Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 116

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) (البقرة) mp3
اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَاَلَّتِي تَلِيهَا عَلَى الرَّدّ عَلَى النَّصَارَى عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه وَكَذَا مَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ الْيَهُود وَمِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب مِمَّنْ جَعَلَ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه فَأَكْذَب اللَّه جَمِيعَهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ وَقَوْلهمْ إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا فَقَالَ تَعَالَى " سُبْحَانه " أَيْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا " بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض" أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا اِفْتَرَوْا وَإِنَّمَا لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمُقَدِّرُهُمْ وَمُسَخِّرُهُمْ وَمُسَيِّرُهُمْ وَمُصَرِّفُهُمْ كَمَا يَشَاء . وَالْجَمِيعُ عَبِيدٌ لَهُ وَمِلْكٌ لَهُ فَكَيْف يَكُون لَهُ وَلَد مِنْهُمْ وَالْوَلَد إِنَّمَا يَكُون مُتَوَلِّدًا مِنْ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ وَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا مُشَارِك فِي عَظَمَته وَكِبْرِيَائِهِ وَلَا صَاحِبَة لَهُ فَكَيْف يَكُون لَهُ وَلَد ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى " بَدِيعُ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة وَخَلَقَ كُلّ شَيْء وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم " وَقَالَ تَعَالَى : " وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيه يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا " وَقَالَ تَعَالَى" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد " فَقَرَّرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَات الْكَرِيمَة أَنَّهُ السَّيِّد الْعَظِيم الَّذِي لَا نَظِير لَهُ وَلَا شَبِيه لَهُ وَأَنَّ جَمِيع الْأَشْيَاء غَيْره مَخْلُوقَة لَهُ مَرْبُوبَة فَكَيْف يَكُون لَهُ مِنْهَا وَلَد ؟ وَلِهَذَا قَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْبَقَرَة : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَان أَخْبَرَنَا شُعَيْب عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحُسَيْن حَدَّثَنَا نَافِع بْن جُبَيْر هُوَ اِبْن مُطْعِم عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ اللَّه تَعَالَى كَذَّبَنِي اِبْنُ آدَم وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبه إِيَّايَ فَيَزْعُم أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمه إِيَّايَ فَقَوْله إِنَّ لِي وَلَدًا فَسُبْحَانِي أَنْ اِتَّخَذَ صَاحِبَة أَوْ وَلَدًا " اِنْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَقَالَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن كَامِل أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد الْقَرَوِيّ أَخْبَرَنَا مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يَقُول اللَّه تَعَالَى كَذَّبَنِي اِبْنُ آدَم وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَشَتَمَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْله لَنْ يُعِيدنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّل الْخَلْق بِأَهْوَن عَلَيَّ مِنْ إِعَادَته وَأَمَّا شَتْمه إِيَّايَ فَقَوْله : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا . وَأَنَا اللَّه الْأَحَد الصَّمَد " لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا أَحَد أَصْبَر عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّه إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقهُمْ وَيُعَافِيهِمْ" وَقَوْله " كُلّ لَهُ قَانِتُونَ " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ أَخْبَرَنَا أَسْبَاط عَنْ مُطَرِّف عَنْ عَطِيَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " قَانِتِينَ " مُصَلِّينَ وَقَالَ عِكْرِمَة وَأَبُو مَالِك " كُلّ لَهُ قَانِتُونَ " مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ. وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كُلّ لَهُ قَانِتُونَ يَقُول الْإِخْلَاص وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : يَقُول كُلّ لَهُ قَانِتُونَ أَيْ قَائِم يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ السُّدِّيّ كُلّ لَهُ قَانِتُونَ أَيْ مُطِيعُونَ يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ خُصَيْف عَنْ مُجَاهِد كُلّ لَهُ قَانِتُونَ قَالَ مُطِيعُونَ كُنْ إِنْسَانًا فَكَانَ وَقَالَ كُنْ حِمَارًا فَكَانَ. وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد كُلّ لَهُ قَانِتُونَ مُطِيعُونَ قَالَ طَاعَة الْكَافِر فِي سُجُود ظِلّه وَهُوَ كَارِه وَهَذَا الْقَوْل عَنْ مُجَاهِد وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن جَرِير يَجْمَع الْأَقْوَال كُلّهَا وَهُوَ أَنَّ الْقُنُوت وَالطَّاعَة وَالِاسْتِكَانَة إِلَى اللَّه وَهُوَ شَرْعِيّ وَقَدْ رُوِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلِلَّهِ يَسْجُد مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالهمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال " وَقَدْ رُوِيَ حَدِيث فِيهِ بَيَان الْقُنُوت فِي الْقُرْآن مَا هُوَ الْمُرَاد بِهِ كَمَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : أَخْبَرَنَا يُوسُف بْن عَبْد الْأَعْلَى حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلّ حَرْف مِنْ الْقُرْآن يُذْكَر فِيهِ الْقُنُوت فَهُوَ الطَّاعَة " وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ حَسَن بْن مُوسَى عَنْ اِبْن لَهِيعَة عَنْ دَرَّاج بِإِسْنَادِهِ مِثْله وَلَكِنْ فِي هَذَا الْإِسْنَاد ضَعْف لَا يُعْتَمَد عَلَيْهِ وَرَفْع هَذَا الْحَدِيث مُنْكَر وَقَدْ يَكُون مِنْ كَلَام الصَّحَابِيّ أَوْ مَنْ دُونه وَاَللَّه أَعْلَم وَكَثِيرًا مَا يَأْتِي بِهَذَا الْإِسْنَاد تَفَاسِير فِيهَا نَكَارَة فَلَا يُغْتَرّ بِهَا فَإِنَّ السَّنَد ضَعِيف وَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • كتاب فضائل القرآن

    كتاب فضائل القرآن : في هذه الصفحة نسخة مصورة pdf من كتاب فضائل القرآن الكريم للحافظ ابن كثير - رحمه الله -، بتحقيق فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني - أثابه الله -.

    المدقق/المراجع: أبو إسحاق الحويني

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141451

    التحميل:

  • نبذة نفيسة عن حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

    نبذة نفيسة عن حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: بناءً على النصيحة للمسلمين، وحباً في شريعة سيد المرسلين وصيانة لتوحيد رب العالمين، ودفاعاً عن شيخ الإسلام أخرجت هذه الرسالة رجاء أن تكون أداة إنقاذ من ظلمات الجهالة، وأن تنور بصائر وأبصار القارئين ليعرفوا حقيقة دعوة الإمام، ولا تروج عليهم دعاية أهل الضلال.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2086

    التحميل:

  • والثمن الجنة

    والثمن الجنة: قال المصنف - حفظه الله -: «بين يديك - أخي القارئ - الجزء الثاني من سلسلة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان «والثمن الجنة» الذي يتحدث عن موضوع مهم ألا وهو الصلاة، التي فرط فيها بعض الناس وتهاون بها البعض الآخر. ونحن في زمن الضعف والتكاسل والتشاغل أحببت ذكر همم من كان قبلنا ومسارعته لأداء هذه الفريضة العظيمة حتى تكون محيية للقلوب محركة للنفوس مقوية للعزائم».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/208978

    التحميل:

  • التذكرة بأسباب المغفرة

    في هذه الرسالة بيان بعض أسباب المغفرة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209154

    التحميل:

  • كتاب الأم

    كتاب الأم : في هذه الصفحة نسخة الكترونية من كتاب الأم، والذي يمثل قمة الإنتاج العلمي للإمام الشافعي رحمه الله (ت204هـ)، وهو من آخر مؤلفاته الفقهية ألفه بمصر في أواخر حياته كما أنه يمثل القول الجديد الذي استقر عليه مذهبه. ويعد هذا الكتاب من مفاخر المسلمين فهو موسوعة ضخمة شملت الفروع والأصول واللغة والتفسير والحديث، كما أنه حوى بين دفتيه عدداً هائلاً من الأحاديث والآثار وفقه السلف الصالح - رحمهم الله -. ويروي هذا الكتاب عن الإمام الشافعي - رحمه الله -: تلميذه الربيع بن سليمان المرادي. ونسبة الكتاب إلى الشافعي - رحمه الله -: ثابتة ليس فيها أدنى شك لمن طالع جزءاً من هذا الكتاب وقارنه بأسلوبه - رحمه الله - في كتبه الأخرى. -مميزات كتاب الأم: 1- أنه كتاب جليل متقدم صنفه عالم جليل من أئمة الفقه والدين. 2- كثرة الاستدلال فيه والاحتجاج بالنصوص الشرعية، وقد زادت الآثار فيه على أربعة آلاف مما يعني أنه من الكتب المسندة المهمة خاصة مع تقدم وفاة الشافعي وأخذه عن إمامي الحجاز مالك وسفيان. 3- احتكام مؤلفه كثيراً إلى اللغة في فهم النصوص وتفسيرها. 4-المزج فيه بين الفقه والأصول والقواعد والضوابط والفروق الفقهية. 5- اشتماله على المناظرات والنقاشات العلمية الدقيقة التي تربي الملكة وتصقل الموهبة. 6- أنه أحد المصادر المهمة التي حفظت لنا آراء بعض الفقهاء من معاصري الشافعي كابن أبي ليلى والأوزاعي. 7- أنه أحد أهم المصادر في الفقه المقارن كما أنه مصدر أساسي في تقرير المذهب الشافعي. 8- يعد من الكتب المجاميع فقد احتوى على عدد من الكتب في الأصول والحديث والفقه.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141367

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة