Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة العنكبوت - الآية 46

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) (العنكبوت) mp3
قَالَ قَتَادَة وَغَيْر وَاحِد : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ مُجَادَلَة وَإِنَّمَا هُوَ الْإِسْلَام أَوْ الْجِزْيَة أَوْ السَّيْف وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هِيَ بَاقِيَة مُحْكَمَة لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِبْصَار مِنْهُمْ فِي الدِّين فَيُجَادِل بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن لِيَكُونَ أَنْجَع فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " اُدْعُ إِلَى سَبِيل رَبّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُون حِين بَعَثَهُمَا إِلَى فِرْعَوْن " فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى " وَهَذَا الْقَوْل اِخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَحَكَاهُ عَنْ اِبْن زَيْد . وَقَوْله تَعَالَى " إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" أَيْ حَادُوا عَنْ وَجْه الْحَقّ وَعَمُوا عَنْ وَاضِح الْمَحَجَّة وَعَانَدُوا وَكَابَرُوا فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِل مِنْ الْجِدَال إِلَى الْجِلَاد وَيُقَاتَلُونَ بِمَا يَمْنَعهُمْ وَيَرْدَعهُمْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَاب وَالْمِيزَان لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد - إِلَى قَوْله - إِنَّ اللَّه قَوِيّ عَزِيز " قَالَ جَابِر : أُمِرْنَا مَنْ خَالَفَ كِتَاب اللَّه أَنْ نَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ قَالَ مُجَاهِد " إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" يَعْنِي أَهْل الْحَرْب وَمَنْ اِمْتَنَعَ مِنْهُمْ مِنْ أَدَاء الْجِزْيَة. وَقَوْله تَعَالَى " وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " يَعْنِي إِذَا أَخْبَرُوا بِمَا لَا نَعْلَم صِدْقه وَلَا كَذِبه فَهَذَا لَا نُقْدِم عَلَى تَكْذِيبه لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون حَقًّا وَلَا تَصْدِيقه فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُون بَاطِلًا وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهِ إِيمَانًا مُجْمَلًا مُعَلَّقًا عَلَى شَرْط وَهُوَ أَنْ يَكُون مُنَزَّلًا لَا مُبَدَّلًا وَلَا مُؤَوَّلًا . قَالَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن عُمَر أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْمُبَارَك عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبَى سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُصَدِّقُوا أَهْل الْكِتَاب وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهنَا وَإِلَهكُمْ وَاحِد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " وَهَذَا الْحَدِيث تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيّ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن عَمْرو أَخْبَرَنَا يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي نَمْلَة أَنَّ أَبَا نَمْلَة الْأَنْصَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِس عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُل مِنْ الْيَهُود فَقَالَ يَا مُحَمَّد هَلْ تَتَكَلَّم هَذِهِ الْجِنَازَة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّه أَعْلَم " قَالَ الْيَهُودِيّ أَنَا أَشْهَد أَنَّهَا تَتَكَلَّم فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَكُتُبه وَرُسُله فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ " " قُلْت " وَأَبُو نَمْلَة هَذَا هُوَ عُمَارَة وَقِيلَ عَمَّار وَقِيلَ عَمْرو بْن مُعَاذ بْن زُرَارَة الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . ثُمَّ لِيُعْلَمَ أَنَّ أَكْثَر مَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ غَالِبه كَذِب وَبُهْتَان لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ تَحْرِيف وَتَبْدِيل وَتَغْيِير وَتَأْوِيل وَمَا أَقَلّ الصِّدْق فِيهِ ثُمَّ مَا أَقَلّ فَائِدَة كَثِير مِنْهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا . قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَنْ سُلَيْمَان بْن عَامِر عَنْ عُمَارَة بْن عُمَيْر عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه - هُوَ اِبْن مَسْعُود - قَالَ لَا تَسْأَلُوا أَهْل الْكِتَاب عَنْ شَيْء فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا وَفِي قَلْبه تَالِيَة تَدْعُوهُ إِلَى دِينه كَتَالِيَةِ الْمَال . وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد أَخْبَرَنَا اِبْن شِهَاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَيْف تَسْأَلُوا أَهْل الْكِتَاب عَنْ شَيْء وَكِتَابكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَث تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَاب وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ؟ أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مَسْأَلَتهمْ ؟ لَا وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ . وَقَالَ الْبُخَارِيّ وَقَالَ أَبُو الْيَمَان أَخْبَرَنَا شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة يُحَدِّث رَهْطًا مِنْ قُرَيْش بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْب الْأَحْبَار فَقَالَ إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَق هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْل الْكِتَاب وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِب " قُلْت " مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقَع مِنْهُ الْكَذِب لُغَة مِنْ غَيْر قَصْد لِأَنَّهُ يُحَدِّث عَنْ صُحُف هُوَ يُحْسِن بِهَا الظَّنّ وَفِيهَا أَشْيَاء مَوْضُوعَة وَمَكْذُوبَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتهمْ حُفَّاظ مُتْقِنُونَ كَهَذِهِ الْأُمَّة الْعَظِيمَة وَمَعَ ذَلِكَ وَقُرْب الْعَهْد وُضِعَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي هَذِهِ الْأُمَّة لَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ مَنَحَهُ اللَّه تَعَالَى عِلْمًا بِذَلِكَ كُلّ بِحَسَبِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • شرح القواعد الأربع [ الفوزان ]

    القواعد الأربع: رسالة مختصرة كتبها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وقد اشتملت على تقرير ومعرفة قواعد التوحيد، وقواعد الشرك، ومسألة الحكم على أهل الشرك، والشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة، وقد شرحها العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله تعالى -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2403

    التحميل:

  • رسائل دعوية إلى العاملين في مجال الصحة والطب

    رسائل دعوية إلى العاملين في مجال الصحة والطب: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن من أعظم محاضن الدعوة اليوم: التعليم والتطبيب، وقد أجلب أصحاب الملل الباطلة في هذين المجالين بخيلهم ورجلهم، فانتشرت المدارس النصرانية وكثرت المراكز الطبية التي تقف من خلفها الكنائس والبعثات التنصيرية. وإسهامًا في الدعوة إلى الله- عز وجل- في هذا المجال الهام أدليت بدلوي رغبة في المشاركة ولو بالقليل».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229630

    التحميل:

  • دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد

    دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد : عبارة عن رسالة حصل بها المؤلف على العالمية - الماجستير - وقد ناقشها عام 1407هـ. لجنة المناقشة: المشرف د/ محمد حرب، د/ عبد ا لعزيز آل الشيخ، د/ عبد الوهاب جعفر. - اشتمل هذا الكتاب على مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة: - الباب الأول: في المفتريات التي ألصقت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. - الباب الثاني: في الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. - الباب الثالث: في اعتراضات على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في طريقها في الدعوة وإنكار المنكر، وفيه ثلاثة فصول:

    الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172279

    التحميل:

  • أدب الموعظة

    أدب الموعظة: رسالة تضمَّنت تعريف الموعظة وآدابلها ومقاصدها وأدلتها من الكتاب والسنة وأقوال وأفعال السلف الصالح عن ذلك.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/355721

    التحميل:

  • الدين المعاملة [ صفحات من هدي الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم ]

    الدين المعاملة : في هذه الصفحات نسلط الضوء على جانب من الجوانب المهمة في حياتنا، وهو المعاملة مع الآخرين، ننهل في تصحيح هذا الجانب من معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - للآخرين، فنحن أحوج ما نكون إلى هذا الهدي مع فساد تعاملنا مع بعضنا، فالدين ليس فقط معاملة مع الله، بل هو معاملة مع الخلق أيضاً، ولئن كانت حقوق الله مبنية على المسامحة فإن حقوق العباد مبنية على المشاحة ، لذا وجب علينا معرفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعاملة مع الخَلق؛ لنتأسى به، فتنصلح علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/262007

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة