Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة البقرة - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
الم (1) (البقرة) mp3
سُورَة الْبَقَرَة : وَأَوَّل مَبْدُوء بِهِ الْكَلَام فِي نُزُولهَا وَفَضْلهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا ; وَهَكَذَا كُلّ سُورَة إِنْ وَجَدْنَا لَهَا ذَلِكَ ; فَنَقُول : سُورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة , نَزَلَتْ فِي مُدَد شَتَّى . وَقِيلَ : هِيَ أَوَّل سُورَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ , إِلَّا قَوْله تَعَالَى : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه " [ الْبَقَرَة : 281 ] فَإِنَّهُ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء , وَنَزَلَتْ يَوْم النَّحْر فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى ; وَآيَات الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن . وَهَذِهِ السُّورَة فَضْلهَا عَظِيم وَثَوَابهَا جَسِيم . وَيُقَال لَهَا : فُسْطَاط الْقُرْآن ; قَالَهُ خَالِد بْن مَعْدَان . وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَبِهَائِهَا , وَكَثْرَة أَحْكَامهَا وَمَوَاعِظهَا . وَتَعَلَّمَهَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة , وَابْنه عَبْد اللَّه فِي ثَمَانِي سِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت بَعْض أَشْيَاخِي يَقُول : فِيهَا أَلْف أَمْر وَأَلْف نَهْي وَأَلْف حُكْم وَأَلْف خَبَر . وَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَد وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَحْدَثهمْ سِنًّا لِحِفْظِهِ سُورَة الْبَقَرَة , وَقَالَ لَهُ : ( اِذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرهمْ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَصَحَّحَهُ . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( اِقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّ أَخْذهَا بَرَكَة وَتَرْكهَا حَسْرَة وَلَا يَسْتَطِيعهَا الْبَطَلَة ) , قَالَ مُعَاوِيَة : بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَة : السَّحَرَة . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر إِنَّ الشَّيْطَان يَنْفِر مِنْ الْبَيْت الَّذِي تُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة ) . وَرَوَى الدَّارِمِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا مِنْ بَيْت يُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط . وَقَالَ : إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة , وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْء لُبَابًا وَإِنَّ لُبَاب الْقُرْآن الْمُفَصَّل . قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ . اللُّبَاب : الْخَالِص . وَفِي صَحِيح الْبُسْتِيّ عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْته لَيْلًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاث لَيَالٍ وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ) . قَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ) أَرَادَ : مَرَدَة الشَّيَاطِين . وَرَوَى الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه : مَنْ قَرَأَ عَشْر آيَات مِنْ سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة لَمْ يَدْخُل ذَلِكَ الْبَيْت شَيْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يُصْبِح ; أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وَآيَتَيْنِ بَعْدهَا وَثَلَاثًا خَوَاتِيمهَا , أَوَّلهَا : " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات " [ الْبَقَرَة : 284 ] . وَعَنْ الشَّعْبِيّ عَنْهُ : لَمْ يَقْرَبهُ وَلَا أَهْله يَوْمئِذٍ شَيْطَان وَلَا شَيْء يَكْرَههُ , وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُون إِلَّا أَفَاقَ . وَقَالَ الْمُغِيرَة بْن سُبَيْع - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه - : لَمْ يَنْسَ الْقُرْآن . وَقَالَ إِسْحَاق بْن عِيسَى : لَمْ يَنْسَ مَا قَدْ حَفِظَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْمُغِيرَة بْن سَمِيع . وَفِي كِتَاب الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عَبْد الْبَرّ : وَكَانَ لَبِيد بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كِلَاب بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن صَعْصَعَة مِنْ شُعَرَاء الْجَاهِلِيَّة , أَدْرَكَ الْإِسْلَام فَحَسُنَ إِسْلَامه وَتَرَكَ قَوْل الشِّعْر فِي الْإِسْلَام , وَسَأَلَهُ عُمَر فِي خِلَافَته عَنْ شِعْره وَاسْتَنْشَدَهُ ; فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة ; فَقَالَ : إِنَّمَا سَأَلْتُك عَنْ شِعْرك ; فَقَالَ : مَا كُنْت لِأَقُولَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْر بَعْد إِذْ عَلَّمَنِي اللَّه الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان ; فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ ; وَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ فَزَادَهُ خَمْسمِائَةٍ . وَقَدْ قَالَ كَثِير مِنْ أَهْل الْأَخْبَار : إِنَّ لَبِيدًا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا مُنْذُ أَسْلَمَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْلَام إِلَّا قَوْله : الْحَمْد لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي حَتَّى اِكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَام سِرْبَالَا قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْت لِقَرَدَة بْن نُفَاثَة السَّلُولِيّ , وَهُوَ أَصَحّ عِنْدِي . وَقَالَ غَيْره : بَلْ الْبَيْت الَّذِي قَالَ فِي الْإِسْلَام : مَا عَاتَبَ الْمَرْء الْكَرِيم كَنَفْسِهِ وَالْمَرْء يُصْلِحهُ الْقَرِين الصَّالِح وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي آيَة الْكُرْسِيّ وَخَوَاتِيم الْبَقَرَة , وَيَأْتِي فِي أَوَّل سُورَة آل عِمْرَان زِيَادَة بَيَان لِفَضْلِ هَذِهِ السُّورَة ; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ . فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا , وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر , وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا . قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ , وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ , فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ , وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ , وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم , اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ , وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عِمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : 3 ] . قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا , وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا , وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا . وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلَف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ . قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن , فَلَمَّا سَمِعُوا : " الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ , فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلَف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا : " لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : 26 ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه , وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل , وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه , وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف , وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد . وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : " الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم , " الر " أَنَا اللَّه أَرَى , " المص " أَنَا اللَّه أَفْصِل . فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا , وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه , وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا , كَقَوْلِهِ : فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت . وَقَالَ زُهَيْر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء . وَقَالَ آخَر : نَادَوْهُمْ أَلَا اِلْجِمُوا أَلَا تَا قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ , قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُل : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه - تَعَالَى - بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا , وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا , وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى : " لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا , وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح . فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق , وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم , وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده . وَقَالَ بَعْضهمْ : " الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَالَ اِبْتَعَثَك فِي قَوْله : " الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة , وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ , ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيُفَقِّه النَّاس . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم . وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا . وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة , وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة . هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة . أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ : " الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم " . وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • رسالة للمتأخرين عن الإنجاب

    رسالة للمتأخرين عن الإنجاب : فإن مما لاشك فيه أن حب الأولاد من بنين وبنات شيء فطري، جبل عليه الإنسان، وهو من محاسن الإسلام؛ لبقاء النوع البشري ولعمارة الكون، وغيرها من الفوائد الكثيرة. وفي هذه الرسالة - أخي الكريم - يخاطب المصنف شريحتين من شرائح المجتمع في هذا الجانب، كلاِّ بما يناسبها: الأولى: هم أولئك المتأخرون عن الإنجاب بغير قصد، ولديهم رغبة جامحة، ونفوسهم تتوق إلى رؤية نسلهم وخلفهم، وتأخروا عن الإنجاب مع تلمسهم لأسبابه، بتقدير الله - جل وعلا -. الثانية: المتأخرون عن الإنجاب بقصد، وهم أولئك الذين أخروا مسألة الإنجاب، وبرروا عملهم بمبررات واهية، أو تأثروا بشبه تلقفوها من هنا وهناك. وهذه الرسالة محاولة لتلمس المشكلة وبيان علاجها بالدليل الشرعي، وبيان أقوال أهل العلم في ذلك، نصيحة لعامة المسلمين التي حثنا عليها نبينا - عليه الصلاة والسلام - بقوله: «الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/66724

    التحميل:

  • ما لا يسع المسلم جهله

    ما لا يسع المسلمَ جهلُه: يتناول هذا الكتاب ما يجب على كل مسلم تعلُّمه من أمور دينه؛ فذكر مسائل مهمة في باب العقيدة، وما قد يعتري عليها من الفساد إذا ما جهل المسلم محتوياتها، وما يتطلبها من أخذ الحيطة والحذر عما يخالفها، كما تحدَّث عن أهمية متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يعمله المسلم في باب العبادات والمعاملات، ويحمل أهمية بالغة لكل من يريد معرفة الإسلام بإيجاز وبصورة صحيحة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/369712

    التحميل:

  • أعلام السنة المنشورة في اعتقاد الطائفة المنصورة [ 200 سؤال وجواب في العقيدة ]

    أعلام السنة المنشورة في اعتقاد الطائفة المنصورة [ 200 سؤال وجواب في العقيدة ]: شرح لعقيدة أهل السنة و الجماعة في هيئة مبسطة على شكل سؤال وجواب.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1876

    التحميل:

  • ديوان خُطب الجمعة وفقًا لتعاليم الإسلام

    ديوان خُطب الجمعة وفقًا لتعاليم الإسلام: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فهذه موضوعات علميَّة من التعاليم الإسلامية .. اعتمدتُ فيها على مصدرين أساسيين: المصدر الأول: كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ومن خلفه. المصدر الثاني: سنة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384411

    التحميل:

  • الغِيبة

    الغِيبة: قال المصنف - حفظه الله -: «فأقدِّم للقارئ الكريم الرسالة الأولى من «رسائل التوبة» التي تتحدَّث عن داءٍ خبيثٍ يحصد الحسنات ويجلب السيئات ويضيع الأوقات، ألا وهو داء «الغِيبة» الذي ساعد على تفشِّيه في المجتمع قلَّة الوازع الديني وتيسُّر أسباب المعيشة وكثرة أوقات الفراغ، كما أنَّ لسهولة الاتصالات الهاتفية سهمًا في ذلك».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/345921

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة