في كل عام تطل علينا مناسبة جعلها الناس كالعيد بل وجعلوا لها ندوات ورحلات للعمرة وطقوس (ما أنزل الله بها من سلطان) .
وهذه المناسبة هي ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحدث بلا شك ولا ريب أنه عظيم لأنه ميلاد سيد الخلق والنور الهادي والبشير النذير والرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم ومع هذه العظمة لجنابه والكرامة لسيادته لم يجعل هو صلى الله عليه وسلم ليوم ميلاده ذكرا ولا عيدا ولا احتفالا فعجبا لمن أشغل المسلمين ودعاهم لما لم يدعهم إليه الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم فأقحموا الناس بالمنهي عنه وهو الابتداع في دين الله .
وقبل الخوض في أدلة النهي عن الاحتفال بالمولد النبوي لا بد لي من وقفات استفهامية من خلالها أصل والقارئ الكريم لبر الأمان في معرفة حكم الشرع لهذه المناسبة .
السؤال الأول : متى ولد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
لعللك تعجب أن أصحاب السير لم يتفقوا على قول واحد في ميلاده والسبب يعود لاختلاف الروايات ليس في مولده لأنه لم يصح فيه شيئا إنما في بعثته وعمره آن ذاك فقام المؤرخون وأهل الحساب ليضعوا أيديهم على يوم ميلاده أو القرب من ميلاده لا من أجل الاحتفال إنما من أجل التوثيق لهذه الشخصية العظمى التي لم تحظى شخصية قط بمثل ما حضى به صلى الله عليه وسلم ولو زور المزورون .
لقد اتفق العلماء على يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم وأنه في يوم الاثنين لتصريح الرواية بذلك ولكنهم اختلفوا بالتواريخ على النحو التالي :
السنة : قبل حادثة الفيل بـ 15 سنة بعد حادثة الفيل بـ (شهر / عام الفيل / 4 سنوات / 10 سنوات / 15 سنة / 23 سنة).
اليوم والشهر (12 رمضان – 2/8/9/10/12 من ربيع الاول / صفر) .
وقد رجح جمهور العلماء أن مولده في 12 ربيع الأول من عام الفيل مع احتمال أنه يوم 8 ربيع الأول من عام الفيل (والله أعلم ) .
فإذا علمت هذا علمت أن ما يحتفل به المسلمون اليوم إنما هو يوم محتمل لا جزم فيه وإن كان هو اليوم حقا فليس مسوغا أبدا أن يكون يوم عيد واحتفال لعدم ورود النص في ذلك .
وأزيدكم علما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لأصحابه أبدا وقط عن ميلاده متى إذ لو كان أمرا هاما لأخبر به صلى الله عليه وسلم ولكن لعلمه أن الأمر ليس شرع ولا عباده ولا ذوق ولا وجد كما يزعمون.
السؤال الثاني : هل احتفل صلى الله عليه وسلم بميلاده ؟
الجواب (لا) لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بميلاده ولا أمر بالاحتفال به ، والقرون الثالثة الاولى بأكملها مع خيريتها وتحريها للسنة واتباعها وحربها على البدعة وأهلها لم تحتفل قط بميلاده صلى الله عليه وسلم .
والسبب عندهم أن الاحتفال والأعياد مناسبات دينية وتعبدية والقربة لله لا تكون إلا بدليل من القرآن والسنة ولا يوجد دليل واحد على جواز الاحتفال بميلاده صلى الله عليه وسلم .
إذا كان صاحب العلاقة وأهل بيته وأصحابه ومن سار على دربهم لم يفعلوه فبأي مسوغ تحتفل الأمة اليوم به أليست هذه بدعة منكرة (بلى والله) .
السؤال الثالث : متى بدأت الاحتفالات بالموالد في أمة الإسلام ؟
على الصحيح من أقوال المؤرخين أن أول من أحدث هذه البدعة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان في القرن الرابع الهجري والذي أحدثه الخلفاء الفاطميون في مصر والمغرب وقد أحدثوا ستة موالد لم تعرف أمة الاسلام قبل ذلك عنها شيء .
فإذا علمتم هذا فكيف تحتفل الأمة بمولد لا مستند له إلا الذوق والوجد (كما يزعم دعاته) .
ولم يأمر بها صاحب التزكية العظمى محمد صلى الله عليه وسلم ولا خلفاءه ولا آل بيته الكرام.
السؤال الرابع : هل من أدلة شرعية تمنع من الاحتفالات بالموالد ؟
نعم وإليكم الأدلة : قال تعالى : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب) .
قال صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) .
وكان يقول في كل خطبة : (فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) أعاذنا الله وإياكم من النار .
قاعدة جليلة : (فما لم يكن بالأمس دينا فلن يكون اليوم دينا ) قالها الامام مالك امام دار الهجرة .
كلام سادة الناس : اللجنة الدائمة (كبار العلماء) : (تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه إنما هو بالإيمان بكل ما جاء به من عند الله واتباع شريعته عقيدة وقولا وعملا وخلقا وترك الابتداع في الدين ومن الابتداع في الدين الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ) .
العلامة بن العثيمين : (ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي ... فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية ومن الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضا) .
المجلس الأعلى للأزهر في قسم الوعظ والخطابة بكلية أصول الدين : (ونقول لهم [ أي القائلين بالجواز ] لكن بقي النظر في هذه الموالد التي تقام في هذه الأزمان إنها لا تخلوا من المحرمات والمكروهات وقد أصبحت مراتع للفسوق والفجور وأسواقا تباع فيها الأعراض وتنتهك محارم الله تعالى وتعطل فيها بيوت العبادة فلا ريب في حرمتها ..) .
إعلم أن مقالي هذا كالماء البارد والشفاء العليل للكثير من طالبين الحق ولكنه غصة لطائفة قليلة.
بقلم خالد سلطان السلطان
|