الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد: تفضيل الله أنبياءه على سائر البشر فإن المهتدين بهدي الكتاب والسنة يرون أن رسل الله وأنبياءه أفضل الخلق وأكملهم، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: "وقد أجمعت الأمة على تفضيل الأنبياء على غيرهم من الصديقين والصالحين، يقول الله سبحانه وتعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم (83) ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين {الأنعام: 83- 86}.
ويقول الله عز وجل: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {النساء: 69}. والآية تبين أن الأنبياء أعلى مرتبة من الصديقين والشهداء والصالحين. وبالرغم من دلالة الآية على ذلك الأمر، إلا أن بعض فرق الضلال قد شذت عن الحق واتبعت الهوى، ومن هؤلاء الشيعة الاثنا عشرية الذين غالوا في أئمتهم حتى رفعوهم إلى مرتبة أعلى من الأنبياء والرسل، يقول الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية": "إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك ولا نبي مرسل". ويقول أيضًا: "إن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لها ولسيطرتها جميع ذرات الكون". بل إنه يزيد في ضلاله فيعتقد أن الأنبياء لم ينجحوا في إرساء قواعد العدالة. يقول: "الأنبياء جميعًا جاءوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم كله، لكنهم لم ينجحوا". وأقوال الشيعة بتفضيل الأئمة على الأنبياء تطفح بها كتب الشيعة، بل حكموا بكفر من أنكر إمامة أئمتهم أو إمامة واحد منهم، كما يقول ابن بابويه القمي: "اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من يؤمن بجميع الأنبياء وأنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنكار الإمامة عند الشيعة شر من إنكار النبوة". يقول الحلي في كتاب "الألفين في إمامة أمير المؤمنين": "الإمامة لطف عام، والنبوة لطف خاص، لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص". ومن هؤلاء أيضًا بعض الصوفية حيث زعموا أن الولاية أفضل من النبوة، بل ذهبوا إلى أن خاتم الأولياء خير من خاتم الأنبياء. يقول ابن عربي- الضال-: ومقام النبوة مبرز في فريق الهول ودون الولي، وضلال هؤلاء مبني على اعتقادهم أن الأفضلية تنال بالتأخر، ولقد ضلوا في زعمهم ضلالاً بعيدًا، فليس لأحد أن يدعي أنه أفضل من نبي، فالله أثنى على أنبيائه وعصمهم، فقال سبحانه وتعالى: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، وقال عز وجل: وسلام على المرسلين.
تفاضل الأنبياء فيما بينهم
يقول تبارك وتعالى: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض {الإسراء: 55}، ويقول سبحانه وتعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات {البقرة: 253}. والرسل أفضل من الأنبياء، وأجمع على ذلك العلماء، وأفضل الرسل أولو العزم الذين خصهم الله بالذكر، فقال سبحانه: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل... {الأحقاف: 35}. وقال سبحانه: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا {الأحزاب: 7}. وهذا التفضيل يتمثل في أمور منها: 1- الإعطاء؛ يقول سبحانه وتعالى: وآتينا داود زبورا {الإسراء: 55}. 2- بتفضيل الله لذلك النبي والرسول، يقول سبحانه: واتخذ الله إبراهيم خليلا، ويقول جل شأنه: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. 3- ويتفاضل الأنبياء من جهة أن النبي قد يكون نبيًا فقط أو نبيًا ملكًا أو عبدًا رسولاً، ولقد خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عبدًا رسولاً أو نبيًا ملكًا فاختار الأولى، فحال العبد الرسول أكمل من حال النبي الملك. يقول شيخ الإسلام: "فالعبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أفضل عند الله من داود ويوسف وسليمان". ولقد جاءت النصوص الشرعية التي بينت فضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الانبياء والرسل، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". {رواه مسلم}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر". {رواه أحمد}. وختامًا يجب أن نلاحظ أنه لا تعارض بين ما سبق وبين الأحاديث التي وردت في النهي عن التفضيل بين الأنبياء كقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تفضلوا بين الأنبياء". {متفق عليه}. فالنهي في الحديث يحمل على ما إذا كان هذا التفضيل يفضي إلى الخصومة أو كان على وجه العصبية والانتقاص. والحمد لله رب العالمين
|