أسباب الغيبة وبواعثها: ذكر بعض العلماء للغيبة أسبابًا وبواعث، وفيما يلي خلاصتها: 1- شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوئ من يغتابه. 2- مجاملة الأقران والرفاق ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة. 3- ظن المغتاب في غيره ظنًا سيئًا مدعاة إلى الغيبة. 4- أن يبرئ المغتاب نفسه من سيئ وينسبه إلى غيره أو يذكر غيره بأنه مشارك له. 5- رفع النفس وتزكيتها بتنقيص الغير. 6- حسد من يثني عليه الناس ويذكرونه بخير. 7- الاستهزاء والسخرية وتحقير الآخرين.
حكم الغيبة:
عد الحافظ ابن حجر الغيبة من الكبائر وقال: الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أنها كبيرة، لكنها تختلف عظمًا وشدة بحسب اختلاف مفسدتها، وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم تعدل غصب المال، وقتل النفس بقوله صلى الله عليه وسلم : «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». والغَصْبُ والقتل كبيرتان إجماعًا، فكذا الإيذاء في العرض.
من الأحاديث الواردة في ذم الغيبة والنهي عنها:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذِكْرُكَ أخاك بما يكره». قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته». [رواه مسلم] 2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين». [رواه أحمد وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10- 484) سنده صحيح] 3- عن أبي برزة الأسلمي- رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تَتَّبِعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته». [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني] 4- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فيعذب في البول وأما الآخر فيعذب بالغيبة». [أخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني] 5- عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم». [رواه أبو داود وصححه الألباني] 6- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «أيها الناس أي يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. قال: «فأي بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام. قال: «فأي شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا». فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه، فقال: «اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟» [رواه البخاري ومسلم ] 7- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: «لقد قلتِ كلمةً لو مزج بها البحر لمزجته». قالت: وحكيت له إنسانًا، فقال: «ما أحب أني حكيتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا». [رواه أبو داود وصححه الألباني] 8- عن المستورد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل بِرَجُلٍ مسلم أكلة فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسي ثوبًا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة». [رواه أحمد في المسند وأبو داود واللفظ له وصححه الألباني] 9- عن أبي الدرداء- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». [رواه الترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن وصححه الألباني] 01- عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًا على الله أن يُعتقه من النار». [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني]
هل تحل الغيبة في بعض الأحيان؟
قال النووي رحمه الله: اعلم أن الغيبة تباح لغرض شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أسباب: الأول: المتظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يستطع إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى تغيير المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا. الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة؛ ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز. الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود. ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، بل يجب على المشاوَرِ أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة. ومنها: إذا رأى طالب علم يتردد على مبتدع، أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر الطالب بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة؛ فليفطن لذلك. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحًا لها، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلاً، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه، ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلمًا، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى والأحول، وغيرها جاز تعريفهم بذلك؛ ويحرم إطلاقه على جهة النقص ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
من أقوال العلماء في ذم الغيبة
1- قال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله تعالى، فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء. 2- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه مر على بغل ميت، فقال لبعض أصحابه: لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خير من أن يأكل لحم رجل مسلم. [رواه ابن حبان وغيره موقوفًا] 3- قال الحسن رحمه الله: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، البهتان، الإفك، وكل في كتاب الله عز وجل، فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك. 4- رُوي عن الحسن رحمه الله: أن رجلاً قال له: إن فلانًا قد اغتابك، فبعث إليه رطبًا على طبق وقال: بلغني أنك أهديت إليَّ من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام. 5- عن ابن سيرين وذُكِر له الغيبة فقال: ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة. [الزهد لوكيع بن الجراح] 6- عن الشعبي رحمه الله أن العباس بن عبد المطلب قال لابنه عبد الله: يا بني، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ مني خصالاً ثلاثة: لا تغتب من له سر، ولا يسمعن منك كذبًا، ولا تغتابن عنده أحدًا. [مكارم الأخلاق للخرائطي] 9- عن مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: ويل لكل همزة لـمزة قال: الهُمَزَةُ الذي يأكل لحوم الناس، واللمزة: الطعان. [الزهد لوكيع بن الجراح] 10- عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه قال: قال بعضهم في تفسير العُزلة: هو أن تكون مع القوم فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت. [الصمت لابن أبي الدنيا]
علاج الغيبة:
إن الغيبة مرض خطير، وداء فتاك، ومعولٌ هدام، وسلوك يفرق بين الأحباب، وبهتان يغطي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورًا بين المجتمع المسلم، وتقلب موازين العدال والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج الغيبة يكون بما يأتي: 1- تقوى الله عز وجل والخوف منه سبحانه. 2- اتهام النفس وفطمها عن الشهوات وكفها عن المهلكات وعن تتبع العورات. 3- على المغتاب أن يعلم أنه متعرض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله ما لم يتب إلى الله عز وجل. 4- أن سيئات المغتاب تتعاظم وأن حسناته تتضاءل فيتعرض لغضب الجبار وعذاب النار وبئس المصير. 5- إذا علم المغتاب بذلك فليبادر بالتوبة إلى الله توبة نصوحًا من قبل أن يأتي يوم توفى فيه كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. إنا لله وإنا إليه راجعون ودعت أنصار السنة المحمدية رجلا من رجالها وهو الشيخ/ عبد الرحمن زكي سلام، وذلك يوم الجمعة 31 ذو الحجة، عن عمر يناهز الخمسة والخمسين عامًا بعد رحلة من الدعوة بدأت على يد إمام الجماعة ومؤسسها الشيخ/ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ نسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته. كما ودعت الجماعة من أبنائها الأخ/ عبد الله محمود زيادة رئيس فرع الجماعة بقويسنا، وذلك يوم الأحد 1 ذو الحجة والذي أسس فرع الجماعة بمدينة قويسنا، نسأل الله تعالى أن يجزل له العطاء ويعظم له المثوبة، ويخلفنا عنه خيرًا..
|