صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين ،
وإن كان الأصل أن يؤديها المسلمون جميعاً ، لما فيها من تنفيذ أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بها ، ولشهود دعوة الخير ، وغفران الذنوب ، فالملائكة تتنزل في ذلك
اليوم ، نسأل الله ألا يحرمنا أجره .
ومن أتى إلى مصلى العيد ، فالصحيح أن مصلى العيد لا يأخذ حكم
المسجد من كل جانب ، فلا يُسن لمن أتى إليه أن يصلي ركعتين ، بل السنة في حقه أن
يجلس لأن هذا الوقت وقت نهي ، ولأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في
صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها . . . " [ أخرجه البخاري
ومسلم ] .
وفيلفظ : " أنرسول
الله صلى الله عليه وسلم خرجيوم فطر أو أضحى ، فصلى بالناس ركعتين ، ثم
انصرف ولم يصل قبلها ولا بعدها " [أخرجه
ابن حبان بسند صحيح على شرط الشيخين 7 / 58 ] .
2- أكل تمرات قبل الصلاة :
من السنة للمسلم يوم العيد قبل خروجه من بيته إلى مصلى العيد
، أن يأكل تمرات ، ويقطعهن وتراً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، حتى
يخرج المسلم وهو مفطر ولا يصدق عليه أنه صائم ، لأنه يحرم صيام يوم العيدين يوم
عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى ، وكذلك يحرم صيام أيام التشريق الثلاثة إلا لمن لم
يجد الهدي ، فعن أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم
الفطر حتى يأكل تمرات " وقال مُرَجَّأ بن رجاء : حدثني عبيد الله قال حدثني
أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأكلهن وتراً " [ أخرجه البخاري ] .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه
وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي " [ أخرجه
أحمد والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة ] .
وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس قال : سمعت أنس بن مالك يقول
: " ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو
خمساً أو سبعاً أو أقل من ذلك أو أكثر من ذلك وتراً " [ أخرجه ابن حبان ،
والحاكم بإسناد حسن ، انظر صحيح ابن حبان 7/53 ] .
قال ابن حجر رحمه الله : ورواية ابن حبان أصرح في المداومة
على ذلك .
3- مخالفة الطريق
أثناء الخروج لصلاة العيد :
من السنة أيضاً أن من خرج إلى صلاة العيد ، أن يخرج من طريق ،
ويعود من طريق أخرى غير التي خرج منها ، موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ،
لحديث جابر رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم
عيد خالف الطريق " [ أخرجه البخاري ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيدين من طريق ، رجع في غير
الطريق الذي خرج منه " [ أخرجه ابن حبان وابن خزيمة وأحمد بإسناد حسن ، انظر
صحيح ابن حبان 7 / 54 ] ، هذا هو المستحب لمن خرج إلى العيدين ، ما لم يكن في ذلك
مشقة على الناس ، فإن كان في ذلك مشقة ، كالزحام الشديد ، أو من الناس من العودة
من طريق آخر أو ما شابه ذلك ، فلا بأس من العودة من نفس الطريق ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه
فاجتنبوه " [ متفق عليه ] .
4- أخذ الزينة عند
الخروج للصلاة :
ومن سنن يوم العيد ، أنه يسن للمسلم عند خروجه للصلاة أن يلبس
أحسن ثيابه ، ويستعمل أفضل العطور ، وأحسن ذلك المسك ، لأنه كان دهن النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولأنه صلاة اجتمع لها الناس فيسن التطيب لها لقطع الروائح
الكريهة التي قد تعلق بالمسلم فالطيب يقطع تلك الروائح .
كذلكيسن لبس أفضل الثياب وأنظفها وهذا في كل
صلاة ،لأن الله تعالى أمر عباده بذلك ، فقال
تعالى : " يابني آدم خذوا زينتكم عندكل
مسجد " [الأعراف 31 ] ، لكن هنا أمر جدير بالاهتمام
والتحقيق ، وهو أن النساء لا يجوز لهن الخروج إلى مصلى العيد وهن آخذات زينتهن ،
لأن الزينة للمراة فتنة لها وبها ، وعلى ذلك يجب على المرأة المسلمة أن تأخذ الحذر
من لباس الزينة أثناء خروجها من بيتها ، لا سيما الأماكن التي يوجد بها رجال أجانب
.
5- تذكر الفقراء والمرضى :
في يوم العيد ، يوم الفرح السرور ، يوم الغبطة وتوزيع الجوائز
من الله الغفور الرحيم ، وعندما يلبس المسلم أحسن الثياب ، وعندما يقوم بتهنئة
أهله وجيرانه ، عليه أن يتذكر أن له اخوة مرضى قد لزموا الأسرة البيضاء ، فمنهم من
لزم المستشفى مدة طويلة من الزمن ، قد فارق الدنيا وهو على قيد الحياة ، انحبس عن
أهله بسبب مرضه ، فعلى المسلم أن يُشعر أولئك المرضى أنه معهم قلباً وقالباً ،
فيزورهم بين الفينة والأخرى ، وبين المناسبة والتي تليها ، وفي المناسبات الهامة
العامة كالأعياد ، حتى يدخل البهجة والسرور على نفوسهم ، ويزيل الحزن من قلوبهم ،
ويرسم السعادة على شفاههم ، والبسمة على وجوههم ، فيتذكرون العيد ويشعرون بالسعادة
والفرح ، وكأنهم أسوياء أصحاء ، ولما في زيارة المريض من أجر وثواب عند الله تعالى
، ولما في ذلك من تخفيف من المعاناة التي يعانيها المرضى .
كذلك على المسلم أن يتذكر إخوانه الفقراء وخصوصاً الأرامل
واليتامى الذي لا يستطيعون أن يعيشوا فرحة العيد كما يعيشها غيرهم من الأغنياء
والموسرين والمقتدرين ، فيتصدق عليهم ولو بأقل القليل ليدخل الفرحة على قلوبهم ،
حتى يستطيعوا الخروج للعيد ومعايدة جيرانهم وأهليهم ، فالمسلم أخو المسلم ، يشعر
بما يشعر به أخوه ، من فقر وحاجة ، فيعطي ذا الحاجة ، ويعين الملهوف ، ويجبر مصيبة
المصاب ، ويهنئ صاحب الفرح ، فالمؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد
، وهم كذلك بإذن الله تعالى ، والحمد لله الذي منَّ علينا بهذا الدين العظيم ، دين
الرأفة والشفقة والمحبة والمودة ، دين التكافل الاجتماعي ، والتعاون البناء على
البر والتقوى ، دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، دين خير كله ، وفلاح كله ،
ونصر كله ، دين يحث على التعاون والتآخي ، فالحمد لله على نعمة الإسلام .
6- صلة الأرحام :
في
هذه الأيام الفاضلة ، أيام عيد الفطر المبارك ، يحسن التذكير بصلة الأرحام ، فصلة
الرحم سعة في الرزق ، وطول في الأجل ، وبركة في العمر ، كما صح الخبر عن نبي البشر
، وأما قاطع الرحم فهو ملعون في كتاب الله ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ،
قال تعالى : " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به
أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " ، وعن أبي هريرة
رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله تعالى الخلق
فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل ، فقال : مه ؟ فقالت : هذا مقام
العائذ بك من القطيعة ، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟
قالت : بلى ، قال : فذاك لك " قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : " فهل
عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله
فأصمهم وأعمى أبصارهم " [ متفق عليه ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من ذنب أجدر أن يعجل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما يدخره له من
العقوبة في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " [ حديث صحيح أخرجه الترمذي وأبو
داود وابن ماجة وأحمد ] ، فاجتهدوا في صلة أرحامكم ، وصلوا آباءكم وأمهاتكم ،
وأبنائكم وبناتكم ، وإخوانكم وأخواتكم ، وأعمامكم وعماتكم ، وأخوالكم وخالاتكم ،
وكل من له حق عليكم ، وليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها ،
فصلوا أرحامكم ، ولو قطعوكم ، فبرءوا ساحتكم أمام الله تعالى بوصل الرحم ، ولا
يمنعنكم من قطعكم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلاً قال : يا رسول الله إن
لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، وأحلم عنهم ويجهلون علي ،
فقال : " لئن كنت كما قلت ، فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير
عليهم ما دمت على ذلك " [ أخرجه مسلم ] .
7- الفرح الزائد
واستماع الحرام :
جميع
الناس يظهر الفرح والسرور بيوم العيد ، فهو يوم فرح ولا شك ، لكن ما نشاهده من فرح
زائد ، يظهره بعض ضعاف النفوس وخصوصاً من الشباب فهذا لا يليق بالمسلم الصادق ،
فنرى الشباب في الشوارع وعلى الأرصفة في حركات سخيفة ماجنة ، لا تمت للدين بصلة ،
وهم يتراقصون ويترنمون على أصوات الموسيقى المحرمة ، واستماع للفساق والفاسقات ممن
نسوا الله تعالى ، وتركوا أوامره وفعلوا نواهيه ، ومنهم من تراه بسيارته يجوب
الشوارع بسرعة جنونية أو يفعل حركات بهلوانية مريعة مخيفة لإمتاع المشاهدين من
جماهير المغفلين ، ولا ريب أن ذلك منكر عظيم ، وأمر خطير ، فأعياد المسلمين ليست
مجرد لهو ولعب وطرب وغناء وطبول ، وحفلات راقصة ، ولكنها صلاة وذكر وشكر لله تعالى
، أما أعياد الكفار فهي مشتملة على الغناء والطبول والرقص واللعب ، وليس في
أعيادهم صلاة ، فليس إظهار الفرح بتلك الصور المخجلة الفاضحة القادحة في الدين
والمخلة بالشرف والحياء ، رجال يتشبهون بالنساء ، ونساء في الشوارع والأسواق ،
ونساء خراجات ولاجات ، كاسيات عاريات ، لا يرجون لله وقاراً ، فعباءات على الكتف
وأخرى ذات الزمام وكاشفة المفاصل والعظام ، وملابس كاشفة عن الساقين والفخذين ،
وأنقبة مظهرة للزينة ، مبينة للعينين والخدين ، وعطور وأطياب مذهبة لألباب الرجال
، فأي دين هذا ؟ وأي شرع هذا ؟ وأي إسلام يدعون هذا ؟ وناهيك بالأطفال ، فهم
يسهرون إلى بزوغ الفجر ، وقد أشغلتهم مغريات الحياة من ألعاب نارية ، وإزعاج
للجيران ، وتمرد وعصيان ، والآباء والأمهات تراهم سكارى وما هم بسكارى ، ولكن
الإهمال واللامبالاة أعمت بصائرهم ، وأنستهم أبوتهم وأمانتهم التي ائتمنهم الله
عليها من النساء والذرية ، فسبحان الله الخالق العظيم ، ما أحلمه على العصاة
والمجرمين ، قال تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة
ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون " [النحل 61 ] .
ومن سنن العيد المهجورة ما يلي :
1-
التكبير يوم العيد ، ابتداء من دخول ليلة العيد وانتهاءً بصلاة العيد ، قال الله تعالى : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم ولعلكم تشكرون " . وصيغة
التكبير الثابتة عن الصحابة : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر كبيرا .
و
( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد ) ، وما عدا ذلك من
صيغ التكبير والزيادات التي نسمعها فالله أعلم أنها لم تصح .
3-
الأكل قبل الخروج من المنزل على تمرات أو غيرها قبل الذهاب لصلاة العيد .
4-
الجهر في التكبير في الذهاب إلى صلاة العيد .
5-
الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر .
6-
صلاة العيد في المصلى إذ هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة في المسجد
لسبب أو لآخر جائزة .
7-
اصطحاب النساء والأطفال والصبيان دون استثناء حتى الحيض و العواتق وذواتالخدور كما جاء في
صحيح مسلم .
8-
الاستماع إلى خطبة العيد .
9-
التهنئة بالعيد فعن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا التقى يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل
منا ومنك ، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : [ اسناده حسن ] .
من بدع العيد :
1-
الزيادة في التكبير على الصيغ الواردة عن الصحابة كما سبق.
2-
التكبير بالعيد بالمسجدأو
المصلى بالصيغ الجماعية على شكل فريقين يكبرالفريق الأول ويجيب الفريق الآخر ، وهذه
طريقة محدثة والمطلوب أن يكبر كل واحد بانفراد ولو حصل اتفاق فلا ضير و أماعلى الطريق المسموعة
يكبر فريق و الآخر يستمع حتى يأتي دوره فهو بدعة .
3-
تخصيص زيارة القبور يوم العيد ، وتقديم الحلوى و الورود و الأكاليل و نحوها على
المقابر ، كلذلك من البدع .وأما
زيارة القبور فهي مندوبة بدون تخصيص موعد محدد .
4-
تبادل بطاقات التهاني المسماة ( بطاقة المعايدة ) أو كروت المعايدة فهذا من تقليد النصارى
وعاداتهم ، و لقد نبه على ذلك سماحة العلامة المحدث الألباني رحمه الله .
من معاصي العيد :
كم
هي المعاصي والذنوب ، بل الكبائر التي يقع فيها المسلمون اليوم لا سيما في أوقات
الأفراح ، كأيام الزفاف ، وأيام الأعياد وغير ذلك ، ولا شك أن تلك المعاصي نذير
شؤم وخراب على المسلمين عامة ، وعلى أصحابها خاصة ، ومن تلك المعاصي المنتشرة في
ايام الأعياد خاصة :
1-
تزين بعض الرجال بحلق اللحى إذ الواجب إعفاؤها في كل وقت .
2-
المصافحة بين الرجال و النساء الأجنبيات ( غير المحارم ) إذ هذا من المحرمات
والكبائر .
3-
الإسراف المحرم من بذل الأموال الطائلة في المفرقعات والألعاب النارية دون جدوى ،
وحري أن تصرف هذه المبالغ على الفقراء والمساكين والمحتاجين وما أكثرهم وما أحوجهم
.
4-
انتشار ظاهرة اللعب بالميسر والمقامرة في بعض الدول يوم العيد وخاصة عند الصغار وهذا
من الكبائر العظيمة فعلى اللآباء مراقبة ابنائهم وتحذيرهم من ذلك .
5- خروج بعض النساء اللاتي لا دين لهن ، وهن متبرجات بزينة ،
متنقبات أو سافرات ، ومن المعلوم أنه لا يجوز للمرأة أنتخرج إلى
الرجال متبرجة متزينة متعطرة ، حتى لا تحصل الفتنة منها وبها , فكم حصل من جرّاء
التساهل بذلك من أمور لا تحمد عقباها .قال الله تعالى : " ولا تبرجن تبرج الجاهليةالأولى "
[ الأحزاب : 33 ] ، وقال صلى الله عليهوسلم : " أيما امرأة استعطرت ، فمرت على
القوم ،ليجدوا ريحها فهي زانية " [ أخرجه أحمد والثلاثة
وقال الترمذي حسن صحيح . وصححه ابن خزيمة وابن حبان ] . وعن أم سلمة رضيالله
عنها قالت : " لما نزلت : " يدنين عليهنمن جلابيبهن " [ الأحزاب
: 39 ] ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان ، منالأكسية " [ أخرجه أبو
داود وصححه الألباني ] .
فعلى المسلم أن يحذر من الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء ، لأنه
منكر عظيم ، وجرم خطير ، وهو أمر محرم كل وقت وحين . كما تحرم المصافحة بين المرأة
والرجل الأجنبي ، وهي عادة قبيحة مذمومة ، فإذا كان النظر إلى الأجنبية محرماً
فالمصافحة أعظم فتنة . ولما طلبت النساء المؤمنات من النبي صلى الله عليه وسلم في
المبايعة على الإسلام أن يصافحهن امتنع وقال : " إني لا أصافح النساء "
[ أخرجه مالك وأحمد والنسائي والترمذي بنحوه ، وقال : حسن صحيح . وصححه ابن حبان ]
. قال ابن عبد البر رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح
النساء " ، دليل على أنه لا يجوز للرجل أن يباشر امرأة لا تحل له , ولايمسها
بيده ولا يصافحها . وفي حديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " لأن يطعن في رأس أحدكمبمخيط من حديد خير له من أن
يمس امرأة لا تحل له " [ أخرجه الطبراني والبيهقي , وقال المنذري : رجال
الطبراني ثقات رجال الصحيح .وصححه الألباني ] .
6- العيد مناسبة طيبة لتصفيةالقلوب ، وإزالة الشوائب عن
النفوس ، وتنقيةالخواطر مما علق بها من بغضاء أوشحناء , فلنغتنم
هذه الفرصة , ولنجدد المحبة , وتحل المسامحة والعفو محل العتب والهجران ، مع جميع
الناس من الأقارب والأصدقاء والجيران ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً " [ أخرجه مسلم ] . وقال النبي صلى الله
عليه وسلم : " لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث , يلتقيان فيعرض
هذا ويعرض هذا , وخيرهما الذييبدأ بالسلام " [متفق عليه من حديث أبي أيوبرضي الله
عنه ] ، ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وزاد : " فمن هجر فوق
ثلاث فمات دخل النار " [ وصححه الألباني ] ، وقال صلى الله عليهوسلم :
" من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه " [ رواه أبو داود , وصححه الألباني ] .
رابعاً / المحافظة على الأعمال الصالحة
بعد رمضان :
هاأنتم
أيها المسلمون قد ودعتم شهر رمضان مرتحلاً عنكم بما حملتموه من أعمال وأقوال ، فهو
شاهد لكم أو عليكم ، فهنيئاً لمن كان هذا الشهر شاهداً له ، وويل لمن كان شهر رمضان
خصمه وعدوه ، والعار والشنار لمن كان رمضان شاهداً عليه ، ووالله إنها لخسارة لا
تعدلها خسارة ، أن يوفق العبد لإدراك مواسم العطاء والفضل الجزيل من المنان الكريم
، ثم يخرج منها صفر اليدين ، بل ومن المسلمين من خرج شهر رمضان وحمله معاص
وأوزاراً ، وآثاماً ثقالاً ، تنوء بحملها الجبال الراسيات ، حملها بظلمه وجهله ،
فأي مصيبة بعد مصيبة المسلم في دينه ، وأي فاجعة بعد فجيعة المسلم في تفريطه
وتسويفه، فمن كان مقصراً مفرطاً في رمضان
، فليتدارك نفسه بالتوبة النصوح والإقبال على الله تعالى غافر الذنب وقابل التوب
شديد العقاب ذي الطول ، ومن كان عاصياً مذنباً مسرفاً على نفسه فليرجع إلى ربه
تبارك وتعالى ، وليستغفر الله على ما مضى ، قبل أن يفجأه الموت فيأتيه من ربه
اليقين ، فباب التوبة مفتوح ، ولقد أوصى الله تعالى عبادة بالتوبة من كل الذنوب
صغيرها وكبيرها ، ووعد على ذلك بقبولها ، فقال جل من قائل عظيماً : " وإني
لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى " ، وقال تعالى : " قل ياعبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه
هو الغفور الرحيم " فتدبروا رحمكم الله تلك الشروط العظيمة في الآية السابقة
، من تاب توبة نصوحاً بكامل شروطها ، وآمن بما في الكتاب والسنة ، وعمل الأعمال
الصالحة وابتعد عن غيرها من الأعمال القبيحة المحرمة ، ثم استقام على منهج الله
تعالى ، ووفق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو التائب الحق الذي عاد بعد
الغياب ، واستقام بعد العتاب ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
، الكل يذنب ويقصر ، والكل يخطئ ويفرط ، وخير الخطائين التوابون ، فأين تلك الدموع
التي انهمرت من خشية الله في رمضان ، وأين تلك القلوب التي وجلت خوفاً من الله ،
وأين تلك الأقدام التي تفطرت واقفة رغبة فيما عند الله ، فمن وفق في شهر رمضان
للصيام والقيام فليزدد من الأعمال الصالحة بعد رمضان ، فإن رب رمضان هو رب باقي
الشهور ، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى وفات ، ومن كان يعبد الله فإن
الله حي لا يموت ، واعلموا أن الله مطلع عليكم وسيجزيكم بأعمالكم فإن كانت خيراً
فهنيئاً وسعادة ، وإن كانت غير ذلك فذلاً وتعاسة .
وبئس
القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، ثم إذا انقضى رمضان عادوا لما كانوا
عليه من لغو القول ولغط اللسان ، وقبيح الفعال ، ويعتقدون أن رمضان سيكفر كل ما
فعلوه من الموبقات وترك الواجبات وفعل المحرمات التي اقترفوها خلال العام ولم
يعلموا أن تكفير الصغائر مقروناً باجتناب الكبائر قال الله تعالى : " إن
تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " ، وقال صلى الله عليه وسلم :
" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا
اجتنبت الكبائر "، فاحذروا عباد
الله أن تنقضوا العهد مع الله ، واحذروامن
الحرام فعلاً وسماعاً ، واعلموا أن عذاب الله أشد من أن يتحمله لحماً وعظماً ،
فاحذروا الأغاني والمعازف ، وأقلعوا عن مشاهدة الحرام عبر الشاشات المسمومة التي
يدسها لكم أعداؤكم ، وتوبوا إلى الله من إسبال الثياب وحلق اللحى ، واحذروا عقوبة
العقوق ، وعليكم بأداء الحقوق ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها .
المؤمنالصادق يودع هذا
الشهر بكل حزن وأسى ، والمنافقيودع
شهر رمضان بكل فرح وسرور ، فالمؤمن يودعه راجياً من ربه قبوله بما استودعهفيه من العبادة
والطاعة ، طالباً من الله أن يتقبله منه وأن يعيده عليه أعواماً عديدة وأزمنة
مديدة ، وراجياً من ربه فضله وأجره ، والمنافق يودع شهر رمضان بالغبطة والفرحة
لينطلق إلى المعاصي والشهوات ، ولذلك فالمؤمن يتبع شهر رمضان بالاستغفار والتكبير
والإكثار من ذكر الله تعالى في كل أحواله ، وأما المنافق فيتبع شهر الغفران
بالمعاصي واللهو واللعب وحفلات الأغاني وسماع المعازف والطبول ، فرحاً بفراق شهر
العتق من النيران ، فشتان ما بين الفريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، فكونوا
من أتباع سيد المرسلين ، ولا تتبعوا سنن المنحلين منالفاسقين والمجرمين ، الذين لا هم لهم إلا إخراج المسلمين من
عقيدتهم وإبعادهم عندينهم
، قال تعالى : " ولنترضى
عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " .
وفي
الختام أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يجمع كلمتهم على
الحق والدين ، وان يجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وأسأله سبحانه أن
يتقبل منا صيام رمضان وقيامه على ما كان فيه من تساهلٍ وتقصير ، وأن يتجاوز عن
سيئاتنا ، وأن يرفع درجاتنا ، ويمحو حوباتنا ، وأن يعيد علينا شهر رمضان أعواماً
عديدة ، وأزمنة مديدة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين ،
وأصلي وأسلم على الحبيب محمد ، النبي الممجد وعلى آله وصحبه أجمعين .