تشهد أسواق الألعاب الإلكترونية انتشاراً واسعاً لألعاب ذات طابع عنصري ضد العرب والإسلام بشكل رئيس، لا ينتبه لها الكثير من الأطفال والأهل، وربما غاب عن الجهات الرسمية مراقبة مثل هذه الألعاب، لما يعتقد أنها تحتوي مواد معروفة وبريئة، تقدّم للأطفال بشكل مسلٍ وممتع.. إلا أنها في الحقيقة غير ذلك.. وهو ما يحاول هذا التحقيق الكشف عنه.
تحمل الألعاب الإلكترونية طابعاً مشوّقاً يجعل من الصعب التغلب على من يمارسها، التخلي عنها بسهولة، خاصة تلك الألعاب التي تعتبر من الجيل الثالث، والمسماة بالألعاب (الاستراتيجية)، التي ينتقل فيها اللاعب من مرحلة إلى أخرى، وينتقل من نصر إلى آخر، عبر عدة آليات للعب، منها أن يكون طياراً يقود أحدث الطائرات الأمريكية الصنع، أو أن يكون قائداً عسكرياً، يقود جيشاً بكامله من فرسان وجنود ومدرعات وعمال ومناجم ذهب وغيرها، باتجاه احتلال أراض جديدة. أو أن يكون مقاتلاً في صفوف مجموعة مسلحة، تحاول القضاء على (إرهابيين) محتملين، وتخليص الرهائن من أيديهم، أو أن يكون لاعباً في صفوف فريق بلاده نحو نيل كأس العالم، وغيرها من الألعاب المشوقة الأخرى.
وإن كانت الألعاب الخاصة بجهاز (البلاي ستيشن) تفرض سلطة لها عبر أجهزة معينة وآليات محددة، إلا أن الألعاب الإلكترونية عبر جهاز الحاسب الآلي باتت منتشرة، وتكاد تنافس البلاي ستيشن في عدة أوجه.
وما يهمنا هنا هو الألعاب المنتشرة عبر أجهزة الحاسب الآلي، والتي باتت تغزو عدداً كبيراً من المنازل، وتشغل بال الكثيرين من الأطفال والكبار أيضاً في متابعة اللعب، والفوز على (الأعداء)، ولكن.. من هم الأعداء الحقيقيون؟!!
عصر الإمبراطورية
من بين أضخم الألعاب التي احتلت مساحات واسعة من اللعب في أجهزة الحاسب الآلي، لعبة (عصر الإمبراطورية) أو ( Age of Empires ) التي انتجتها شركة (مايكروسوفت) بتقنية عالية جداً من وضوح الصورة والصوت، والقدرة على قيادة أفراد الشعب والجيش لتمكين الدولة من بناء ذاتها، ومهاجمة الدول الأخرى.
في هذه اللعبة، يكون اللاعب قادراً على الاستفادة من الأراضي التي لديه، ومن ما تحمله من طعام وذهب وحجارة وخشب، لبناء جيش جرار، يحاول عبره احتلال الأراضي القريبة منه الواحدة تل الأخرى، والقضاء على جيوش تلك الدول، وإسقاط دولتهم عبر مهاجمة القلعة الرئيسة لهم، التي تنهي الدولة بسقوطه.
اللعبة تقوم على الاستفادة من كل ما يملك القائد من موارد مادية وطبيعية وبشرية.. وروحية (!) لتقوية جيوشه، والانتصار على الأعداء..
ومن بين ما يمكن أن يستفيد منه هو (المنصرين) أو شيوخ الصليب.. الذين يحملون الصليب بأيديهم ويقومون بنشر رسالتهم الدينية لدى الدول الأخرى، من أجل كسب الأعداء إلى صفوف الدولة.
ويستخدم اللاعب هنا شخصية في اللعبة على شكل شيخ كبير، يحمل في يده صليباً، ويوجهه باتجاه أي جندي أو قطعة عسكرية لدى الأعداء، ليقوم بممارسة طقوس التنصير، إلى أن ينتهي الأمر باستسلام الجندي أو القطعة العسكرية لدى الدولة الأخرى، وينضم إلى جيش دولة المنصّر ويتغير لون ثيابه إلى لون ثياب جيوش المنصر،، وهذا يعني بالطبع جيش اللاعب الذي يقود اللعبة.
لا يقتصر الأمر على هذا الموضوع في تلك اللعبة الشهيرة التي أنتجت منها مايكروسوف عدّة نسخ بسبب شعبيتها العارمة، بل يؤسس أيضاً لفكرة إقامة دولة نصرانية، عبر بناء كنيسة نصرانية لتقوية نفوذ الدولة، ومواجهة الدول الأخرى. حيث تتيح مراجل اللعبة بناء مجمعات بشرية ودينية وعسكرية، تستفيد من الموارد الطبيعية والمالية لبناء تلك المجمعات، والتي بالتالي تزيد من قوة ومنعة تلك الدولة.
وبناء المجمع النصاري إحدى وسائل تقوية نفوذ دولة اللاعب، الذي يقوده في دولنا العربية والإسلامية أبناءنا المسلمين بالطبع.
ولا ينتهي الأمر هن.. حيث يتعيّن على اللاعب من أجل سحق الدولة الأخرى، أن يقضي على القلعة الكبرى لديهم، والتي تمثّل القوى الأساسية لأي دولة.
ومن أجل احتلال تلك الدولة وإسقاط القلعة الكبيرة، يحشد اللاعب كل قوته وجيوشه، ويشغل براعته العسكرية في الإلتفاف والتنسيق وإحداث ثغرات في صفوف الجيش المعادي، وصولاً لإسقاط هذه القلعة المنيعة.. والتي تكون في بعض الحالات مسجداً ضخماً أو قلعة مبنية على الطراز الإسلامي، في إشارة إلى إسقاط دولة إسلامية بيد اللاعب الذي لا يستطيع الاختيار بنفسه إلى أي دولة يمكن أن يكون.. وهو ما يحتّم عليه لعب دور قيادي عسكري لصالح دولة نصرانية، في سبيل إسقاط دولة إسلامية... والتي سيحقق جلّ حلمه، ويثبت كفاءته، بحال أسقط الدولة الإسلامية، وفاز في اللعبة!
المقاتلة الأمريكية إف 16
من بين الألعاب الرائدة في مجال الكومبيوتر، لعبة (F-16) والتي تعطي اللاعب قدرات كبيرة في المناورات الجوية ضد أهداف جوية وأرضية، وعليه أن يتعلم كيفية السيطرة التامة على الطائرة في الإقلاع والهبوط وتحديد الأهداف وضرب مناطق العدو، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفوز، والعودة بسلام إلى القاعدة العسكرية.
بالطبع فإن طائرة الـ (F-16) هي طائرة أمريكية، وهي إحدى أنواع الطائرات التي تنتجها الشركة العسكرية الأمريكية، والتي أثبتت نجاحاً كبيراً في الأجواء، واستطاعت أن تحقق انتصاراً وسيطرة في الجو، قد لا تعادلها أي طائرة أخرى.
واللاعب الذي يقود الطائرة، عليه أن يتقن كافة تفاصيل اللعبة، كي يكون قادراً على الطيران، ثم على الهبوط بسلام في المدرج دون أن تتحطم طائرته، والتي تعتبر بحد ذاتها نوعاً من أنواع اللعب.. قبل أن يقوم بالتفنن في رصد الطائرات المعادية، وإسقاطها، وتدمير المنشآت الأرضية المحددة كأهداف معادية.
وفيما لا توجد طائرة عربية أو إسلامية يمكن أن تسقطها طائرات الـ ( F-16 )، فإن الأهداف الأرضية تصبح مرتعاً للعبة التي يتعين على اللاعب الانتهاء من جميع تلك الأهداف، كي يسيطر على اللعبة.
وأهم هذه الأهداف الأرضية.. المساجد.
قد يستغرب البعض وجود لعبة في الأسواق الإسلامية والعربية تحمل هذا القدر من الاستهانة بمقدسات الإسلام.. ولكن المتابع لهذه الألعاب سيتيقن من هذا الأمر..
والمسجد يعتبر هدفاً ممكناً لطائرات الـ (F-16 ) من الجو، والتي تستطيع بصاروخ محدد الهدف، نسف ذلك المسجد.. والذي سيسجل نقطة لصالح اللاعب.. المسلم!!
فرق الإنقاذ
أيضاً تنتشر ألعاب كثيرة في الأسواق تحمل طابعاً قتالياً، كأن يكون اللاعب عضواً في فريق عسكري يحاول السيطرة على أحد الأهداف العسكرية، أو أن يكون شرطياً في مكتب مكافحة (الإرهاب).
ومن بين هذه الألعاب.. توجد لعبة في الأسواق تحمل أكثر من اسم، إحدى أسماءها (فريق الإنقاذ)، وسبب وجود أسماء لها هو عدم وجودها في سيدي كامل خاص بها، إذ أنها لعبة قصيرة، موجودة ضمن عدة ألعاب في سيدي واحد.
هذه اللعبة مصصمة على أن يشارك اللاعب (المسلم!) فيها كأحد أعضاء مكتب أمريكي لمكافحة الخاطفين. والذين هم في هذه اللعبة (مسلمين).
الإسلام يبدو من الأسماء التي تشير إليها اللعبة، والأماكن التي يقيمون فيها، ومن نطق بعض الكلمات التي يقولونه.. وأيضاً أشكالهم، إذ أنهم من ذوي اللحى.
عن هذه اللعبة يقول أحد المتابعين لسوق الألعاب: (بات لدي هلوسة في كثرة الألعاب الإلكترونية، إنني أقضي ساعات طويلة في اليوم الواحد، حتى أنني عندما أنام أحلم بأنني ألعب بهذه الألعاب المثيرة والممتعة، ولكن حدث لي يوماً أن لعبت بلعبة تسمى (فريق الإنقاذ) واتضح من اللعب أنني أقوم بدور عنصر أمن أمريكي، في مواجهة خاطفين للرهائن.. وقمنا بقتل المسلمين مراراً وتكراراً من أجل إطلاق سراح الرهائن والفوز باللعب).
ويتابع بالقول: (ولكن شعرت بالامتعاض من هذا الأسلوب، حيث تنبّهت أخيراً إلى أنني أقوم بقتل المسلمين، فقررت أن أقتل عناصر الأمن الذين معي والذين يتبارون في قتل المسلمين، فأطلقت النار على أحدهم في رأسه فمات، ومت كلاعب،، وانتهت اللعبة بخسارتي).
ويضيف اللاعب الذي يبلغ من العمر (26 عاماً!): (استغربت أن تكون تقنية هذه اللعبة تقوم على استباحة دم المسلمين، ولكن عندما أقوم بقتل أجنبي.. تنتهي اللعبة بخسارتي.. أإلى هذه الدرجة يدرك مصمموا اللعبة ما يريدون زرعه بين الناس).
عاصفة الصحراء
تتنافس شركات تصميم الألعاب في العالم في استغلال المناسبات والأحداث الهامة في العالم من أجل إنتاج ألعاب ذات شعبية واسعة، كاستغلال نجاح فيلم عالمي كبير في إنتاج نسخة ألعاب إلكترونية منه، أو استغلال حدث معين (ككأس العالم)، أو شخصية مشهورة (كالعميل السري أو الجاسوس) لإنتاج ألعاب رائجة.
ومن بين ما استغلته مصانع الألعاب الإلكترونية، حرب عاصفة الصحراء، التي قامت خلالها القوات الأمريكية مدعومة بقوات دولية، من إخراج القوات العراقية من الكويت..
ولا تقف اللعبة عند هذا الحد.. بل تعطي اللاعب صلاحيات واسعة في تدمير مدن عراقية، وقتل الجنود، وتحطيم المنشآت العسكرية والمدنية لهم.
ومن بين الأماكن التي يجب أن يقصفها المقاتل أو اللاعب، هو المساجد المنتشرة في العراق، والتي قد تضم مسلحين، أو تخفي خلفها آليات عسكرية.
قتل المسلمين العراقيين أمر مشروع، بل أساسي في لعبة عاصفة الصحراء، وتدمير المساجد أمر هام وحيوي في الفوز باللعبة، وتحقيق نقاط ومكاسب كبيرة.. يقوم بكل ذلك شاب عربي مسلم... يشعر بنشوة الفوز والانتصار عند تحقيق ذلك.. ويشعر بخيبة الأمر والنقمة على تلك الدول الوهمية (الإسلامية) إن لم يستطع تدميرها والسيطرة عليه...
انتشار الألعاب وتغاضي الرقابة عنها
الألعاب موجود في الأسواق، وتحمل ذات المسميات،، مع وجود إصدارات جديدة وقوية منها الآن.. ووجود ألعاب أخرى كثير تحمل ذات الطابع التشويقي والتدميري بنفس الوقت للقيم الإسلامية.
يقول معاذ أبو جعفر (22 عاماً) أحد المتابعين للألعاب بشكل دائم: (الإصدار الجديد من عصر الإمبراطورية اشتريته من السوق بثمن باهظ، وهو لعبة تستحق المتابعة (!!)، أحدثت فيها مايكروسوفت أنماطاً جديدة من الأحداث والقدرات على ممارسة اللعبة بشكل مثير.. ويمكن عبرها احتلال الأرض كلها).
وما يثير الدهشة أكثر إضافته أنه (استغرق اللعب فيها هو وزوجته (الذين اشتركا في اللعب سوية) 6 أشهر، كي استطاعوا أن يحتلوا الأرض جميعها)!!
مشيراً إلى أن اللعب يمر عبر مراحل، وفي كل مرحلة ينتهوا منها، يخططوا لشن هجوم آخر على دولة أخرى.
في الأسواق العربية والإسلامية، توجد أماكن معينة لبيع الألعاب الإلكترونية، بشكلها الأصلي غالي الثمن، أو شكلها المنسوخ (الرخيص).. وفي كلا اللعبتين، نجد المخالفات والتجاوزات بحق الإسلام والمسلمين.
ولعل أسلوباً آخر تستحدثه هذه الألعاب في استهداف المسلمين، هو أن لا تتيح للاعب استخدام جهة معينة غير الجهة المعادية للإسلام أو المسلمين، فإن حدث وأتاحت اللعبة له اختيار الجهة المسلمة، فإن القدرة والقوة تصبح في أقل مستوياتها، ويصبح من المستحيل تقريباً، أن يفوز اللاعب في لعبته، ضد أي دولة أخرى.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا، أين دور الرقابة والمتابعة والجهات الإسلامية من هذه التجاوزات الخطيرة التي تؤسس في فكر الشباب المسلمين أفكاراً غربية متطرفة ضد الدين الإسلامي، وضد المقدسات والدول الإسلامية والعربية.
وسط مطالب بأن يكون هناك بديلاً إسلامياً لهذه الألعاب التي سرقت عقول الشبان، وسحبتهم باتجاهه.. خاصة إذا استطاعت شركات الألعاب العربية أو الإسلامية إنتاج ألعاب إلكترونية تحمل قيماً إسلامية وأخلاقية وإنسانية.. بعيداً عن تشويه صور الآخرين، أو قتلهم، أو نشر العنف والتطرف ضد أي دولة أو شعب.
|