمرني الآن بطلاقها، فقال أبو الدرداء: ما أنا بالذي آمرك أن تعقها، ولا أن تطلق، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيِّع". {أحمد والترمذي وقال: صحيح} والمعنى أن بر الوالد سبب لدخول الجنة من أوسط أبوابها وبر الأم سبب لذلك من باب أولى. فلا يقال لهذه المرأة: سلي زوجك الطلاق، ولا يقال لها: عقي والدتك. بل أحسني إليها، والإحسان مفصل في كتاب الله جل وعلا كما قال: وبالوالدين إحسانا وفي التفصيل بعدها قال: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء:23}. فهذا التفصيل في البر هو الذي تُنصح به هذه المرأة، وليس منه طاعتها فيما فيه مضرة بالبنت أو بزوجها، وعلى البنت أن تقول لأمها قولاً كريمًا بأن تصبر صبرًا جميلاً و سيجعل الله بعد عسر يسرا، ومن أصدق من الله قيلا وعلى الأم ألا تستعجل وتدَّعي قراءة المستقبل، فعلم الغيب إلى علام الغيوب وحده جل وعلا. فالصبر والدعاء من أعجب الدواء، وعلى الله قصد السبيل ورفع الداء.
أنين الأطفال اليتامى
هل يليق بأسرة التوحيد أن تكون الأم متخلية؛ عن واجب التربية، والأب جدًا مشغول؛ بالمشروب والمأكول؟ وهل يرضى الله سبحانه أن تصبح مهمة الأب في البيت أن يكون موردًا للمال، ودور الأم الانشغال خارج البيت بالسوق والأعمال؟ حتى ضج الأولاد صارخين إلى أبيهم قائلين: يا والدي كأننا سكانُ في أحَدِ الفنادقْ صِرْنا نعيشُ حياتَنا ما بين خادمةٍ وسائقْ كانت لنا أمنيَّةٌ أن نلتقي والجوُّ رائق ونراكما في بيتِنا يا والدي ولَوْ دقائق والأب لا يستجيب لهذه الصرخات، فقد علمه أهل الفساد أن سعادة الأولاد، في جمع المال وتأمين بيت في البلاد، وكذلك الأم قد علمها أبواها أن تحافظ على السلاح في يدها، فلربما طلقها زوجها أو غدر بها أو مات عنها فلا تجد نفسها في الشارع والله المستعان، ولقد مَلَّ الشاعر شوقي من هذه الحياة البائسة ففاضت قريحته بعد أن قلقت راحته فقال آسفا: ليس اليتيم من انتهى أبوا هُ مِن هَمِّ الحياة وخلَّفاه ذليلا إن اليتيم له تجد أُمًّا تَخَلْ لَت في الحياة أو أبا مشغولا نعم إن اليتيم الذي فقد حقا والده بموته، وهذا قد أوصى الله تعالى به؛ فهو في الناس ذليل ضعيف كسير، ما أسرع أن تحنو عليه قلوب المحبين للخير، الراغبين في الأجر، لأنهم يعلمون أن أباه قد واراه التراب. أما مَنْ يُرى له أبوان يدخلان ويخرجان، يغدوان ويروحان، يُلبسان أولادهما أنيق الثياب وهم عراةٌ من خير الثياب، ولباس التقوى ذلك خير فمثل هؤلاء لا يلتفت أحد إليهم مع غفلة أبويهم عنهم. إن رعاية الأبناء ليست طعامًا وملبسًا وشرابًا وحسب، إنما رعايتهم تربيتهم على الفضائل وصحبة الأخيار، ووقايتهم يوم القيامة عذاب النار، وكذلك بث الحنان بين جوانحهم وترطيب قلوبهم بالعاطفة الرحيمة، ولا يكون ذلك إلا من أب رحوم وأم رءوم. فالأب يرحم ضعف أولاده، والأم تترأم وتتعطف على ولدها، وإن أساس رحمة الأولاد الخوف عليهم يوم التناد، يوم يولي الناس مدبرين ما لهم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد. أيها الموحدون من آباء وأمهات ينبغي أن تكونوا قد خرجتم من رمضان، بنية العمل والإحسان، وإتباع الحسنة بأختها، ومن أعظم الأعمال رعاية النشء رعاية إسلامية "وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت" كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم . {(حسن) صحيح الجامع عن ابن عمرو} ولا تضييع أكثر ولا أعظم من أن يهمل الأبوان تربية الأولاد فيهلكوا مع الهالكين.
طفلنا المسلم
نتابع معك رحلتنا مع أبناء السلف الذين حفظوا الحديث بعد القرآن وجلسوا لتلقي العلوم الشرعية في سن مبكرة، وقد وقفنا في عدد رجب السابق عند الحديث عن ابن شاذان، ونكمل معك إن شاء سيرة هؤلاء الأطفال العظماء: 7 ابن اللبان: العلامة أبو محمد عبد الله..... ابن عالم أصبهان النعمان بن عبد السلام التيمي. عظَّمهُ الخطيب وقال: كتبنا عنه، وكان أحد أوعية العلم، ثقة وجيز العبارة مع تدين، وعبادة وورع بَيِّن، سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، وأُحضرت مجلس ابن المقرئ ولي أربع سنين. قال الخطيب: لم أر أحسن قراءة منه، أدرك رمضان ببغداد فصلى التراويح بالناس، ثم أحيا بقية الليل صلاة، فسمعته يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلا ولا نهارًا. {سير أعلام النبلاء (17-654} الله أكبر؛ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها {فاطر:2}. له أربع سنين من العمر ويجلس في مجلس العلماء، ويحفظ القرآن حتى ختمه في الخامسة من عمره المبارك. فلا غرابة أن لا يضع جنبه في رمضان ليلا ولا نهارًا. 8 أبو القاسم التيمي: ومَثَلٌ عظيم آخر هو: التيمي الحافظ الكبير شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التيمي الملقب بقوام السنة، صاحب الترغيب والترهيب وغير ذلك، ولد سنة 457. قال أبو القاسم: وسمعت العلم وأنا ابن أربع سنين.... {تذكرة الحفاظ (4-1277)} 9 ابن كرامة: ابن كرامة الإمام المحدث الثقة أبو جعفر محمد ابن عثمان بن كرامة، حدث عنه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وغيرهم، ويحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد والسراج وجماعة. قال أبو حاتم وغيره: صدوق. قال: قرأت على علي بن محمد الفقيه وجماعة سمعوا عبد الله بن عمر ولي أربع سنين. {سير أعلام النبلاء (12-296)} 10 أبو عمر القاضي: أمَّا أبو عمر القاضي الإمام الكبير.. ابن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد، كان يذكر أن جده لقنه حديثًا فحفظه وله أربع سنين؛ والحديث عن وهب بن جرير عن أبيه عن الحسن قال: لا بأس بالكحل للصائم. قال الخطيب: هو ممن لا نظير له في الأحكام عقلاً وذكاءً واستيفاءًا للمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة. {سير أعلام النبلاء (14-555)} 11 منصور بن عبد المنعم الفراوي: قال ابن نقطة: كان شيخًا ثقة مكثرًا صدوقًا، سمعت منه صحيح البخاري، وصحيح مسلم وسمَّعه مرارًا، ورأيت سماعه بالمجلد الأول والثاني والثالث بصحيح مسلم في سنة ثمان وعشرين وهو ابن أربع سنين وخمسة أشهر. انتهى. فهؤلاء خمسة علماء من الأحد عشر الذين ذكرتهم؛ كلهم سمع العلم وحضر مجالسه في سن أربع سنوات، فابن اللبان، وأبو القاسم التيمي، وابن كرامة، وأبو عمر القاضي، ومنصور بن عبد المنعم. إنها حجة الله على الناس، فإن الذي لا ينشأ في عبادة الله، ومن لم يتعلم العلم في الصغر، قد حُرِم خيرًا كثيرًا، وفاته من العلم وافر الحظ. 12 الخطيب البغدادي: وهذا الخطيب الإمام الأوحد، العلامة المفتي الحافظ الناقد، محدث الوقت أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي صاحب التصانيف وخاتمة الحفاظ، كان أبوه أبو الحسن خطيبًا بقرية درزيجان، فحض ولده أحمد على السماع والفقه فسمع وهو ابن إحدى عشرة سنة وارتحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة، وإلى نيسابور وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وإلى الشام وهو كهل، وإلى مكة وغير ذلك، وكتب الكثير. {سير أعلام النبلاء (18-270)} فهل رأينا كم أضعنا من أعمارنا وأعمار أبنائنا. وهل عرفنا أننا نهدر ثروة غالية بدعوى أن الأولاد صغار؟ نعم قد لا يتيسر في كثير من البلاد تلقي العلم والرحلة إلى العلماء في زمننا هذا بنفس الصورة التي كانوا عليها هؤلاء السلف، لكن لا يعني هذا التخلي عن طلب العلم الشرعي كليةً أو إهماله، أو ترك حلقات تحفيظ القرآن الكريم والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا {العنكبوت:69} فعلى الآباء الاجتهاد والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين. والله المستعان. والحمد لله رب العالمين.
|