Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الأنفال - الآية 5

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) (الأنفال) mp3
قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ : اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي السَّبَب الْجَالِب لِهَذِهِ الْكَاف فِي قَوْله " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك " فَقَالَ بَعْضهمْ شُبِّهَ بِهِ فِي الصَّلَاح لِلْمُؤْمِنِينَ اِتِّقَاؤُهُمْ رَبّهمْ وَإِصْلَاحهمْ ذَات بَيْنهمْ طَاعَتهمْ لِلَّهِ وَرَسُوله ثُمَّ رَوَى عَنْ عِكْرِمَة نَحْو هَذَا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول كَمَا أَنَّكُمْ لَمَّا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْمَغَانِم وَتَشَاحَحْتُمْ فِيهَا فَانْتَزَعَهَا اللَّه مِنْكُمْ وَجَعَلَهَا إِلَى قَسْمه وَقَسْم رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهَا عَلَى الْعَدْل وَالتَّسْوِيَة فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمَصْلَحَة التَّامَّة لَكُمْ وَكَذَلِكَ لَمَّا كَرِهْتُمْ الْخُرُوج إِلَى الْأَعْدَاء مِنْ قِتَال ذَات الشَّوْكَة وَهُمْ النَّفِير الَّذِينَ خَرَجُوا لِنَصْرِ دِينهمْ وَإِحْرَاز عِيرهمْ فَكَانَ عَاقِبَة كَرَاهَتكُمْ لِلْقِتَالِ بِأَنْ قَدَّرَهُ لَكُمْ وَجَمَعَ بِهِ بَيْنكُمْ وَبَيْن عَدُوّكُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد رُشْدًا وَهُدًى وَنَصْرًا وَفَتْحًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرّ لَكُمْ وَاَللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " . قَالَ اِبْن جَرِير وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ " عَلَى كُرْه مِنْ فَرِيقٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ هُمْ كَارِهُونَ لِلْقِتَالِ فَهُمْ يُجَادِلُونَك فِيهِ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ . ثُمَّ رَوَى عَنْ مُجَاهِد نَحْوه أَنَّهُ قَالَ " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك " قَالَ كَذَلِكَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ وَقَالَ السُّدِّيّ أَنْزَلَ اللَّه فِي خُرُوجه إِلَى بَدْر وَمُجَادَلَتهمْ إِيَّاهُ فَقَالَ " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ " لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ " يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ " وَقَالَ بَعْضهمْ يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال مُجَادَلَة كَمَا جَادَلُوك يَوْم بَدْر فَقَالُوا أَخْرَجْتنَا لِلْعِيرِ وَلَمْ تُعْلِمْنَا قِتَالًا فَنَسْتَعِدّ لَهُ . قُلْت : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة طَالِبًا لِعِيرِ أَبِي سُفْيَان الَّتِي بَلَغَهُ خَبَرهَا أَنَّهَا صَادِرَة مِنْ الشَّام فِيهَا أَمْوَال جَزِيلَة لِقُرَيْشٍ فَاسْتَنْهَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ خَفَّ مِنْهُمْ فَخَرَجَ فِي ثَلَثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَطَلَبَ نَحْو السَّاحِل مِنْ عَلَى طَرِيق بَدْر وَعَلِمَ أَبُو سُفْيَان بِخُرُوجِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبه فَبَعَثَ ضَمْضَم بْن عَمْرو نَذِيرًا إِلَى أَهْل مَكَّة فَنَهَضُوا فِي قَرِيب مِنْ أَلْف مُقَنَّع مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف وَتَيَامَنَ أَبُو سُفْيَان بِالْعِيرِ إِلَى سَيْف الْبَحْر فَنَجَا وَجَاءَ النَّفِير فَوَرَدُوا مَاء بَدْر وَجَمَعَ اللَّه بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ عَلَى غَيْر مِيعَاد لِمَا يُرِيد اللَّه تَعَالَى مِنْ إِعْلَاء كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ وَنَصْرِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَالتَّفْرِقَة بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَالْغَرَض أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا بَلَغَهُ خُرُوج النَّفِير أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ يَعِدُهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِير وَإِمَّا النَّفِير وَرَغِبَ كَثِير مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْعِير لِأَنَّهُ كَسْب بِلَا قِتَال كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ وَيُرِيد اللَّه أَنْ يُحِقَّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَع دَابِر الْكَافِرِينَ " قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن أَحْمَد الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا بَكْر بْن سَهْل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف حَدَّثَنَا اِبْن لَهِيعَة عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَان حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ : " وَإِنِّي أُخْبِرْت عَنْ عِير أَبِي سُفْيَان أَنَّهَا مُقْبِلَة فَهَلْ لَكُمْ أَنْ نَخْرُج قِبَل هَذِهِ الْعِير لَعَلَّ اللَّه أَنْ يُغَنِّمَنَاهَا ؟ " فَقُلْنَا نَعَمْ فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ لَنَا : " مَا تَرَوْنَ فِي قِتَال الْقَوْم إِنَّهُمْ قَدْ أُخْبِرُوا بِخُرُوجِكُمْ ؟ " فَقُلْنَا لَا وَاَللَّه مَا لَنَا طَاقَة بِقِتَالِ الْعَدُوّ وَلَكِنَّا أَرَدْنَا الْعِير ثُمَّ قَالَ : " مَا تَرَوْنَ فِي قِتَال الْقَوْم ؟ " فَقُلْنَا مِثْل ذَلِكَ فَقَالَ الْمِقْدَاد بْن عَمْرو إِذًا لَا نَقُول لَك يَا رَسُول اللَّه كَمَا قَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى : " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " قَالَ فَتَمَنَّيْنَا مَعْشَر الْأَنْصَار أَنْ لَوْ قُلْنَا كَمَا قَالَ الْمِقْدَاد أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَكُون لَنَا مَال عَظِيم قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ " وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث . وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث اِبْن لَهِيعَة بِنَحْوِهِ . وَرَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة بْن أَبِي وَقَّاص اللَّيْثِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ خَطَبَ النَّاس فَقَالَ : " كَيْف تَرَوْنَ ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : يَا رَسُول اللَّه بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَالَ : ثُمَّ خَطَبَ النَّاس فَقَالَ : " كَيْف تَرَوْنَ ؟ " فَقَالَ عُمَر مِثْل قَوْل أَبِي بَكْر ثُمَّ خَطَبَ النَّاس فَقَالَ : " كَيْف تَرَوْنَ ؟ " فَقَالَ سَعْد بْن مُعَاذ يَا رَسُول اللَّه إِيَّانَا تُرِيد ؟ فَوَاَلَّذِي أَكْرَمَك وَأَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مَا سَلَكْتهَا قَطُّ وَلَا لِي بِهَا عِلْم وَلَئِنْ سِرْت حَتَّى تَأْتِيَ بَرْك الْغِمَاد مِنْ ذِي يَمَن لَنَسِيرَنَّ مَعَك وَلَا نَكُون كَاَلَّذِينَ قَالُوا لِمُوسَى " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِنْ اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ وَلَعَلَّك أَنْ تَكُون خَرَجْت لِأَمْرٍ وَأَحْدَثَ اللَّه إِلَيْك غَيْره فَانْظُرْ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّه إِلَيْك فَامْضِ لَهُ فَصِلْ حِبَال مَنْ شِئْت وَاقْطَعْ حِبَال مَنْ شِئْت وَعَادِ مَنْ شِئْت وَسَالِمْ مَنْ شِئْت وَخُذْ مِنْ أَمْوَالنَا مَا شِئْت فَنَزَلَ الْقُرْآن عَلَى قَوْل سَعْد : " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ " الْآيَات وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس لَمَّا شَاوَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِقَاء الْعَدُوّ وَقَالَ لَهُ سَعْد بْن عُبَادَة مَا قَالَ وَذَلِكَ يَوْم بَدْر أَمَرَ النَّاس أَنْ يَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَأَمَرَهُمْ بِالشَّوْكَةِ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْل الْإِيمَان فَأَنْزَلَ اللَّه : " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْد مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • القواعد الحسنى في تأويل الرؤى

    القواعد الحسنى في تأويل الرؤى: كتاب يتحدث عن القواعد الأساسية التي يحتاجها معبر الرؤى، حيث يحتوي على أربعين قاعدة مع أمثلة واقعية من الماضي والحاضر وطريقة تعبيرها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/233610

    التحميل:

  • شرح الآجرومية [ ابن عثيمين ]

    شرح الآجرومية: هذا شرح تعليمي لمتن ابن آجروم في النحو المعروف بالآجرومية، اعتنى فيه الشارح ببيان مفردات التعاريف، ومحترزاتها، وأمثلتها، مع إضافة بعض الشروط والأمثلة على ما ذكره الماتن، وقد وردت في آخر كل فصل أسئلة مع الإجابة عليها.

    الناشر: مكتبة الرشد بالمملكة العربية السعودية

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/334270

    التحميل:

  • سلم الوصول إلى علم الأصول

    سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم : أرجوزة في علم التوحيد، نظمها فضيلة الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2478

    التحميل:

  • عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية .. معجزة علمية

    عدالة أهل البيت والصحابة بين الآيات القرآنية والتراكيب النباتية: رسالة تتناول بالشرح والتفسير آخرَ آية من سورة الفتح: {.. كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يُعجِبُ الزُّرَّاع ليغيظَ بهمُ الكُفَّار ..}؛ حيث استنبطَ المؤلف أن آل البيت والصحابة كالفروع والأغصان، ثم ذكر حالهم في محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمهم له.

    الناشر: جمعية الآل والأصحاب http://www.aal-alashab.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/335470

    التحميل:

  • السبحة تاريخها وحكمها

    قال المؤلف: أحتسب عند الله تعالى تحرير القول في السبحة من جميع جوانبه، بجمع المرويات، وبيان درجتها، وجمع كلام العلماء في تاريخها، وتاريخ حدوثها في المسلمين، وأن العرب لم تعرف في لغتها شيئاً اسمه: ((السُّبْحَة)) في هذا المعنى، وفي ((خلاصة التحقيق)) بيان حكمها في التعبد لِعَدِّ الذِّكر، أو في العادة واللَّهْو، حتى يُعلم أنها وسيلة محدثة لِعَدِّ الذِّكر، ومجاراة لأهل الأهواء، فَتَشَبُّهٌ بأهل الملل الأخرى، وَمِنِ اسْتِبْدَالِ الأَدْنَى بالذي هو خير، وقاعدة الشرع المطهر: تحريم التشبه بالكفار في تعبداتهم وفيما هو من خصائصهم من عاداتهم.

    الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/385302

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة