| الإرهاب في المنظور الإسلامي 2905 زائر 21-07-2010 د.عبدالرحمن بن سليمان المطرودي | الشريعة الإسلامية تعاملت مع ظاهرة الإرهاب وقائيا وتربويا في دراسة عن الإرهاب في المنظور الإسلامي،بين فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الأوقاف أن من يصفون الإسلام بالإرهاب يناقضون أنفسهم تماما، لأن الإسلام هو دين السلام لجميع البشر، ولا يمكن أن يجتمع العنف والاعتداء مع السلام الذي يدعو إليه القرآن الكريم في كثير من آياته• وأكدت الدراسة أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال وعدم الغلو وينبذ التطرف الفكري والاعتقادي• وأشارت الدراسة إلى تشديد الإسلام في تحريم قتل النفس والحث على التعاون ونبذ البغضاء والشحناء ليعيش كل الناس في سلام بغض النظر عن دينهم وهويتهم•• ونوهت إلى أن الحدود التي فرضها الإسلام ومنها حد الحرابة، حد القصاص، وحد البغي، إنما تهدف أصلا إلى منع وقوع الجريمة في الأساس وسد كل المنافذ أمام الذين قد يفكرون في ترويع الناس وتعكير أمنهم• كما نوهت الدراسة إلى أن التعامل الحسن مع غير المسلمين يدخل ضمن تعاليم الإسلام التي ترفض إكراه الآخرين على اعتناق الدين الإسلامي، بل حفظ لهم الإسلام كامل حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية• ونورد فيما يلي الدراسة: الإرهاب في المنظور الإسلامي يتعرض الإسلام والمسلمون للاتهام بالإرهاب والعنف والتطرف، بل إن بعض وسائل الإعلام اليوم أصبحت تبرز الإرهاب وكأنه صفة ملازمة لهذا الدين ولمعتنقيه، حتى أصبح الظهور بمظهر الانتماء إلى هذا الدين يشكل مشكلة في بعض البلاد والأوساط الاجتماعية• وقد نسبت بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب الإرهاب إلى الإسلام زعما أن تعاليم الإسلام وأحكامه وبعض آيات القرآن الكريم تدعو إلى الإرهاب، وتوجه المسلمين إلى سلوك طريقه، ويزعمون اشتمال آيات القرآن والأحاديث النبوية ودلالتها على ذلك، إما بالنص أو بالمعنى، وهذا يخالف الحقيقة تماما• وحتى يكون نفي ذلك عن الإسلام قائما على أساس علمي، ولكي تكون نسبة الأشياء متمشية مع القواعد العلمية في الحكم على صحة النسبة، فإني سأوضح ذلك من منطلقين• أولهما: الدلالة اللفظية في الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر كلمة إرهاب• وثانيهما: التوجيه الإسلامي في مكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه، ومن خلال الاتجاه الوقائي والعلاجي، لما قد يحصل من الإنسان من أخطاء تكون سببا في ارتكاب أي نوع من أنواع الاعتداء والعنف• الأول: الدلالة اللفظية في الآيات القرآنية وردت كلمة رهب وما اشتق منها من تصريف في اثني عشر موضعا في القرآن الكريم، هي قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (40)} [البقرة]• {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (82)} [المائدة]• {قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (116)} [الأعراف]• {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون (154)} [الأعراف]• {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60) } [الأنفال]• {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (31) } [التوبة]•{يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34)} [التوبة]• {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون (51)} [النحل: 51] {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين (90)} [الأنبياء]• {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين (32)} [القصص]• {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (27)} [الحديد]• {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون (13)} [الحشر]• وقد اتفق المفسرون لتلك الآيات على أمرين؛ هما: أن الدلالة اللفظية في كل تلك المواضع تعني الخوف أو الخشية وما اشتق منهما، وكذا ليس من دلالة تلك الآيات ما يفيد إباحة القيام بالقتل والتخريب والإفساد والاعتداء على الآخرين، فالمقصود الخوف بمعناه الإيجابي الذي يقود إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، والتبتل إليه خشية وخوفا من عقابه وأملا في رضاه، تفعيلا لمبدأ الوقاية التي تعني البناء الإيجابي بالإقلاع عن الذنب والارتداع عن فعل الجريمة هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن معنى الإرهاب الوارد في قوله تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} [الأنفال: 60]، يعني دفع الاعتداء والوقاية منه• ولهذا جاء التوجيه القرآني بطلب الإعداد الذي يكون من نتيجته خوف العدو مما لديك، فلا يهاجمك• فالمقصود أن وجود القوة المادية عامل مهم في حفظ التوازن وعدم الاعتداء، فمتى ما علم العدو بوجود قوة تستطيع مقابلته وردعه بها، فإنه سيرتدع عن الاعتداء، وبهذا تقي نفسك ونفسه مما يكون سببا في هلاكهما، وعليه يكون المعنى المقصود بكلمة (ترهبون) الواردة في الآية السابقة المعنى الإيجابي، أي: سد باب الاعتداء والقتل والخراب والفساد، الذي يلحق بالمجتمع ضررا كبيرا، فهو إرهاب وقاية ودفع للشر، لا إرهاب اعتداء وقتل وخيانة وتخريب وخروج عن الصواب• والأمثلة من الواقع المشاهد كثيرة في هذا المجال، فهي تبين حكمة التشريع من توجيه المسلمين إلى هذا الإعداد والاستعداد الذي يكون وسيلة لاستتباب الأمن وترسيخ قواعد البناء، ومن ينظر إلى حال العالم قبل سقوط قوة الاتحاد السوفيتي، وينظر إلى حاله اليوم يدرك حكمة الإسلام في التوجيه إلى الإعداد والاستعداد بالقوة• الثاني: توجيهات الإسلام في مكافحة أسباب الإرهاب والاعتداء ومعالجتها: نهج الإسلام في معالجته للقضايا المرتبطة بالسلوك البشري وتحقيق الأمن للمجتمع منهجا متوازنا، يجمع بين التأصيل والبناء الذاتي لعوامل المحافظة على الأمن، وسن التشريعات والأنظمة التي تكفل حفظ الأمن ومعالجة ما قد يعتري السلوك البشري من اعتلال أو انحراف• لهذا نجد أن الشريعة الإسلامية تعاملت مع ظاهرة الإرهاب في اتجاهين متوازيين يسيران معا في آن واحد؛ هما: الاتجاه الوقائي التربوي: ويقصد به بناء المناعة الذاتية المدافعة للعوامل المسببة لخروج السلوك البشري عن جادة الصواب• وقد يطلق على هذا الاتجاه تجفيف المنابع التي تولد الإرهاب، ويتمثل ذلك في غرس الفضائل، وتربية النفس على الآداب الخيرة، والالتزام بالأحكام الشرعية، والتمسك بكل ما يصون محركات السلوك البشري ويمنعها من السير في طريق غير سليم• أما الاتجاه الثاني، فهو اتجاه المعالجة، ويتمثل فيما شرعه الله من أحكام وتشريعات عقابية رادعة، وهذه الأحكام تتضمن بعدين أساسيين• بعد تطهير النفس البشرية وتخليصها من عقدة ارتكاب الذنب، أما البعد الآخر، فيتمثل في ردع من يرتكب جريمة من العودة إلى مثلها وزجر الآخرين من الوقوع في ذلك الخطأ، وهذا بعد وقائي؛ كما في قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)} [البقرة]، أي أن في تطبيق حكم القصاص ما يمنع بعضكم من قتل بعض مخافة أن يقتص منه، فيحييا بذلك معا• لذا فإن موقف الإسلام من الإرهاب موقف أزلي يجمع بين الوقاية والمعالجة للمخالفات التي قد تكون سببا في مزيد من الإرهاب والعنف• أ- الاتجاه الوقائي التربوي: فيما يأتي ذكر لبعض المعايير والتوجيهات الإسلامية في مجال الوقاية من جميع أنواع الإرهاب والعنف والاعتداء وهي: 1- دعوة الإسلام إلى السلام: الإسلام هو دين السلام لجميع البشر، فلا يجتمع مع العنف والاعتداء؛ لأنهما ضدان متناقضان، والمسلمون مأمورون بالبداءة بالسلام لكل من يقابلهم، وهي كلمة أمان ورحمة واطمئنان، وإشاعة للأمن بين الناس جميعا، فلا يجتمع الضدان: السلام والعنف، بل إن المسلمين مأمورون بالبحث عن السلام والجنوح إليه إذا جنح العدو إليه ورغب فيه، وذلك في حال الحرب المعلنة، فكيف بغير ذلك قال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62)} [الأنفال]• ومما امتن الله به على عباده نعمة الأمن، وهي من أجل النعم التي أنعم الله بها عليهم، قال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت(3)الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)} [قريش]• 2- إشاعة العدل في كل شيء: العدل من العوامل الرئيسة، والآداب السامية، والأخلاق الرفيعة التي تؤدي إلى الوقاية من الظلم والطغيان، وبالتالي تقطع الطريق على التطرف والإرهاب، لأن عدم العدل بين الناس هو من أسس نشأة الإرهاب، لأن المظلوم أو المقهور إن لم يستطع نيل حقه بالطرق المشروعة، فقد يعلن عن غضبه بقيامه برد الظلم بمثله، ومن هنا ينشأ الإرهاب المضاد• ولذلك كان أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل صريحا، حيث قال: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90)} [النحل]• ولمعنى العدل في الإسلام مفاهيم كثيرة، والمعنى في هذه الآية هو الحكم المنصف، أي: أداء كل شيء إلى من هو له على وجه الإنصاف، أو إيفاء الناس حقوقهم التي تجب• ولم يفرق الإسلام بين الناس في مسألة العدل بسبب الجنس أو الديانة أو العرق، فحقوق الإنسان مكفولة في الإسلام باعتبار أن كل البشر عند الله بمكانة واحدة من حيث العدل بينهم، ولا تمييز بين الناس إلا في مسألة الطاعة لله سبحانه وتعالى والتقوى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)} [الحجرات]• وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : كلكم لآدم وآدم من تراب• وانطلاقا من مبدأ إنسانية الإسلام وعالميته، فإن الله يأمر المسلمين بالعدل الشامل الكامل، حتى مع من يسيئون إليهم، لأن العدل حق لله، ولا ينبغي تجاوزه: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)} [المائدة]• يقول الإمام الطبري: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي، واعملوا فيه بأمري، ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة، واعدلوا أيها المؤمنون على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا، فاحملوهم على ما أمرتم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه)• وهذا هو عدل الإسلام في أحكامه مع جميع الناس• 3- دعوة الإسلام إلى التراحم بين الناس: الإسلام دين الرحمة، والرحمة ضد القسوة، فالرحمة من الصفات الفطرية في الخلق عامة، بل إنها من كمال فطرة البشر، وقد جعل المولى سبحانه وتعالى الرحمة غاية رئيسة في الإسلام بعد توحيد الله، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107) } [الأنبياء]، أي رحمة للبشرية كلها• وجاءت تعاليمه كلها رحمة وشفاء لما في الصدور، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين (57)} [يونس]• وخاطب المولى سبحانه رسوله الكريم بقوله: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)} [آل عمران]، وهذه إبانة أن الشدة والغلظة والعنف سبب رئيس من أسباب التفرق والتشتت وعدم الاجتماع، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الخلق القويم، فقال عليه الصلاة والسلام: (من لا يرحم لا يرحم) [رواه البخاري]، وقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)• [رواه أبو داود والترمذي]، فالرحمة تكون لجنس من في الأرض جميعا دون تفريق بسبب من الأسباب• 4- الحرية وتحمل المسؤولية: الإسلام يحارب الإكراه بكل صوره وأشكاله؛ لأن الإكراه يؤدي إلى نقيض المطلوب، وإلى شيوع النفاق الذي هو قاعدة الغدر والخيانة والتربص؛ لأن الإكراه ضرب من ضروب الإرهاب، حتى في مسألة اعتناق الإسلام لم يشرع المولى سبحانه إكراه الناس على ذلك، فقال سبحانه: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)} [البقرة]؛ لأن الإيمان قناعة وقبول قلبي، والقلب لا سلطان عليه إلا لخالقه الذي يقول: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال:42]، والقناعة الذاتية وحرية الإنسان في الاختيار تجعله طبيعيا يتحمل المسؤولية، ويكون إيمانه قويا، يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125)} [النحل]، بل إن المكره لا يحاسب في الإسلام عما يفعل حال الإكراه المؤدي إلى ضرر يلحق به• 5- خلق التعامل مع غير المسلمين في الإسلام: لقد سمت شريعة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين سموا لم يرق إليه قانون من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة، إذ حفظ لهم الإسلام حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية، كما حفظ أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، ولم يكرههم على ترك دينهم أو ما هو أدنى من ذلك، فخاطب القرآن الكريم أهل الكتاب خطابا راقيا بقوله سبحانه وتعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)} [آل عمران]، فهذا تشريع الإسلام في الدعوة، ذلك التشريع القائم على مبدأ الحوار والإقناع بالحجة دون إكراه• وقال صلى الله عليه وسلم في حق أهل الكتاب: لهم ما لنا وعليهم ما علينا [مسند أحمد]، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين رأى يهوديا مسنا يسأل الناس ما معناه: والله ما أنصفناه؛ أخذنا منه في شبيبته وننساه في شيبته، اضربوا له من بيت المال• أي اجعلوا له خراجا يعيش منه• ووجه القرآن الكريم إلى حسن معاملتهم والتعامل معهم، بل برهم والقسط إليهم، يقول المولى سبحانه وتعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)} [الممتحنة]، وأعطى لهم المولى سبحانه وتعالى حق الاستجارة بالمسلمين، قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون (6)} [التوبة]، ليس لأن تمن عليه أو تستغل ضعفه لأي شيء آخر، إنما لقصد سماعه كلام الله، وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك: ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة [سنن أبي داود] وقال عليه الصلاة والسلام: من آذى ذميا فأنا خصيمه، ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة• وحرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فحرمة الأنفس على إطلاقها مكفولة في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الإسراء: 33] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما)• [صحيح البخاري]• 6- الدعوة إلى الوسطية والاعتدال وعدم الغلو في الدين: الغلو في الدين هو الطريق إلى التطرف الفكري والاعتقادي• والفهم الخاطئ للدين قد يدفع الإنسان إلى محاولة فرض ما يعتقده ويؤمن به بالقوة، وهذا ما أثبته الواقع المشاهد• وقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغلو في الدين، وحذرت المسلمين منه حتى لا ينجرفوا وينحرفوا، فجعل الله هذه الأمة وسطا؛ لأن دينهم كذلك، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة: 143]، ومثل هذا التوجيه جاء صريحا لأهل الكتاب؛ قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل (77)} [المائدة]، فالغلو خلاف الوسطية، فإذا كانت الوسطية تعني الاعتدال والتوازن في الأمور كلها، فإن الغلو يعني الشقة والتضييق على النفس باتباع طريق واحد بعيدا عن الوسط، ووسطية الإسلام توازن بين الأحكام، فلا غلو وتشدد، ولا تفلت ولا تسيب، فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل العملي في ذلك مع بعض الصحابة الذين شددوا على أنفسهم بحثا عن المزيد من الطاعة، فقال أحدهم: أصوم الدهر كله ولا أفطر، وقال الآخر أقوم الليل كله ولا أنام، وقال الثالث لا أتزوج النساء• فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا درسا عميقا في الوسطية والاعتدال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني [صحيح البخاري]، حيث إن ذلك بعيد عن روح الإسلام ومبادئه التي بينت على التيسير وعدم التنفير، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، وقد قال سبحانه وتعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [المائدة: 6]، وقال جل شأنه:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] ، وقال سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، ووسطية الإسلام تحصين للمجتمع من الإفرازات التي يمكن أن توجد بسبب التضييق من المتطرفين الذين يعتمدون على نظرة ضيقة للكون وللحياة، وينطلقون منها إلى تخطئة كل رأي مخالف لهم باسم الدين، ويدينون كل فكر مخالف لفكرهم باسم الدين، الأمر الذي ينتهي بهم إلى تكفير الناس، بل والنيل من أعراض العلماء، ووصمهم بصفات غير لائقة، فالغلو في الدين باب إلى التطرف الذي يقود إلى العنف والسعي إلى إلزام المخالف رأيه بالقوة• 7- علو مكانة النفس في الإسلام: إن الإسلام قد كرم ابن آدم وأنزله منزلة رفيعة بما حباه الله من طاقات عقلية ونفسية، وبما أعطاه من قوام جميل وصورة حسنة لا يماثله فيها أحد من خلق الله عز وجل على وجه الأرض• إن الإنسان هو الكائن المفضل الذي كتب الله له أن يتبوأ الصدارة والمكانة الرفيعة بين الخليقة والكائنات جميعا، قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على) كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)} [الإسراء]• يقول الفخر الرازي في تعليقه على الآية: فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلي، وبدنه أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي• 8 - تحريم قتل النفس: حرم الإسلام قتل النفس وسفك الدم المعصوم، وجعل ذلك من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وّمن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا(33)} [الإسراء]، أكبر الكبائر بعد الكفر، وموجب لاستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر، وموجب لاستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة• وقال تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)} [المائدة]، وقال: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93]، وجعل من صفات المؤمن عدم القتل؛ قال تعالى:{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الفرقان: 68]، ويقول الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: دلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا• ومن السنة ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق••• وروى الإمام البخاري عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)، وقال ابن عمر رضي الله عنه -: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله، ولو اشترك أهل السماء والأرض في قتل رجل واحد، لكان ذلك موجبا لدخولهم النار جميعا، روى الإمام الترمذي: لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار• 9- تكوين روح التكافل بين أفراد المجتمع: من العوامل التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب الجريمة: الفقر، وعدم وجود عدل في الأمور الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات بعضها مع بعض، وقد جاء الربط بين الفقر وارتكاب جريمة قتل في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام: 151]، وفي تفسيرها يقول الإمام الطبري: ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافون بحياتهم على أنفسكم العجز على أرزاقهم وأقواتهم• وما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شيء أكثر من استعاذته من الفقر، الذي جاء في بعض الآثار ما يفيد أن الفقر من أسباب الكفر• ومعالجة لهذا العامل فقد جاء في التشريع الإسلامي كثير من التوجيهات والوصايا لمعالجة مشكلة الفقر، فشرعت الزكاة والوقف والصدقات والكفارات وغيرها من الواجبات في أموال الناس عامة وتصرف على الفقراء حسب أحكامها وشروطها• كما أوجب على الدولة السعي إلى رزق الفقراء والمحتاجين، وتنظيم معيشتهم، وتدبير سكنهم وتعليمهم وعلاجهم، وغير ذلك من الواجبات الاجتماعية على الدولة• 10- صيانة الروابط الاجتماعية من عوامل البغضاء والشحناء: يحتل بناء الروابط الاجتماعية في الإسلام مكانة مهمة• ولهذا سعى إلى العمل على صيانتها ومعالجة العوامل التي تهدد تماسكها وترابطها، وتقود إلى الشقاق والمنازعات والعداوة والبغضاء، مما يعرض الأمن العام للخطر• ومن أهم العوامل التي تؤثر سلبا في العلاقات الاجتماعية الإشاعة، وهي بث الأخبار بقصد الإفساد مباشرة، أو بشكل غير مباشر، ولهذا وضع الإسلام منهاجا خاصا لتلقي الأخبار، وذلك لأن الشائعات تزعزع الأمن والاستقرار، وتحدث الفوضى من الهرج والمرج في المجتمع، بل قد تكون سببا في حدوث كوارث ونكبات في المجتمع بين أفراده وغيرهم؛ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (6)} [الحجرات]• ومنها أيضا الغضب الذي قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب جريمة الاعتداء• ولهذا وجه الإسلام إلى عدم الغضب والبعد عن أسبابه لما له من آثار سلبية على علاقة الناس بعضهم بعض، ولما يسببه من شحناء وبغض ونفرة قد تكون سببا في حدوث اعتداء بين أفراد المجتمع، فقال تعالى:{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)} [الأعراف]، وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم (35)} [فصلت]، وقال تعالى: {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134)} [آل عمران]، وقال تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون (37)} [الشورى]، وروى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني• قال: لا تغضب، فكرر السؤال مرارا، وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم : لا تغضب• 11 - تحريم ترويع الآمنين: حرم الإسلام ترويع الآمنين المباشر وغير المباشر، ووجه إلى سد كل المنافذ وأبواب الذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع وتعكير الجو الآمن، وجاءت الأحكام الشرعية مانعة لبعض الأفعال التي قد تسبب ترويع الآمنين وإخافتهم مثل تحريم الإسلام للإشارة بالسلاح، إذ شدد الإسلام في النهي عن هذا الفعل• وجاء في الحديث عن المصطفى أن الإشارة بالسلاح من موجبات الاستحقاق لعذاب الله الأليم في جهنم، فقد روي الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرا جميعا فيها• ب: الاتجاه العلاجي تقدمت الإشارة إلى أن منهج الإسلام في علاج الإرهاب قد سار في خطين متوازيين يسيران معا في آن واحد، الخط الأول: ما تقدم ذكره، وهو الاتجاه الوقائي، أما الخط الثاني فهو ما شرع من العقوبات والأحكام التأديبية، وتهدف إلى ردع الحالات الخارجة عن السلوك السوي واجتثاثها، أي التي لم يجد معها الأسلوب الأول، فشذت عن السلوك الإسلامي القويم، ومنهج الوسطية والاعتدال، فمارست الإرهاب، وتعدت على الآمنين• هنا تبرز أهمية وسائل الإسلام العلاجية الرادعة لكل من تسول له نفسه أن يخرج ويشذ عن تعاليم الإسلام ومبادئه، وأن يمارس الإرهاب من خلال السعي في الأرض فسادا، أو من خلال الإفزاع والترويع والقتل والتدمير• وتتمثل وسائل الإسلام العلاجية في الردع لكل هؤلاء من خلال تشريع الحدود والعقوبات، التي تساعد على اجتثاث الإرهاب من المجتمعات، وتردع كل من تسول له نفسه ارتكاب أي عمل يخل بالأمن، فضلا عن أن هذه العقوبات لها دلالة أخرى في كونها تؤكد رفض الإسلام للإرهاب بكل صوره وأشكاله، واجتثاثه ومعالجة أسبابه، ومن خلال النهي عن كل عناصره التي يتكون منها ولا يقوم إلا بها؛ من إفزاع وترويع وتدمير وقتل وإكراه وسعي في الأرض فسادا وغيرها، فقد حرم الإسلام كل ذلك، وجرم فاعله، ونهى عنه، وشرع العقوبات الرادعة لكل من يرتكبها، ومنها العقوبات الأخروية التي تردع من يخاف الله ويخشاه، ومنها العقوبات الدنيوية الجسدية التي تردع من يتجرأ على حدود الله وتزجر آخرين، ومن أبرز تلك العقوبات: 1- حد الحرابة: الحرابة: مشتقة من الحرب والمحاربة وقد جاء تبيينها في قول الله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)} [المائدة]• وقد عرفت الحرابة بوصفين عامين؛ هما: محاربة الله ورسوله، والفساد في الأرض، وهذان الوصفان يقتضيان تحديد العمل الإجرامي بالخروج على أحكام الشرع؛ لأن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الواردة في الآية السابقة ليست على ظاهر النص، إنما يقصد بها العمل على ارتكاب الأعمال المخالفة لأحكام الله والخروج على منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم • وقد قسم العلماء أحوال المحاربين إلى أربعة أقسام: أخذ المال والقتل، والقتل فقط، وأخذ المال دون القتل، والإخافة دون قتل أو أخذ مال• وتجتمع في هذه الصور الأربع مظاهر هي: حمل السلاح، وإخافة الناس، والخروج على طاعة الحاكم ومخالفة أمره• وهذه فيها محاربة لله ورسوله؛ لأن فيها مخالفة لشرعه وتعديا على حدود الله، ولكل واحدة من هذه الحالات العقوبة الشرعية التي تناسبها، وتراوح بين ثلاثة أحكام: القتل مع الصلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والنفي من الأرض• والحرابة تتفق مع ما اصطلح على تسميته بالإرهاب في العصر الحديث؛ ذلك أن في الإرهاب حملا للسلاح، وإخافة للناس، وخروجا على القانون• وهذا التقارب في الصفة الظاهرة يقتضي التشابه في كيفية العقاب بعد توافر الشروط اللازمة للحكم على مرتكب الجريمة، وتطبيق مثل هذه العقوبة هو الذي سيستأصل هذا المرض ويقطع دابره• 2- حد القصاص: للنفس البشرية حرمتها ومكانتها في الإسلام، من أجل هذه المكانة ولكي يستتب الأمن عد الإسلام قتل واحد من الناس كقتل الجميع؛ لما يسببه قتل النفس من بث للخوف والرعب لدى عموم الناس، كما أن إحياءها كذلك إحياء لعموم الناس، لما في عدم التعرض لها من إحياء لها وعمل بالتشريع والأحكام التي تضمن تثبيت الأمن بين الناس، الذي هو وسيلة الحياة لكل الناس• قال تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)} [المائدة]، وفي هذا توجيه إلى كل الناس لمحاربة ما فيه ضررهم وإيقاع القتل فيهم• فالواجب عليهم أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذا الفعل الشنيع المخالف لما شرعه الله، وأن يطبقوا على فاعله أقسى عقوبة حتى يكون ذلك رادعا لمن تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة النكراء، وهذا فيه حياة لآخرين، كما جاء في آية القصاص أنه حياة للناس لما يحققه حكم القصاص من ردع وزجر من ارتكاب هذه الجريمة: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)} [البقرة]، يعني: (لكم يا أولي العقول فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ما يمنع به بعضكم من قتل بعض، ودفع بعضكم عن بعض فحييتم بذلك، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة)• 3- حد البغي: البغي حالة من الخروج على إمام تمت بيعته شرعا؛ مما يعني الخروج على نظام الحكم بحمل السلاح، بتفسير أو رأي يسوغ للخارجين - حسب رأيهم - الخروج على من بيده سدة الحكم• وهذا الحال من إشهار السلاح والعصيان والتمرد على القيادة يوجب على ولي الأمر الوقوف في وجه هذه الفتنة، وقد حارب الإسلام هذا النوع من الفساد والتمرد على الولاية، وسن لذلك منهجا في المعالجة، كما جاء في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9)} [الحجرات]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق في جماعتكم فاقتلوه• فالإسلام في تشريع قمع البغاة إنما قصد سد باب الذرائع التي قد يلوذ بها بعض أصحاب الهوى أو المخدوعون في القيام بأعمال إجرامية سعيا لنشر رأيهم وإجبار الناس على الأخذ به• هذه أمثلة لبعض الأحكام التي شرعها الإسلام صيانة وحفظا للمجتمعات وأفرادها، وحفظا لأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم وأمنهم• وهناك أحكام لا يتسع المجال لذكرها جميعا، وهي موجهة إلى تحقيق الأمن، وكبح الإرهاب وصيانة المجتمع من التصرفات الشاذة والدخيلة• مما سبق يتضح أن الإسلام يحارب كل أشكال إشاعة الفوضى، والانحراف الفكري والعملي، ويحارب كل عمل يقوض الأمن ويروع الآمنين، سواء أكان ذلك يسمى إرهابا أم حرابة أم بغيا، فجميعها صور تشيع الرعب والخوف في المجتمع، وترهب الآمنين فيه، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة، التي هي وسيلة حسن خلافتهم في الأرض، بعمارتها في جو من الأمن والأمان، والسلام والاطمئنان، والتعارف والتعاون بين الناس جميعا، وعبادة الله سبحانه وتعالى وفقا لما شرع• والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الإرهاب الذي حاربه الإسلام؟ فأقول: بعد هذا الاستعراض السريع لموقف الإسلام من الإرهاب بشتى صوره وأشكاله، ومن خلال الاطلاع على أساليب المعالجة التي سنتها الشريعة الإسلامية لمكافحة كافة أشكال الإرهاب ومعالجتها، فيمكن أن نقول: إن مصطلح الإرهاب المستخدم حاليا هو: كل فعل أو قول خارج عن شرع الله مخالف لما عليه العمل، ويلحق ضررا بالفرد أو بالجماعة أو بالمصالح العامة وبالممتلكات، ويشيع الخوف بين الناس• وبهذا نعلم أن ما اصطلح على وصفه بالإرهاب في العصر الحديث ليس المقصود به ما يدل عليه المصطلح في مفهومه اللغوي، إنما اصطلاح على وصف تلك الأعمال وتسميتها بهذا المصطلح وفقا لما يقصد به، وليس استخداما للدلالة اللفظية لهذا المصطلح في مفهومها الذي ذكرناه سابقا•
| | |