| أي حب هذا ؟!! 7404 زائر 15-02-2011 أبو الهيثم محمد درويش | تتلوث القلوب البيضاء باللون الأحمر كل عام في شهر فبراير بالتأريخ الميلادي مدعية الاحتفال بيوم خصصوه للحب، وكأن الحب اقتصر على هذا اليوم، وكأن الحب تم اختزاله في علاقات معينة بين الجنسين، أو حتى بين الوالد وولده أو بين الوالدة وولدها أو بين الأخ وأخيه متناسين أو متغافلين عن السؤال الأجدر بالتذكر، هل هذا الاحتفال حقاً يوافق الحب الحقيقي أم يخالفه وينافيه؟
علماً بأن لازم المحبة حب ما يحبه الحبيب وبغض ما يبغضه، فأين أنت من المحبة الحقيقية التي تتفرع عنها كل محبة وأين أنت من محبة ما يحب المحبوب الأعظم لقلوب المؤمنين؟!... هل وافق احتفالك محبته أم وافق ما يسخطه؟!
إذًا لنرجع سوياً إلى مفهوم الحب، ما هو الحب؟!، وكيف تكون المحبة؟!
قال ابن القيم -رحمه الله- : " لا تُحَدُّ المحبةُ بحدٍّ أوضحَ منها؛ فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً، وجفاءً، فحدُّها وُجُودُها، ولا توصف المحبة بوصفٍ أظهرَ من المحبة. وإنما يتكلم الناس في أسبابها، وموجباتها، وعلاماتها، وشواهدها، وثمراتها، وأحكامها ؛ فحدودهم، ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب إدراك الشخص، ومقامه، وحاله، ومِلْكِهِ للعبارة".
ومما قيل في حد المحبة وتعريفها ما يلي:
1- الميل الدائم بالقلب الهائم.
2- إيثار المحبوب على جميع المصخوب.
3- موافقة الحبيب في المشهد والمغِيب.
4- مواطأة القلب لمرادات المحبوب.
5- استكثار القليل من جنايتك، واستقلال الكثير مـن طاعتـك.
6- سقوط كل محبة من القلب إلا محبة الحبيب.
7- ميلك للشيء بكليتك، ثم إيثارك له على نفسك، وروحك، ومالك، ثم موافقتك له سراً، وجهراً، ثم علمك بتقصيرك في حبه.
8- الدخول تحت رق المحبوب وعبوديته، والحرية من استرقاق ما سواه.
9- سفرُ القلب في طلب المحبوب، ولهجُ اللسان بذكره على الدوام.
10- المحبة أن يكون كُلُّكَ بالمحبوب مشغولاً، وذلُّك له مبذولاً.
وقد قسم العلماء المحبة إلى أقسام وأنواع:
قال ابن القيم رحمه الله موضّحا هذه المسألة: "هنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينها وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها:
أحدها: محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين.
وبقى قسم خامس ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان لماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إن ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}[سورة المنافقون: 9]، وقال تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} [سورة النور: 37]"(الجواب الكافي 1/134).
وقال رحمه الله تعالى: "والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا؛ فالحب في الله هو من كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك، والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة الله فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه الله، فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأولياءه لكونه تعالى يحبهم ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم، وعلامة هذا الحب والبغض في الله أنه لا ينقلب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه، ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا إذا وصل إليه من جهته من يكرهه ويؤلمه إما خطأ وإما عمداً، مطيعا لله فيه، أو متأولاً، أو مجتهداً، أو باغيا نازعا تائبا، والدين كله يدور على أربع قواعد هي حب وبغض وفعل وترك؛ فالحب والبغض يترتب عليهما فعل وترك فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه لله فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض لله، وإذا فعل فعل لله، وإذا ترك ترك لل،ه وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام.
فالأول كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [سورة البقرة: 165]، وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع الله كما يحبون الله فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء، وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم، وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته؛ فكل من عبد شيئا من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
والنوع الثاني محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث؛ فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء؛ فهذه المحبة ثلاثة أنواع فإن أحبها لله توصلا بها إليه واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها وكانت من قسم الحب لله توصلاً بها إليه ويلتذ بالتمتع بها، وهذا حاله أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره، وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه بل نالها بحكم الميل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك، ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه وإن كانت هي مقصودة ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأولى محبة السابقين، والثانية محبة المقتصدين، والثالثة محبة الظالمين" .أهـ من كلام ابن القيم رحمه الله ورضي عن.
إذًا أحبتي في الله فلنزن الآن هذا العيد وهذه الاحتفالات الموسومة بالحب في ميزان المحبة الحقيقي لنقف على كنهها هل هي بالفعل من الحب والمحبة فنفعلها أم من البغض والعداوة فنتركها؟
سئلت الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 14/2 من كل سنة ميلادية بيوم الحب (فالنتين داي - day valentine)، ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ويرسم عليها قلوب وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم فما هو رأيكم: أولاً: الاحتفال بهذا اليوم؟ ثانياً: الشراء من المحلات في هذا اليوم؟ ثالثاً: بيع أصحاب المحلات (غير المحتفلة) لمن يحتفل ببعض ما يهدى في هذا اليوم؟
فأجابت: "دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة -وعلى ذلك أجمع سلف الأمة- أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء لأن ذلك من تعدي حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم لأن في ذلك تشبهاً بهم ونوع موالاة لهم وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه العزيز وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» [صححه الألباني].
وعيد الحب هو من جنس ما ذكر لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ بل الواجب تركه واجتنابه استجابة لله ورسوله وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المائدة: 2].
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله لاسيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها فإنه لا هادي إلا الله ولا مثبت إلا هو سبحانه وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
وفي النهاية يا أدعياء الحب أين أنتم من المحبة الحقيقية، أحب هذا ما تفعلون أم كره وبغضاء؟!
أين أنتم من منهج السماء، وفي ميزان العدل والحق ماذا يزن هذا العيد وأي قيمة لفعل المحتفلين به؟!
أيورث المحبة أم يورث البغض والعداوة لمن خلق الحب وأسكنه في قلوب العباد؟!
أعد التأمل واصدق مع نفسك وإن خدعت كل الناس...
اغتسل بماء الصدق وتوضأ بماء التقوى واركع بين يدي حبيبك الأعظم واسجد على سجادة الحب الإلهي وامح ذنبك بدموع الأمل.
محبكم في الله أبو الهيثم
------------------------ 1- الروح لابن القيم | | |