من الطرائف , و لكن , الباعثة على الحزن ! ما آل إليه حال بعض المنتسبين للتدين أو لبعض الولايات الشرعية , ممن أصبحوا يشكلون ظاهرة يصح تسميتها ب( المشايخ التايوان ) , و أعني بالطبع " شلة " المفتين الجدد , أو النسخة السعودية لجمال البنا , الذين باتوا يخرجون لنا بين الحين و الآخر بفتاوى و أقوال مضحكة!
و لذلك فلم يعد مستغرباً أن نسمع من يفتي قريباً بجواز تبادل القبلات بين الشباب و الفتيات في الأماكن المكشوفة دون المظلمة , بشرط أن تؤمن الفتنة و أن تكون الفتاة محتشمة و معها محرم ! و ليس بمستغرب أن نسمع من يفتي بوجوب شرب الخمر على كل مسلم بالغ عاقل , لورود النص الصريح في القرآن الدال على اشتماله على بعض المنافع , و لأن كل منفعة تعد مما جاءت بها الشريعة , و لثبوت فعل الصحابة لذلك في صدر الإسلام , و لأنه جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني روايات متعاضدة تفيد بذلك !
و الواقع أن المتأمل في ظاهرة هؤلاء (المشايخ التايوان ) , يلحظ أموراً و قواسم مشتركة بينهم , من شأن إدراكها معرفة الطريقة الأفضل للتعامل معهم , و من هذه المشتركات :
أولاً : أن الباعث على فتاواهم , ليس القيام بما أخذه الله على أهل العلم , من ضرورة البيان و أداء أمانة التبليغ , و إنما باعثها الحقيقي باعث شخصي مأزوم أو مصلحي ضيق , و بمعنى آخر , فإنه و بالتتبع لحال أولئك المفتين , يتبين أن هناك منهم من يفتي بفتوى لا يعتقدها و لا يرضاها , بل هو يمارس خلافها , و إنما يريد بفتواه المناكفة و المراغمة و النكاية في بعض خصومه , و آخر يجد نفسه محاطاً بالأضواء فجأة بعد تسنمه لإحدى المراتب و المناصب الدينية الشريفة , لكنه- لشدة إبهار تلك الأضواء , و ربما لقلة حكمته في التعامل معها- يأخذ في إطلاق التصريحات التي ليست من "صميم " منصبه , بل و يأخذ في "الإضاءات" يميناً و شمالاً بما لا يتناسب و تلك المرتبة الشريفة , فتكون النتيجة أن يجد نفسه محترقاً بتلك الأضواء , فيتوهم و يظن أن أقصر الطرق للعودة إلى تلك الأضواء هو الاستفادة من تجربة الآخرين (المشايخ التايوان ) , كيف و هو يرى أثر فتاواهم السحرية , و قدرتها المذهلة على إبقاءهم تحت الفلاشات وقتاً أطول , بل و حمايتهم من الإقالات , و ليس التسريع بها !
ثانياً : أن غالبية أولئك المفتين ليسوا من أهل الفقه و الفتيا , و إنما هم أشخاص مظهرهم التدين , و يشغلون بعض الولايات الشرعية ( قضاء , هيئات , إمامة مسجد , الخ..) , و عليه فإنهم يعتمدون في الترويج لأقوالهم على قوة المنصب الشرعي الذي يشغلونه , لا على قوة الدليل او المكانة العلمية لهم .
ثالثاً: أنهم يظهرون تناغماً عجيباً مع إحتفاء الإعلام- الليبرالي – بطروحاتهم الشاذة , فلا يصرح أحدهم بكلمة إلا وجد نفسه ضيفاً عزيزاً على استديوهات قناة العربية , بالإضافة إلى احتضان الصحافة لهم عبر استقطابهم للكتابة المنتظمة فيها .
رابعاً : أن هؤلاء ( المشايخ التايوان ) يمثلون وجه العملة الآخر للمنتكسين الأوائل( السبتمبريون) , الذين انشقوا عن المعسكر الإسلامي , غير أن الفرق بين الفريقين , هو أن ( السبتمبريون) غادروا و انتقلوا إلى المعسكر الليبرالي جهاراً نهاراً, بعد أن راهنوا على نجاح مشروع ( الكاوبوي ) في المنطقة , أما ( المشايخ التايوان ) فقد آثروا أن ينقلوا الفكر الليبرالي نفسه إلى المعسكر الإسلامي , في عملية أشبه ما تكون ب(أسلمة الفسق الليبرالي ) , و بالطبع فإن هذا الطرح يعتبر , و لا شك , أهم و أقوى في التأثير , فهو بمثابة الثورة الداخلية أو الحرب الأهلية , التي لا يحتاج معها العدو إلى غير التفرج و الفرح بالنتائج , بخلاف الطرح السبتمبري , الذي بات تأثيره محدوداً لصعوبة التفريق بينه و بين طرح المتحدث بإسم رئيس الوزراء الإسرائيلي " مارك رجيف ".
من هنا , و بعد إدراك هذه النقاط , و بالذات ما يتعلق بملابسات و أسباب هذه الفتاوى , فإنه يمكن القول بأن أفضل طريقة للتعامل مع هؤلاء المفتين هو معاملتهم بنقيض ما أرادوا , و أعني الإعراض عنهم و اطّراح خزعبلاتهم و طرائفهم , و عدم الدخول معهم في مناظرات و مجادلات , حتى لا تتضخم أحجامهم أكثر مما ينبغي , و كما يقول المثل العامي ( الخصران يقطع المصران ) , و لن تلبث فتاواهم ( أبو ريالين ) أن تداس بالأقدام , و إن أمكن التلطف بهم و بذل الجهد في ردهم إلى الحق , فهو أحسن ما يمكن فعله.
و لا يتعارض هذا كله مع بيان الحق للناس بالدليل الشرعي , لكن مع عدم التركيز كثيراً على مهاجمة أشخاص أولئك المساكين , بل مناصحتهم و تبيين خطورة منهجهم على أنفسهم , و إلا فإن دين الله محفوظ. |