يوم الخميس، السادس والعشرين من شهر ربيع الأول، من عام ثمانمائة وسبعة وخمسين للهجرة، كان الفتح الإسلامي على موعد لعناق القسطنطينية، فقد جمع محمد الفاتح جيشه، وكانوا نحو (250000) جندي، خطب فيهم خطبة عصماء، حاثاً إياهم على الجهاد، لتحصيل إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة. وذاكراً الأحاديث التي تُبَشِّر بفتح القسطنطينية، وفضل الجيش الفاتح لهذه المدينة.
نُصِبَتْ المدافع الثقيلة قُبالة أسوار القسطنطينية، وتوزعت الجنود، وبدأ القتال، وأحكم السلطان قبضته على المدينة، فيما قاوم البيزنطيون مقاومة عنيفة، وانتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بها، إلاّ أن العائق الأكبر هو عدم قدرة سُفُن السلطان الوصول إلى القرن الذهبي، بسبب وجود سلسلة ضخمة تسمح للسفن البيزنطية الوصول إلى المدينة، وتزويدها بالمؤن والسلاح، ومنع سفن السلطان من الاقتراب من المدينة.
المدافع تدك أسوار المدينة، البيزنطيون يعيدون بناء الأسوار سريعاً في مقاومة شرسة، ووصول الإمدادات الصليبية من الدول الأوروبية إلى القسطنطينية، عن طريق السفن البيزنطية، من خلال ذلك الممر المائي، يجعل الحصار لا يحقق أهدافه، فلابد من وصول السفن العثمانية إلى ذلك الممر، لمنع الإمدادات الصليبية، لكن كيف!! والسلسلة بالمرصاد؟!
لاحت للسلطان فكرة بارعة، وهي نقل السفن من مرساها في بشكطاش إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري الواقع بين الميناءين، مسافة نحو ثلاثة أميال، في أرض غير ممهدة. فأمر فمُهّدت الأرض وسُوّيت، ثم دهِنَتْ ألواح الخشب بالزيت والشحم، ثم وُضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها [1] .
لقد نجح السلطان محمد الفاتح في نقل أكثر من سبعين سفينة عن طريق البر، في طريق غير مستوية، وعلى مرأى من العدو، وإنزالها في القرن الذهبي، نعم نجح نجاحاً باهراً، وكان هذا النجاح -بفضل الله- مفتاح الانتصار، وسبب قطع الإمدادات عن العدو، وبالتالي فتح القسطنطينية.
لقد تجاوز محمد الفاتح -رحمه الله- العقبات تلو العقبات: الإمدادات الصليبية، السلسلة الضخمة، التحصينات الكبيرة، الضغوط النفسية، الخوف من الفشل، الطرق غير الممهَّدة. وكتب فتحاً مباركاً سَطَّره التاريخ بمداد من ذهب: محمد فاتح القسطنطينية.
إن للنجاح طعماً خاصاً، مذاقاً رائعاً، أثراً في حاضر المرء ومستقبله، بل لقد عَلَّمنا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يكون النجاح حليفنا، فليس للكسل، أو الهزيمة، أو تبديد الجهود والأوقات سبيلاً في حياة المسلم.
وهذه قصة نجاح آخر، قمَّة جبل إيفرست، المكسوة بالجليد، ترتفع إلى نحو (9كم)، فوق مستوى سطح البحر، تُعد أعلى جبال العالم، (8848م)، تقع في سلسلة جبال الهملايا، على حدود التيبت ونيبال. هناك فوق أعلى قمة جبل إيفرست، وفي 29 مايو 1953م، استراح إدموند هيلاري ومرشده، والتقطا صورًا لمدة (15) دقيقة قبل أن يبدآ الهبوط. فهما أول رجلين يصلان إلى قمة هذا الجبل.
لقد تجاوز النيوزلندي (إدموند هيلاري)؛ الانهيارات الثلجية، والشقوق العميقة، والرياح العاصفة، وشدّة انحدار الجبل، ونقص الأكسجين في الهواء، وهي الأمور التي كانت سبباً في فشل التجارب العشر السابقة لهذه التجربة، خلال ثلاثين سنة سابقة، بسبب امتلاكه أدوات النجاح: الإرادة، وفرة المعلومات، وامتلاك الأدوات اللازمة [2] .
وقصَّة نجاح ثالثة، (تاكيو أوساهيرا)، أستاذ ثوره اليابان الصناعية، ابتعث من قِبَل حكومته لدراسة أصول الميكانيكا العلمية في جامعة هامبورج بألمانيا، يقول: لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الألماني لما وصلت إلى شيء، كان يحلم بأن يصنع محركاً صغيراً، ووضع لنفسه هدفاً، هو معرفة (موديل) صناعة المحرك، فإن أتقن ذلك، فقد وضع يده على سر هذه الصناعة. إلاّ أن أستاذه بدلاً من أن يأخذه إلى المعمل، أو مركز التدريب العملي، أعطاه كتباً، حتى أتقن نظريات الميكانيكا كلها، وبقي المحرك أمامه لغزاً لا حل له.
ذات يوم، قرأ عن معرض محركات إيطالية الصنع، اشترى محركاً براتبه كاملاً، ذهب به إلى حجرته، نظر إليه كتاج من الجواهر. وقال في نفسه: هذا هو سر قوة أوروبا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا، لغيرت اتجاه تاريخ اليابان.
عثر في رفوف كتبه على الرسوم الخاصة بالمحركات، وأخذ ورقاً كثيراً، وأحضر صندوق أدوات العمل، ومضى يعمل: رسم منظر المحرك، فَكَّكَه قطعة قطعة، رسم كل قطعة على الورق بغاية الدقة، وأعطاها رقماً، ثم أعاد التركيب، يا للفرح، هذا هو يعمل، كاد قلبه يطير من الفرح، استغرقت العملية ثلاثة أيام، كان يأكل في اليوم وجبة واحدة، ولا ينام إلاّ بما يمكنه من مواصلة العمل.
حمل النبأ إلى رئيس البعثة، الذي شكره، وقال: سآتيك بمحرك متعطل، وعليك أن تفككه، وتكشف موضع الخطأ، وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وخلال عشرة أيام، عرف مواضع الخلل، والتحق بمصانع صهر الحديد والنحاس والألمنيوم ليصنع القطع بنفسه، بدلاً من إعداد رسالة الدكتوراه - كما أراد أساتذته الألمان - يقول: كنت مرتاحاً، فأنا أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء. قضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات، كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم، بعد انتهاء يوم العمل، كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة. ثم اشتري آلات وأدوات، وعاد إلى اليابان. وهناك طلب إمبراطور اليابان رؤيته، فقال: لن أستحق مقابلته إلاّ بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً.
استغرق ذلك تسع سنوات. وفي يوم من الأيام حمل مع مساعده عشرة محركات صنعت في اليابان، قطعة قطعة، حملوها إلى القصر، ووضعوها في قاعة خاصة، بنوها لهما قريباً منه، وأداروا المحركات، ودخل الإمبراطور، فلما سمع صوت المحركات قال: هذا أعذب صوت سمعته في حياتي؛ صوت محركات يابانية خالصة.
يقول: نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب، وبعد ذلك نمت عشر ساعات كاملة لأول مرة في حياتي منذ خمس عشرة سنة [3] .
أخي الكريم.. أختي الكريمة
"الفرق الأساس بين الأشخاص الذين حققوا نجاحاً في أي ميدان من الميادين، وأولئك الذين لم يحققوا مثلَ هذا النجاح، هو أن الأشخاصَ الناجحين وجهوا أسئلةً أفضل، ومن ثم توصلوا لإجابات أفضل، منحتهم القوةَ لكي يعرفوا ما الذي يجب فعلُه في أية وضعية يجدون أنفسهم فيها" [4] .
سؤال ينبغي أن تستعرضه، وتراجعه بين الفينة والأخرى، ثم تُقيِّم نفسك من خلاله؛ ما النجاحات التي حَقَّقتها في حياتك؟! نعم هل أنت من الناجحين في حياتك؟ أنت واحد من مليار مسلم على وجه البسيطة، ما دورك؟ إن الله منحك نِعَماً عديدة، واختصك بمزايا ليست لغيرك، فهل استثمرتها الاستثمار الأمثل؟! ما هدفك في الحياة؟ وأين أنت الآن في هذا الهدف؟
ثماني وصايا على طريق النجاح، أنثرها بين يديك:
الأولى: أعظم نجاح في حياتك، هو مرضاة الله عليك.
النجاح سُنَّة من سنن هذا الكون الفسيح، وهو غاية كل مؤمن، وسبيل سعادته وافتخاره الحقيقيين، ذلكَ حين ينجح في امتحان يوم القيامة، حينما تبيض وجوه وتسودّ وجوه، وتعلو أنفس وتسقط أخرى. (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [5] . نعم فاز فوزاً لا خسارة بعده، وتَنَعَّم نعيماً لا شقاء بعده، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [6] .
إنَّ إيمانك بالله هو أصل كل نجاح، ومتى تَجَرَّد نجاحك من هذا الأصل، ففي حقيقته بوار وخسران مبين، بل إن إيمانك بالله، وتفانيك في طاعته والتزام أمره، هو الدافع الحقيقي للنجاح في دنياك وأخراك.
الثانية: حريٌ بمن نَفِدَتْ خَزائِنُهُ أن يَعتَمِدَ على من لا تنفَد خزائِنُهُ.
أنت ضعيف بنفسك، قليلة حيلتك، ذاهبة خبرتك، يحيط بك الأعداء من كل اتجاه، يتربصون بك؛ أولهم نفسك التي بين جنبيك تأمرك بالسوء، ثم بعض قرابتك أو أصحابك يزيِّنون لك القبيح، ثم وساوس شياطين الإنس والجن. ولذا فإن كمال غناك في افتقارك إلى مولاك، وقد تفضَّل سبحانه بإعانة من تعلَّقَ به. أما من سار في طريق، ولم يكن مستعِينًا بالله مفتقِرًا إليه أغلِقَت في وجههِ الدّروب، وتعثَّرَت أمامه المكاسِب.
إن تقوية علاقتك بالله الذي بيده خزائن السموات والأرض هي سبيلك الوحيد لتحقيق نجاحاتك، وللوصول إلى أهدافك، وللتغلُّب على ما يعترضك من عقبات، فالله الله بالصلاة في وقتها، وقراءة القرآن، والذكر والاستغفار، والحجاب الساتر، ثم كثرة الدعاء في الليل والنهار، في خلواتك وصلواتك، سله سبحانه بقلب منكسر، وعين دامعة ما استطعت، سلْ الله لك سعادة أبدية، وطمأنينة في حياتك، سله أن يوفقك لما تطمح إلى تحقيقه، سله من خيري الدنيا والآخرة.
الثالثة: اجعل أهدافك مستوحاة من حياتك
ادرس قدراتك وطموحاتك بواقعية؛ لا تقارن قدراتك مع من هم أعلى منك، أو أقل منك شأناً، كما لا تذهب بعيداً في طموحاتك بما لا يتناسب مع مهاراتك أو الزمن المحدد لتحقيق هذه الأهداف. فإنَّ من شروط الأهداف الناجحة، أن تكون: محدَّدة، وواقعية، ومرتبطة بزمن. إننا نفشل إذا لم تكن ثمَّة أهداف واضحة مدروسة أمامنا، أو ليس لدينا إيمان راسخ بأهمية بذل الغالي والرخيص، ومصارعة الصعاب لتحقيق أهدافنا.
خذ ورقة وقلماً، أعط نفسك متسعاً من الوقت للتخطيط لمستقبلك، إنَّنا نتَّفق معشر المسلمين على هدفنا الأكبر، وهو تحقيق مرضاة الله تعالى، ونيل الجائزة العظمى، وهي دخول الجنة، نسأل الله أن نكون وإيَّاك من أهلها. لكن، هل وضعت لك أهدافاً متوسِّطة للوصول لتحقيق هذا الهدف الأكبر؟! وما أهدافك قصيرة المدى على هذا الطريق؟!
اكتب أمنياتك في الحياة: (مرضاة الله، التخرج من الثانوية أو الجامعة، بر الوالدين، ثقافة واسعة.. الخ)، ماذا تتمنَّى تحقيقه في حياتك، لاحظ أن أمنياتك هي غِراس أفكارك، وأفكارك هي غذاء أقوالك، وأقوالك هي التي ترسم خُطا أفعالك.
ارسم مثلثاً، وقسِّمه إلى أقسام ثلاث؛ ضع في القسم الأعلى منه هدفك الأعلى الذي ترغب تحقيقه، ثم في منتصفه أهدافك المتوسطة لتحقيق هذا الهدف الأعلى، وفي أسفل المثلث أهدافك قصيرة المدى للوصول إلى الأهداف المتوسطة، وكأنَّنا أخذنا ثلاث خطوات للوصول إلى أهدافنا الكبرى. حَدِّد زمناً مَرِناً لتحقيق أهداف كل مرحلة، وراقب إنجازاتك فيها، ضعها أمام ناظريك دائماً؛ إنه تقويم مستمر، يومي، أو أسبوعي، أو شهري، أو حتى سنوي.
الرابعة: التخصص مطلب مُلِحّ في زماننا هذا.
اعمَل على أن يكون لكِ تَمَيِّز في ميدان معين، تنبغ فيه، تبذل جهدك لاحتواء أطرافه، ولا يمنع من أخذ شيء من العلوم الأخرى، فقد كان هذا هدي صحابة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه في النسب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القوة، وعثمان بن عفان رضي الله عنه في الحياء، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في القضاء، وأبي بن كعب -رضي الله عنه- في القراءة، وحسان بن ثابت -رضي الله عنه- في الشعر، وزيد بن ثابت -رضي الله عنه- في الفرائض، وثابت بن قيس -رضي الله عنه- في الخطابة، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- في التجارة، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنه- في معرفة الحلال والحرام، وأبو عبيدة -رضي الله عنه- في الأمانة، وابن عباس -رضي الله عنه- في التفسير، وخالد بن الوليد -رضي الله عنه- في الشجاعة، وأبو ذر -رضي الله عنه- في صدق اللهجة.
وأنت، أنت ما التخصص الذي تنشد؟! ارسم خُطاك منذ الآن، فإن التخصص في حياتك العلمية، أو العملية، أو المهارية أمرٌ ضروريٌ، بل هو طريقك للإبداع والتميز، وهو مع ذاك مطلب تربوي ونهج علمي ينادى به في كافة التخصصات.
الخامسة: التخطيط أساس النجاح.
عندما أذن الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أعَدَّ صلى الله عليه وسلم خطة محكمة لتحقيق هذا الهدف. إنَّ خروجه صلى الله عليه وسلم ليس بالأمر الهيِّن، لقد كانت العيون تتربَّص به، وكفار قريش يطلبونه، وهناك في المدينة تنتظره مرحلة أخرى من مراحل الدعوة المباركة؛ ولذا كان من مظاهر هذه الخطَّة: أن يذهب مُتَخَفِّياً لطلب صحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في وقت لم يَعْتد الذهاب فيه إليه، حتى استنكرَ أبو بكرٍ هذا المجيءَ في هذا الوقت، وأدرك أن هذا المجيء لأمر جلل ولغايةٍ عظيمة. ثم أمره صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنوم في فراشه، مع خطورة ذلك على علي رضي الله عنه، لغرض تأخير كفار قريش عن طلبه حتى يبتعد مسافة كافية فلا يلحقه الطلب. وأيضاً أن سَلَكَ طريقاً إلى المدينة غير معتاد عند أهل مكة، وصعد جبلاً معروفاً بِعلوِّه وارتفاعه وكثرة أحجاره، مع البقاء فيه ثلاثة أيام؛ حتى يطمئن إلى انصراف من يتابعه عن طلبه.
والتخطيط يدور على محاور ثلاثة:
أولها: الهدف وهو مقصد كل مسلم، يحفظ وقته، ويضمن صحَّة مساره، فإن من سار على هذه البسيطة دون هدف، كطائر تتقاذفه الرياح، لا يلوي على شيء.
ثانيها: الزمن؛ إذ لا بد من تحديد مدة زمنية مَرِنة للوصول إلى الهدف، مع تقسيم الزمن إلى مراحل متتابعة.
ثالثها: الوسائل الموصلة إلى تحقيق ذلك الهدف، فإن أحسن المرء في تقدير هذه الوسائل، فقد قطع 50% من طريقه إلى الهدف، فإن "الجهل بالطريق وآفاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة" [7] .
السادسة: الإرادة سر النجاح
أَطَعتُ مَطامِعي فَاِستَعبَدَتني وَلَو أَنّي قَنِعتُ لَكُنتُ حُرّا
"إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، ولكنَّه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا، فأمَّا الكبير الذي يحمل العبء فماله والنَّوم، وماله والراحة، وماله والفراش الدافئ، والعيش الهادئ، والمتاع المريح"[8] .
إن الإرادة الحازمة هي سِرُّ نجاح الناجحين، وعنوان المتميزين؛ فالعقبات لا تُثنيهم عن مقصدهم، بل تزيدهم إصراراً لبلوغ أهدافهم، إنها تدفعهم لتحقيق مقاصدهم مهما كلَّف ذلك من مشاقّ، فلا شيء أصعب عليهم من عدولهم عن مقصدهم. ولذا انطلق إلى ما يُزَكِّيك، إلى ما يُحقِّقُ ذاتك، إلى ما يُشعرك بقيمتك في مجتمعك، انشد أهدافاً لنفسك:
وإذا كانت النفوسُ كِباراً تعبتْ في مرادها الأجسامُ
فلا تنشد الصغائر فتصغر نفسك بصغرها
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
السابعة: اجعل من الفشل خطوة للنجاح
الفشل كما يقولون: هزيمة مؤقتة تَصنع أمامك فُرَصاً حقيقية للنجاح، إنها طريق النجاح، ولذا خذ من أي فشل تراه في تحقيق أهدافك، لتصنع منه عتبة في سلم النجاح، يُذكر عن (أديسون) مخترع الكهرباء، أنه حَقَّق (1800) محاولة فاشلة، أدت هذه المحاولات الفاشلة إلى اكتشاف الكهرباء، ولا تنس أن الشخصية الوحيدة التي لا تفشل، هي من لا تعمل. لا بأس من الفشل مرة وأخرى وثالثة، لكن الأهم أن الفشل يعطينا عزيمة أقوى للنجاح في خطوتنا القادمة.
اقرأ في سِيَر الناجحين، استعرض النجاحات التي حَقَّقتَها في حياتك، وإن كانت يسيرة، بل اجعلها وقوداً لتحقيق نجاحات أخرى، وأما التجارب التي أخفقت، فدعها تهوي إلى طي النسيان.
الثامنة: أنت على ثغرة
يُذْكَر أن (لَبِنَة) في سد، كان فاصلاً بين المدينة وطوفان من المياه، جعل أهل المدينة ينعمون بالأمان بإذن الله، لوجود هذا السد الفاصل بينهم، وبين المياه الغامرة.
في ليلة مقمرة، بدأت هذه اللبنة في الحديث بينها وبين نفسها: حتى متى وأنا في هذا المكان الموحش!! حتى متى وأنا لبنة نَكِرَة لا وزن لي!! لِمَ أنا هنا والأنوار الصاخبة تتلألأ أمامي في المدينة!! ماذا يضير لو تركتُ مكاني ورحلتُ لأجد متعة نفسي!! غداً ومع بزوغ خيوط الفجر سأرحل، نعم سأرحل إلى حيث أجد نفسي. وفي الصباح، تحرَّكت (اللبنة) من مكانها، ولم تكد تخطو خطوة واحدة، إلاّ والمياه الجارفة تلتهمها، وتلتهم المدينة بمن فيها، وتُحيلها إلى أثر بعد عين، فلم يتبقَّ للسد أثر، ولم يتبقَّ في المدينة حياة.
أنت هنا، لبنة مهمة في بناء أمتنا الإسلامية، إنَّ أي نجاح إيجابي تُحَقِّقه في حياتك الشخصية، أو الأسرية، أو في مجتمعك، هو نجاح لأمتك، ورقي في مكانتها، وفي المقابل أي سلبية، أو فشل، أو – والعياذ بالله- انحراف وضعف وخور، هو ثغرة تُكْشَف في بناء أمتك الطاهرة.
[1] : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، ودولة الخلافة، بتصرف.
[2] : الموسوعة العربية العالمية، بتصرف.
[3] : الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل، بتصرف.
[4] : أيقظ قواك الخفية.
[5] : سورة آل عمران.
[6] : سورة الحاقة.
[7] : الإمام ابن القيم رحمه الله في الفوائد.
[8] : سيِّد قطب رحمه الله في ظلال القرآن.