دأب الإعــلام بوسائله المختلفة على تصوير المفاهيم الإسلامية الخاصة بالمرأة تصويراً يحط من قدرها، ويـنـتـقـص من صلاحيتها، ويشكك في قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية، ويحقر من شأنها حتى في نظر أبنائها المنتسبين إليها.. فضلاً عن أعدائها!!
وبداية فإن هذا الدأب الـمستمر يُفترض ألا يبدو أمراً مستغرباً في نظر المسلم الذي يدرك ما تنطوي عليه صدور الأعداء مـــن ضغائن وأحقاد ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ)). [الصف: 8].
كـما يـُفـتـرض أمـــام هذه المحاولة أو الحملة الإعلامية المحمومة.. ألا يكون موقع المسلم المعاصر منها هو موقـــع الـمـشـتـكـي المغلوب على أمره! بل لا بد أن ينتقل بنفسه ـ ورغم تحديات الواقع الرديء ـ إلى موقع المشخِّص للداء، الباحث عن رؤى عملية واقعية تواجه هذه الحملة وتتصدى لها.
ولأن تاريخ الإعــلام فـي هــذا المجال ممتد ومتشعب ولا يسعنا استعراضه كله أو الإفاضة فيه، فسنكتفي بالتذكير بأن الإعلام قد سلك مسالك كثيرة ومتنوعة تصب كلها في النهاية في قالب واحد وهو أن المرأة المسلمة مهضومة الحقوق مهيضة الجناح!
ليتظاهر الإعلام بكل قنواته بالـدفــاع عـنـهـــا والبحث عن حقوقها.. وإثارة قضايا مفتعلة كضرورة تحريرها من القيود ومساواتها بالرجـال!! بالإضافة إلى إلقاء شبهات حول أحكام إسلامية معينة تُزرع في حس المرأة لتراها عبئاً ثقيلاً تتمنى الخلاص منه!
ففي تعليم المرأة وعملها:
اضـطـلـــع الإعلام بدوره في بناء مفهوم خاطئ عن قرار المرأة في بيتها؛ إذ جُعِلَ هذا القرار مُبعِداً لها عن دائرة القوى العاملة أو الكوادر المنتجة!!
فالمرأة الـمتفرغة لشؤون بيتها والحدب على أطفالها رعايةً وتعليماً بكل ما يمثله هذا الدور المنزلي من حضور ديناميكي فاعل ومؤثر.. لا يُعترف به إعلامياً!
وهذا يضع اليد على إشكالية الأولويات التي يفترض أن تحدد:
مـا هو دور المرأة الأهم؟ وهل هناك مجال مقارنة للعائد الاجتماعي الذي يحصده المجتمع من تأدية المرأة دوراً رئيساً في بيتها، والعائد الاجتماعي من أدوار أخرى ثانوية وهامشية تمارسها المرأة خارج بيتها: مضيفة طيران، أو سكرتيرة؟
وثمة إشكالية أخرى:
تتمثل هذه الإشكالية في النظرة السائدة لعمل المرأة على أنه يكون خارج منزلها لا داخله!
وهـــذا الاعـتـقـاد قد يكون منشؤه (تضخم النموذج الغربي) في العقلية العربية في ظل تقليد الضعيف للقوي والتبعية المطلقة له.
ومثلما صوَّر الإعــلام قــرار الـمـرأة فـي بيتها بأنه أداة تعطيل لطاقات المرأة وعزل لها عن المجتمع والفعل الاجتماعي كله.. دعــا أيضاً إلى ضـــرورة التعليم المطلــق للمرأة ومنحهــا فــرص التعليم حتى فــي مجــالات لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية! ومن ثَمَّ إيجاد سيل هائل من الخريجات اللاتي يطالبن بفرص عمل!!
وأُظهرت هذه الدعوة من خلال الإعلام على أنها الحل الأمثل للقضاء على الأمية النسوية التي تحرم المرأة من فرص الالتقاء بالـسـيـــاق الاجتماعي الطبيعي المناسب لها، والذي لن تصل إليه إلا بما يمنحه لها (التعليم بكل ألوانه وتخصصاته وفنونه) من كفاءة وثقة وأهلية لتكوين رأيها الذاتي المستقل عن الرجل وعن قيود قوامته!
ولا يخفى أن روح الاستقلال قد حرص الإسلام على إنمائها في شخصية المرأة دونما حاجة لإلغاء حكم القرار في بيتها أو دعوة المرأة للانسـحـاب من أدوارها المنزلية الرئيسة، ودونما حاجة أيضاً لتعليمها علوماً لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية!
فالخطاب القرآني نادى المرأة على أنها كائن له حـريـتـه واستقلاله؛ إذ منحها مثلاً حرية الدخول في الإسلام دون اشتراط رضا ذويها!
بــل وقَبِلَ النبيُّ # ـ بأمر من ربه ـ مبايعة المرأة له على اعتبار أنها كائن مستقل عن الرجل وليست ملحقاً له:((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [الممتحنة: 12].
ولـو تأملـت في حقيقة مطالبة الإعلام بمنح المرأة فرص التعليم بأنواعه أو ما يسمى بحركة الـتـنـويـر فستجد أن النساء الرائدات اللاتي أبرزهنّ الإعلام ورفع راية المطالبة بحقهنّ في التعليم.. يعانين من تخلُّف وجهل شديدين حتى بعموميات الإسلام ومجمل أحكامه!
وكأن دائرة التعليم تضيق عن أحكام الدين في الوقت الذي تتسع عند نزعة العُري والرغبة في الاسترجال والتخلص من معالم الأنوثة والفطرة! والانسياق الغبي وراء قيم ومفاهيم المرأة الغربية بـكـل مــا فـيـهــا من انحرافات ومفاسد وأوبئة!! مما حرم هؤلاء النسوة من العلم الشامل والتحرر الحقيقي، وأوقعهنّ وبشكل أسوأ في جهل ورِقٍّ مختلفين!!
فالحجاب ـ مثلاً ـ أغفل الإعــلامُ الـجـانـبَ النصيَّ (الشرعي) منه، وصوَّره على أنه عادة شعبية يتوارثها الأجيال ـ فيؤكدون ـ بذلك دونـيـتها، ورغبة المجتمع الذي تعيش فيه في عزلها عنه نفسياً وجسدياً! وهو بذلك معضلة حقيقـيـة تقف عائقاً في طريق هذه المرأة نحو النهوض والتعلُّم والارتقاء، ونحوه!
ولـم يـقــف دور الإعلام عند تصوير الحجاب بهذه الصورة الخلفية الرجعية! وإنما تعدى ذلك إلى إيذاء المحجبات تصريحاً أو تلميحاً!
ففي الوقت الـذي يـدنـدن الإعـــلام حول إعطاء المرأة حريتها المسلوبة تتلون هذه الدندنة وتصبح هجمة شرسة يمارسها الإعـــــلام ضد كثير من المحجبات؛ كما هو الحال مع فئة التائبات اللاتي أعطى الإعلام نفسه حـــق الـتـحـدث حتى عـن نواياهن وما تنطوي عليه قلوبهنّ! كما تولى كبر الهجوم على الحجاب بتأيـيـده ومـنــاصرته لبعض الحكومات التي منعت المحجبات من دخول الجامعات ودور العلم ليمارسن حقهنّ المشروع في الحياة!
أما التعدد: فليس بوسعنا تجاهل طرح الإعلام له بصورة مـتـشـنجة وعدائية تزرع في حس المرأة شعوراً بأن التعدد حكمٌ شُرع عليها لا لها؛ وذلك بعرضه الـمـسـتـمـر للمشاكل والآثار الاجتماعية السيئة للتعدد بدءاً بكمٍّ هائل من قصص النزاع بين الزوجات وضــرائـرهـــــنّ وأزواجهنّ، وانتهاءاً بحالات التيه والضياع التي يتعرض لها أبناء الأزواج المعدِّدين والذين ينشؤون بين عواصف مهيبة من الشقاء العائلي!
وهذا كله لم يكن الهدف الإعلامي منه هو احتواء المشكلة وإيجاد حلول لها وإنما الهدف ـ كـمـا يـظـهــر ـ إقــصـاء الحكم الشرعي كله وإظهار عدم تناسبه وتواؤمه مع روح العصر ومعطياته!!
وإلا فإن الإيمان بما للتعدد من آثار اجتماعية سيئة قد تنتج عنه في حالات وظروف معينة لا يـجـعـلـنـا نلقي بلائمة على الحكم ذاته، وإنما ثمة أسباب حقيقية منها: فساد أخلاق المرء، وضعف ديـنـــه، وتجــــاوزه وعدم انضباطه بالآداب الإسلامية المشروعة التي تُلزِم الشخص المعدِّد بضوابط وحدود مـعـيـنـة تتواءم مع الحركة الطبيعية لبنية المجتمع الذي يعيش فيه. وهذا الشخص المعدِّد لم يكن الإعلام منصفاً في تشكيل ملامح صورته؛ إذ أظهره على أنه شخص مغرِق بنزوات ورغبات جنسية ملحة.
بينما يمارس الإعلام تجميل حالة أولئك الذين يتبعون رغباتهم بطرق حيوانية وتحسينها؛ على الرغم من أن نتيجتها غالباً ما تكـون جملة من انحرافات ورذائل وجمهوراً من أطفال غير شرعيين!
الآثار الملموسة لإفساد المرأة ظاهراً وباطناً بفعل الإعلام الموجَّه:
لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة!
وهــذه الآثــــار تبدو بدرجات متفاوتة كمّاً ونوعاً؛ إذ تختلف من مجتمع لآخر ومن امرأة لأخرى. كــمـا أن أساليب الإعلام في التأثير والتوجيه مختلفة ومتنوعة؛ إذ قد يكون قصير المدى يظهر نـتـاجـــه مباشرة. وقد يحدث التأثير في ظل عملية تراكمية تحتاج فترة زمنية ممتدة وطويلة ليتم التغيير الكامل في المواقف والمعتقدات والقناعات.
ولذلك فقد يطول بنا الـمـقام لو أردنا عرض كل نماذج آثار الإعلام في إفساد المرأة المسلمة؛ لكننا سنكتفي بذكر بعضها اختصاراً:
أولاً: ولعله أبرزها وضوحاً وأشدها خطراً وهو فقدان المرأة المسلمة لهويتها الإسلامية وتميز شخصيتها وسحب قدر كبير مـــن انـتـمـائـها لدينها وتراثها! وهذا نتيجة حتمية للظاهرة المرضية المتمثلة في التقليد والتبعية (للآخر)!
فالصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة ـ في أهدافها وطبيعة مضامينها ـ لا تـعـكـس قـيـم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج؛ بل تكرس نموذج المرأة الغربية وتظهره بصورة ترسخ في الأذهان على أنه هو النموذج القدوة!!
وهذا التكريس كان سبباً طبيعياً ومباشراً لضمور الفارق في الاهتمامات والممارسات بين المرأة المسلمة المعاصرة في بعض البلدان الإسلامية وواقع المرأة الغربية!
ثانياً: الفراغ الفكري والإغراق في الهامشية الذي تعاني منه المرأة المسلمة المعاصرة:
ومع أنه يُفترض أن يـكـــون للإعلام النسائي مهمة بنائية وتربوية تهدف إلى الارتقاء بفكر المرأة نحو آفاق أشمل وأبعد؛ بحـيـث يـكــون دوره معها حلقة مستمرة من التعليم والتربية والتثقيف.
إلا أن واقع الإعلام الموجَّه للمرأة يؤكد أنه قد مارس تهميش فكرها وتعامل معها على أنها جسد وحسب!
فـطـغـيـــان البرامج الترفيهية التافهة وإشغال جزء من ساعات البث، وصفحات الصحف بالغث مـــن الموضوعات التي تحصر اهتمامات المرأة بدائرة ضيقة تنطلق بالاهتمام بالشكل وتنتهي إلـيـه! بدءاً بالموضة والأزياء، الإكسسوار، وبرامج التخسيس وعمليات التجميل! وانتهاءاً بكيفية استغلال المرأة إمكاناتها الشكلية (المظهرية) للفت انتباه (الآخر)!
وحقيقة فإن طغيان مثل هذه المواد واحتلالها مساحة كبيرة من البث الإعلامي يعكس نظرة الإعلام للـمـــــرأة؛ إذ يـراهـا وجهاً وجسداً جميلين مع إلغاءٍ وإماتةٍ مستهدفة لروح العقل والفكر والفهم!
وهــذا كله جعل المـرأة نفسها تعيش خواءاً فكرياً وفراغاً روحياً وخلطاً عجيباً بين الغايات والوســائـل! واخـتـلالاً ظـاهــراً وعدم توازن في النظرة لكثير من الأمور؛ ففي الوقت الذي يتبلور المفهوم الإسلامي الـمعتدل للجمال على أنه وسيلة تأخذ منه المرأة قدراً معيناً تُحقق به أنوثتها يزرع الإعلام في حـــس المرأة أن (الجمال المظهري) غاية تستحق أن تبدد المرأة جهدها ووقتها ومالها بل وربما تعيش لأجله!!
وبهذه الهمة الدنيوية والاهتمامـــات السـطـحـيـة التي أصبحت تشغل المرأة وتسيطر على تفكيرها أخرج الإعلام المرأة وحرمها المشاركة الفعلية التي ينادي بها.
دور الإعلام الإسلامي في التصدي للهجمة:
لـعـل ما ذكر سلفاً يوقفنا وجهاً لوجه أمام القضية الأهم التي اقتضت هذا التناول المتواضع وهي دور الإعلام الإسلامي للتصدي للهجمة الإعلامية تجاه المرأة المسلمة.
وبدايــة فـإن ثـمــة حقـيـقـة يُفترض أن نعترف بها ونعتني بجوانبها وهي افتقار الصحوة الإسلامية ذات الرصيد الجـمـاهـيـري الكـبـيـر إلى الإعلام الشامل والفاعل. وهذه الحقيقة (المرة) ستظل معضلة حقيقية نعاني منها حتى إيـجـــاد الإعــــــلام الإسلامي القادر على المنافسة!
ونحسب أن هذا الإيجاد لن يكون إلا إذا تنامى الوعي الجماعي بأهمية الإعلام في حياتنا وبمـسـيــس حاجتنا إليه، وإذا تخلص أبناء الصحوة من سيطرة العقلية النكوصية المتشوقة للماضي والتي تحفز لدى أصحابها أحاسيس العزلة والانسحاب والخوف من الجديد سواء كان رأياً أو ثقافة أو مشروعاً حضارياً!
فالواقع أن ـ المسلم المعاصر ـ ليس راضياً عن الأوضاع القائمة في الإعلام المعاصر ويرفض كل الاتجاهات والقيم والأسس السائدة المنبثقة منه.
وتـنـحـصـــر رؤيته تجاه الإعلام بأنه عدو آخر يجب بغضه والحذر منه وإدارة الظهر له وحسب!! دون محــاولـــة إيجاد بدائل «مسموعة، مرئية، مقروءة» واتخاذها خطوة أولى في طريق الحل الطويل!
فـالـخـطـــــوة وإن كانت متأخرة عن مسيرة الإعلام (الآخر) وضئيلة مقارنة بحجم قدراته وآلياته إلا أنـهـــــا سـتـزرع الأمـــل بنقلة نوعيــة تتجاوز فيـــها ردة الفعـــل إلى الفعــل نفســــه، وتتخطى الندب والتشاكي إلى العمل الجـاد.
فقد مضى على الصحوة زمن طويل مــارســــت فيه التحذير من جملة المجلات والصحف والبرامج المرئية الموجهة للمرأة وذكر قائمة طـويـلــــة من مضارها ومخاطرها، وتقديم حل إسلامي جاهز للعرض وهو مقاطعتها وإغلاق الأبواب دونها وحسب!
بمعنى أن موقفها الإعلامي بدأ بالرفض وانتهى إليه.. وهو الموقف الأسهل دائماً!
وكان يفترض أن يثمر هذا الموقف ـ على الأقل ـ عن أوراق عــمـل ودراســـــــات ومشاريع إعلامية مستقبلية مقترحة تساهم في إزالة الرهبة من خوض الـتـجـربـــة الإعـــلامية لدى الإسلاميين وتشعرهم بأن هذا الكم الهائل والاهتمام الكبير بالمرأة المعاصرة من قِبَـل الإعلام (الآخر) والذي يغمرنا بقوالب متنوعة ما بين برامج مرئية وصحف ومجلات متـخـصـصة إنما هو تحكُّم في مستقبل هذه المرأة، وتشكيل لفكرها وعقليتها، وصياغة جديدة لممارساتها واهتماماتها ـ على غير ما نريد ـ!!
ومـــــن ثَمَّ فــــإن المقاطعة ستبقى حلاً مؤقتاً لو ناسب مرحلة زمنية معنية ـ افتراضاً ـ فلن يُناسب المراحل التي ستليها ـ يقيناً ـ.
فالاختراق الثـقــافي الذي تتسع دائرته يوماً بعد آخر سيتيح للجيل إلغاء الحدود والسدود وعنصري الزمان والمكان ثم امتلاك القدرة للوصول إلى جميع أنحاء العالم؛ وربما يكون ذلك بطريقة أقل تـكـلـفـــة وأســـهـل استعمالاً من الضغط على الريموت!! لذا فليس من الواقع المنطقي والعملي ـ ونحن أمام ثورة تقنية ضخمة لوسائل الاتصال ـ أن نربي الجماهير على المقاطعة والانعزال ونحرمها مــن الـتـكـيـف الإيجابي بإيجاد البديل الهادف الذي يحفظ خصوصيتنا العقائدية والثقافية، وفي الوقت ذاته يكون عوضاً لنا عن مرارة الشكوى وسلبية الانعزال.
وثمة ملامح أولية لهذا التكيف أوجزها فيما يلي:
1- ضرورة توعية الأمة بأهمية الإعلام، والتذكير بأننا أمة قام تاريخها المجيد من خلال وســائـل إعـــلام إما مقروءة مثلها الكتاب، أو مسموعة من محاريب يرتفع صوتها بالقرآن ثلاث مرات يومــيـاً، ومــن مـنـابــر ارتفع منها صوت الخير والنصر والإرشاد منذ مرحلة التأسيس وإلى قيام الساعة.
2- أهـمـيـــــة الاحتفاء بالبحوث والدراسات والممارسات الإعلامية على اختلاف هويتها وتوجهاتها ومحاولة استيعابها والإفادة منها، مع تحريض النخب من الإسلاميين من ذوي الخبرة المهنية والـمـيـدانية لتقديم رؤاهم ومعالجاتهم للاتكاء عليها في بدايــة التجربـــة؛ فقــد تلفت النظــر لمسارات واتجاهات إعلامية غائبة نحـن بـحاجـــة إليهـا.
3 - صناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه وألوانه؛ على أن تكون هذه البدائل ملتزمة بالرؤية الإسلامية ومؤطَّرة بالمرجعية الشرعية، مع تذكير المتلقي المعاصر إلى أن صياغة هـــذه الـبـدائــل صـيـاغــة إسلامية إنما هو صورة من صور التحدي الحضاري الذي يواجه الأمة في الحاضر والـمـسـتـقبل، ويتطلب من أبنائها مزيداً من سعة الأفق والمرونة والإنصاف والتخلص من الأحكام الجــــاهــــزة (ومـبـدأ: إمــا صفر أو مائة بالمائة)!! إذ إن وجود خلل أو خطأ أو تجاوز هو من طبيعة العملية الإعلامية ـ ولا شك ـ.
4 - الرؤية الشاملة للإعلام الإسلامي ـ المنتظر ـ وعدم حصره بالإعلام الديـنـي الـبـحت؛ حـيـث لا يُـنـتـظـر مـنــــه التركيز على إيضاح الجانب العبادي، كما هو الحال مع نتاج الصحافة الإسلامية الذي يـغـــلــــب عليها ما يتعلق بالعبادات، وكما هو الحال أيضاً مع البرامج المرئية الدينية التي لا يعدو نتاجها عن فتاوى وأحكام وتوجيهات وعظية مباشرة وتلاوات قرآنية مكررة.
5 - الإلمام بالواقع الذي ينبثق منه الـخـطـاب الإعــــلامي الإسلامي ويوجه إليه؛ بحيث يستند في مضامينه إلى تصور موضوعي لواقع متلقيه والمـسـتـفـيــديـن مـــنــه واحتياجاتهم الحقيقية؛ ففي قضية المرأة ـ مثلاً ـ: لا بد أن نحدد أولاً من هي المرأة التي نتحدث إليها؟ واستيعاب كامل مراحلها العمرية واهتماماتها وقابليتها، ومن ثَمَّ: ماذا نُريد مـنـهـا؟ وماذا نُريد لها؟
بمعنى أن يكون لإعلامنا مع المرأة المسلمة هدف رئيس ينشد تحقيقه؛ بحيث لا يكون جل نـتـاجــه ردود أفعال لأطروحات الآخر أو تفنيداً لآرائه وهجماته وحسب؛ فالأصل تقديم مادة ذات مـهـمـــة وقائية بنائية معاً؛ بحيث تبني شخصية المرأة المتلقية المتزنة والمستقلة القادرة فيما بعد على تفنيد ما تسمعه أو تراه أو تقرؤه!
وبعد: فهذه الكتابة لا تعدو عن كونها ومضات أمل بأن ترفع الأمة راية جهادها الإعلامي فتخوض معركة الـكـلـمـــة والمعتقد في زمن تجوبه الأقمار الصناعية، وتسود فيه الذبذبات الإذاعية ليل نهار.
|