| صهيل الحرية.. في ميادين مصر! 2203 زائر 12-02-2011 أ.سحر المصري | بسم الله الرحمن الرحيم فقر.. جوع.. بطالة.. أمّيّة.. أمراض.. فساد.. ظلم.. عمالة.. كل هذه قد تكون أسباباً جوهريّة لإطلاق أي ثورة في العالم.. ولكن حين يكون المطلب الأساس حريّة وكرامة.. فحينها تكتسي الثورة ثوباً بهياً.. وإن زيّنته بقعٌ حمراء.. هكذا انطبع في عقولنا.. مذ كنا صغاراً ونحن نردد.. وللحريّة الحمراء باب بكل يدٍ مضرّجةٍ يُدقّ! هناك مواقف وأمور تبث السعادة في القلب.. قد تكون سجدةً عند كعبة مشرّفة.. أو نجاحاً في الحياة.. أو مولوداً جديداً ينبت في الحشا.. أو عطاءاتٍ تترى.. أو برّ والِدين ورضاهما.. عاقرتها جميعاً وسعدت.. ولكني حين نظرت هبّة الشعوب لانتزاع حريتها من طاغية تجبّر.. أدركت أن لهذه السعادة معايير أُخرى ولذة لا تزاحمها لذة! لأن مهرها غال وليس يبذلها أي أحد! ثورة الياسمين.. ثم ثورة الخلاص.. وتعددت الأسماء لأيام الجُمع المباركة.. لإطاحة نظام لا مبارك.. كانت حصيلته خلال ثلاثين عاماً بلاوي عظيمة.. لعل أعظمها جعل مصر التي كانت أكبر وأقوى بلد عربي يُخشى، جعلها بؤر فساد سياسي واقتصادي وإعلامي.. وطُمِس الأحرار فيه وأُودِعوا السجون.. وبقي نفير الطوارئ يصمّ آذان الشرفاء وبقيت رياح الأسى والأذى تعصف بهم! ولكن مهما عظم الباغي وتجبر لا بد أن ينكسر القيد في القلوب حين يبلغ الظلم مداه فتتململ وتنتفض!
ملايين الأحرار صدحوا بالحق وتجمّعوا ليقتلعوا الخبث.. ويزيحوا عن كاهل الأرض مُلكاً ثقيلا.. فسجدوا لله جل وعلا وحين تسجد القلوب والجباه لمن خلقها فلا بد أن يأتي النصر بإذنه جل وعلا.. شباب ونساء وشيوخ وأطفال.. امتطوا صهوة العز والكرامة وخرجوا يصدحون بالحق لا يرضون عنه بديلا.. خرجوا بأكفانهم.. لا يهابون الموت فالجنّة اشتاقت لروّادها وتزيّنت.. وما ضرّ الأرواح إذا زُهِقت إن كانت ثمناً للحريّة والكرامة؟! طوبى لهم من أرواح وطوبى لهم من أحرار!
كانت قلوبنا تلهج بالدعاء عند رؤيتهم وهم يصرخون في وجه الظلم: ارحل! وما ساءني إلا مشاهد هزّتني من الأعماق!
مصلّون ساجدون يستقبلون القِبلة فيستقبلهم الأمن بخراطيم المياه.. وكان الأولى بالأمن أن يستعمل الماء لتطهير الأرض من بقايا النظام!.. خيول وجِمال لتفرقة الحشود.. ولم يكن ينقص سوى الفيل لينكشف أبرهة أكثر!.. ومشايخ أحترم وأُجِلّ يتوجّهون إلى المتظاهرين عبر محطات مبارك ليتكلموا عن التجمهر في ميدان التحرير كلاماً يجعل الغصّة تكبر وتكبر! وأتساءل: أين كان هؤلاء حين عربد النظام.. أين خطبهم الرنانة وخوفهم على مصر وهي تغرق في الذل والضعف والخيانة للعروبة والإسلام؟! أين كان خوفهم على الشعب حين جاع ومرض واختنق؟! أين كان خوفهم على الاقتصاد حين باع النظام الغاز للصهاينة بثمن بخس وبخسارة مصرية فادحة؟! أين كان وعيهم حين حوصِرت غزة ومُنِعت من الدواء والغذاء وحين ضُرِبت جذور جدار فولاذي يشقّ ثوب العروبة شقّا؟! أين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشد الناس عذابا يوم القيامة اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قوم وهم له كارهون".. لم نسمع إدانة أو تعليقاً أو تصريحاً ولو خجولاً فما بال هؤلاء المشايخ اليوم يستأسدون على الجموع ويطالبونهم بالعودة إلى البيوت فقد قالوا كلمتهم ووصلت أصواتهم ومطالبهم!
لا لم تصل فضيلة الشيخ.. فقد صُمّت الآذان وعميت الأبصار والتصقت الأرواح بالكراسي.. كان الأولى أن تظهروا على الشاشات لتستنكروا شج الرؤوس وقتل الأبرياء بالرصاص والعصي والسلاح الأبيض في أياد سوداء! كان الأحرى بكم أن تطلوا على الفضائيات لتطالبوا النظام بالرحيل وحقن الدماء وكفّ الأذى.. علّ عهداً جديداً يطلّ يملأ الدنيا عدلا كما ملأها هذا النظام جورا!
ومشاهد لن أنساها ما حييت.. أعادتني بالذاكرة إلى محرقة غزة الأبية.. وقد حفرت في عمق الذاكرة مناظر تقشعر لها الأبدان والقلوب إن وعت! فلم أتخيّل أن تُنتزَع الرحمة إلى هذا الحد إلا من قلوب الصهاينة أو أذنابهم في الأنظمة العربية!
سيارة إطفاء تدهس مواطناً على جنب الطريق.. أتراه مشعِل الثورة ذي الأجندة الخارجية؟! وسيارة أمن تمشي على مجموعة من المتظاهرين وتكمل مسيرها بعد أن تسقط الأبدان لتسمو الأرواح عالياً.. وسيارة دبلوماسية أميركية "مسروقة" تضرب جمعاً كبيراً من الناس وتمضي.. وإن كانت السفارة الأميركية سارعت بالتصريح بأن السيارة مسروقة لتُبعِد عن كاهلها شبح الشبهة فماذا تقول بالرصاص والأدوات التي يستعملها "الأمن" ضد الأبرياء وقد كُتِب عليها "صُنِع في الولايات المتحدة الأميركية"؟! ولِم كل هذا الصمت من حامية الحِمى والديمقراطية وراعية السلام والأمن والحرية على وجه الأرض؟! أم أن الخوف قد ابتلع الصهاينة والإدارة الأميركية نفسها من تغيير النظام في مصر فحين يأتي الشرفاء والأحرار ويعتلون سدّة الحكم سيشكّل ذلك خطراً مباشراً على أمن "اسرائيل" ومفاوضات "السلام" المزعوم.. أستغفر الله فهي مفاوضات الذل والخنوع والخيانة!!
ستبقى هذه الصور شاهدة على أسوأ حقبة تاريخية لمصر.. ولكنها ستنتهي بلا شك.. إن أصرّ الأحرار على معانقة الحرية والكرامة.. وإن التصقوا بالأرض وتمسكّوا بثوابت الثورة ولم يتنازلوا عنها.. وإن لم يرضخوا لضغوط عربية أو أجنبية مهما بلغت التضحيات.. هي الحقوق والحريات لا تُهدى وإنما تُنتزع انتزاعاً من أيدي العابثين المفرّطين!
فيا أحرار مصر.. "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".. والثبات الثبات.. فلا يغرّنكم أفول رمز للنظام وظهور آخر خواء رأسه وقلبه كالذي قبله!.. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وقذف كل فريق بآخر ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأعندها، فإذا ثبت تحول كل شئ عندها لمصلحته، وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً، ويبدأ الباطل طريقه نازلاً، وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة".. ولتكن مصر عمرو بن العاص كما أسماها شيخنا حامد البيتاوي حقاً وواقعا..
وغداً.. نهنئ مصر بعودتها إلى عرين الإسلام والعروبة.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..
وستعود البركة إلى مصر "المباركة".. وستعود كلمة "مبارك" إلى قاموس الشعب المصري لينطقها وهو عنها راض! بإذنه..
| | |