بقلم الشيخ/ عبدالله بن محمد بن صالح المعتاز مؤسس إدارة المساجد والمشاريع الخيرية
الإسلام دين الاجتماع والألفة والأخاء والمحبة والاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفرق والاختلاف والتنازع، وإذا كان الاجتـماع واجباً في كل زمان وحال فإنه أوجب في حالة تسلط الأعداء وتداعيهم على المسلمين كما هو الحاصل اليوم. وقبل أيام وبدعوة من خادم الحرمين الشريفين وفقه الله تعالى لجمع شتات الأمة الإسلامية وتوحيد كلمتها على الحق المبين وحبل الله المتين الذي من تمسك به نصره الله وجمع صفوفه قال تعالى{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران. اجتمع رؤساء البلاد العربية وبعض الدول الإسلامية في مدينة الرياض للنظر في شؤونهم وتوحيد كلمتهم ومعالجة قضاياهم.
لقد أنزل الله علينا البينات في القرآن الكريم الذي من تمسك به هداه الله إلى الاجتماع وأنقذه من التفرق والاختلاف قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام. فهذه هي وصية الله تعالى الاجتماع على الصراط المستقيم وعلى توحيد رب العالمين. ولم تحصل فرقه بين المسلمين إلا إذا دخل الشرك في صفوفهم وانتشرت الحزبية بينهم وأهملوا عبادة ربهم وحده لا شريك له وفرقوا دينهم شيعاً وأحزاباً وتركوا منهج أهل السنَّة والجماعة والسلف الصالح الطائفة المنصورة وأهل الحديث والاتباع قال تعالى {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (31) {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (32) سورة الروم. وقال {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ } (103) سورة آل عمران. وقال {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (13) سورة الشورى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أتاكم وأمركم جميعاً يريد أن يشق عصا له ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان" رواه مسلم. إن الواجب على المسلمين جميعاً عرباً وغير عرب أن يجتمعوا على توحيد الله تعالى ونبذ الشرك والبدع والخرافات والحزبيات التي تفرق الأمة قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } (159) سورة الأنعام . وقال { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا } (78) سورة الحـج. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح. فالجماعة هم من كانوا على توحيد الله تعالى ولو كانوا واحداً قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (120) سورة النحل . وقال صلى الله عليه وسلم: "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت" رواه أحمد وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتله جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه" رواه مسلم. إن الشرك والبدع المكفرة والتوسل بالقبور والأولياء منتشر في معظم بلاد المسلمين وإن سبيل الله تعالى واحد موحد للأمة وسبل الشيطان كثيرة مفرقة للأمة ومسببة للتنازع والخذلان والضعف فيجب أن يكون اجتماع المسلمين على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويوم قام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله بتوحيد الله تعالى توحدت هذه الجزيرة على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان أهلها متفرقين إلى قبائل وطوائف وفرقاً متنافرة متقاتلة فقام برفع راية التوحيد ?لا إله إلا الله محمد رسول الله" وجعلها في قلوب أهل هذه البلاد.. يوم حصل ذلك توحد أهل هذه الجزيرة وصاروا إخواناً متحابين لا يبغي أحد منهم على أحد ولا يظلمه ولا يخذله، فساد الأمن والرخاء والخير والبركة قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ } (96) سورة الأعراف. وقال: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام . وإن ما يدعو اليه بعض الجهلة من الناس من دعوات العنصريات والقبليات والحزبيات والفرقة بأنواعها بين أهل هذه البلاد لنذر خطر عظيم يجب أن يتصدى له العلماء وأولو الأمر والدعاة وأهل النهي قبل أن يستفحل وتشب نار الفتنة بين الناس {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62) {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63) سورة الأنفال. وإن الناس إذا أثاروا هذه القبليات والعنصريات والطائفية فستظهر الفتن التي لا تطفأ إلا بالدماء فلعن الله من أيقظها. قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار" رواه الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: "من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثا جهنم قالوا يا رسول الله وإن صلى وصام قال وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعو المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عزَّ وجلَّ "المسلمين المؤمنين عباد الله عزَّ وجلَّ" رواه أحمد وهو حديث صحيح. فالاجتماع بين المسلمين على توحيد الله سبب من أسباب نصرهم وقوتهم وخوف أعدائهم منهم ومواجهة تحدياتهم وسبب من أسباب عزهم ومنعتهم وحضارتهم وترابط أفرادهم وجماعاتهم وبركة لهم وهو من غايات الدين الإسلامي وأصوله، فهو يأمر بالجماعة في الصلاة والحج والصيام وغير ذلك من العبادات. إن الاجتماع يخيف أعداء المسلمين ويلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين وهو سبب بقاء الأمة ونجاحها وانتشار رسالتها السامية التي كلفوا بنشرها قال تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ } (187) سورة آل عمران.
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** فإذا افترقن تكسرت أفرادا
وهو سبب الألفة والمحبة والتقدم في جميع المجالات وما هلكت أمة من الأمم إلا بسبب تفرقها واختلافها وتنازعها قال الله تعالى: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } (46) سورة الأنفال. وإننا في هذا العصر خاصة وفي كل زمان ومكان في أشد الحاجة إلى اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف ونسيان الخلافات الجانبية والظنية والفرعية والاجتهادية والاهتمام بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك والعودة إلى سبب الوحدة الحقيقية والتضامن الإسلامي على توحيد الله تعالى والرجوع إلى كتابه العزيز وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ونبذ الفرقة وإقامة العلاقات القوية والتكاتف والوقوف صفاً واحداً مع جميع المسلمين في كل نائبة وضد أي عدو يريد تفريق كلمتنا والقضاء على قوتنا "فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
|