أولا: الطلاق في الحيض الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمرُ بن الخطاب رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في تسعة مواضع بالأرقام (4908- 5251- 5252- 5253- 5258- 5264- 5332- 5333- 7160)، وأخرجه الإمام مسلم في الصحيح برقم (1471/1 - 14)، وأخرجه أبو داود في الطلاق برقم (2179)، والترمذي في الطلاق برقمي (1175- 1176)، والنسائي في الطلاق بالأرقام (من 3418 إلى 3429)، وابن ماجه في الطلاق برقم (2019)، ومالك في الموطأ كما في الاستذكار برقم (1176) حـ18 ص8، ومن طريقه أخرجه الشافعي في «الأم» وفي «المسند»، وأحمد (2/63)، والدارمي (2/160)، والبيهقي.
شرح الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: وقد قسم الفقهاء الطلاق إلى سني وبدعي، وإلى قسم ثالث لا وصف له، فالأول: ما تقدم من أنه «يطلقها طاهرًا من غير جماع»، والثاني: أن يطلق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين أمرها أَحَمَلَتْ أم لا، ومنهم من أضاف له أن يزيد على طلقة، (أي أن يطلق طلقتين أو ثلاثًا في وقت واحد ومجلس واحد)، ومنهم من أضاف الخلع، والثالث: تطليق الصغيرة والآيسة والحامل التي قربت ولادتها، وكذا إذا وقع السؤال منها (أي طلبت الطلاق) بشرط أن تكون عالمة بالأمر، وكذا إذا وقع الخلع بسؤالها وقلنا إنه طلاق. قال رحمه الله تعالى: ويستثنى من تحريم طلاق الحائض صور، منها: ما لو كانت حاملاً ورأت الدم وقلنا: الحامل تحيض، فلا يكون طلاقها بدعيًا ولا سيما إن وقع بقرب الولادة، ومنها إذا طلق الحاكم على المولى واتفق وقوع ذلك في الحيض، وكذا في صورة الحكمين إذا تعين ذلك طريقًا لرفع الشقاق وكذلك الخلع، والله أعلم. قوله: «أنه طلق امرأته»: وفي مسلم من رواية الليث عن نافع: «أن ابن عمر طلق امرأة له»، وعنده من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر «طلقت امرأتي» قال النووي: اسمها آمنة بنت غِفَارٍ. وقيل غير ذلك. وقوله: «وهي حائض». وفي رواية ابن أصبغ: «أنه طلق امرأته وهي في دمها حائض»، وعند البيهقي: «أنه طلق امرأته في حيضها». أي طلقها في الحيض. قوله: «على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم » كذا في رواية مالك عند البخاري، ومثله عند مسلم من رواية أبي الزبير، قال الحافظ في الفتح: وأكثر الرواة لم يذكروا ذلك استغناءً بما في الخبر أن عمر سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستلزم أن ذلك وقع في عهده، وعند مسلم في رواية الليث زيادة «تطليقة واحدة»، قال مسلم في آخره: «وجَوَّد الليث في قوله: «تطليقة واحدة». اهـ. وكذلك روى مسلم عن محمد بن سيرين قال: مكثت عشرين سنة يحدثني من لا أتهم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض، فأُمِرَ أن يراجعها، فجعلت لا أتهمهم ولا أعرف الحديث (أي وجهه) حتى لقيت أبا غلاَّبٍ يونسَ بن جبير الباهلي، وكان ذا ثبت، فحدثني أنه سأل ابن عمر، فحدثه أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، فأمر أن يُرْجِعَها. قال: قلت: أفَحُسِبَتْ عليه ؟ قال: فمه، أوَ إن عجز واستحمق؟. وأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الشعبي قال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض واحدة»، ومن طريق عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر أنه «طلق امرأته تطليقة وهي حائض». قوله: «فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك». وفي رواية ابن أبي ذئب عن نافع «فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك». أخرجه الدارقطني، وكذا ساقه المصنف من رواية قتادة، وعند مسلم من رواية يونس بن عبيد، وكذا في رواية طاووس، وكذا في رواية الشعبي، وزاد فيه الزهري كما في كتاب التفسير عن سالم أن ابن عمر أخبره.. فتغيَّظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ في الفتح: ولم أَرَ هذه الزيادة في رواية غير سالم، وهو أَجَلُّ من روى الحديث عن ابن عمر، وفيه إشعار بأن الطلاق في الحيض كان تقدم النهي عنه، وإلا لم يقع التغيظ على أمر لم يسبق النهي عنه. ولا يعكر على ذلك مبادرة عمر بالسؤال عن ذلك لاحتمال أن يكون عرف حكم الطلاق في الحيض وأنه منهي عنه ولم يعرف ماذا يصنع من وقع له ذلك. قال ابن العربي: سؤال عمر يحتمل أنهم لم يروا قبلها مثلها فسأل ليعلم، ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن قوله تعالى: ««فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»»، وقوله تعالى: ««يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ»» أراد أن يعلم أن هذا قرءٌ أم لا؟ ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك، وقال ابن دقيق العيد: وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا فكان مقتضى الحال التثبت (أي التريُّث) في ذلك، أو لأنه كان ينبغي مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه. قوله صلى الله عليه وسلم : «مره فليراجعها» قال ابن دقيق العيد: يتعلق به مسألة أصولية، وهي: أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك أم لا؟ ثم نقل ابن حجر في الفتح المسألة عن ابن الحاجب والخلاف في ذلك، وملخص المسألة كما أنهاها الحافظ في الفتح كما يلي: تنقسم المسألة إلى صورتين: 1- إذا أمر الشارع مكلفًا أن يأمر غيره من المكلفين بأمر، كان الأمر بالأمر بالشيء أمرًا به، ويكون دور المأمور الأول مجرد التبليغ، ويجب على من يأمره امتثال الأمر، فإن لم يمتثله كان عاصيًا. ومن أمثلة ذلك: أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وأصحابه: «مروهم بصلاة كذا في حين كذا..». ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم لرسول ابنته: «مرها فلتصبر ولتحتسب». ونظائره كثيرة. 2- وإذا أمر الشارع مكلفًا أن يأمر غير مكلف بأمر فلا يكون ذلك أمرًا للمأمور الثاني. فإن امتثله فحسن، وإن لم يمتثله فلا حرج عليه، ومثله إذا كان الآمر غير الشارع. ومن أمثلته: قول النبي صلى الله عليه وسلم : «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين».
هل المراجعة واجبة؟
قال الحافظ: واختلف في وجوب المراجعة، فذهب إلى وجوبها مالك وهو رواية عن أحمد، وذهب الجمهور إلى أنها مستحبة، وهو المشهور عن أحمد، واحتج الجمهور بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لا تجب، قال: لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة، قال: والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها، ولأن الطلاق لما كان محرمًا في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة، قال: فلو تمادى الذي طلق في الحيض حتى طهرت (فهل يجبر على الرجعة؟) قال مالك وأكثر أصحابه يجبر على الرجعة أيضًا، وقال أشهب منهم - أي من المالكية- إذا طهرت انتهى الأمر بالرجعة، واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها فلا رجعة حينئذ، وكذا لو طلقها في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها، كذا نقله ابن بطال وغيره. لكن الخلاف فيه ثابت قد حكاه بعض الشافعية، واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر فطرد الباب. قوله صلى الله عليه وسلم : «ثم ليمسكها» أي يستمر بها في عصمته. قوله صلى الله عليه وسلم : «حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر» كذا في معظم الروايات، وفي رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم بلفظ: «مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً»، قال الحافظ في الفتح: وقد اختلف في الحكمة في ذلك. قيل: الحكمة فيه أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق، فإذا أمسكها زمانًا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة، لأنه قد يطول مقامه معها، فقد يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها. وقيل: إن الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه كقرء واحد، فلو طلقها فيه لكان كمن طلق في الحيض، وهو ممنوع من الطلاق في الحيض، فلزم أن يتأخر إلى الطهر الثاني. كذلك اختلف العلماء في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها؛ والحق أنه مأمور بإمساكها في هذا الطهر، ممنوع من طلاقها فيه فكيف يباح له أن يطلق فيه؟ قوله صلى الله عليه وسلم : «ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس». وفي رواية أيوب: «ثم يطلقها قبل أن يمسها». وفي رواية عبيد الله بن عمر: «فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها». ونحوه في رواية الليث، وفي رواية الزهري عن سالم: «فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها». وهذه الروايات يفسر بعضها بعضًا، وفي رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم: «ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً»، وتمسك بهذه الزيادة من استثنى من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه ما إذا ظهر الحمل فإنه لا يحرم. والحكمة فيه أنه إذا ظهر الحمل فقد أقدم على ذلك على بصيرة فلا يندم على الطلاق، وأيضًا فإن زمن الحمل زمن الرغبة في الوطء فإقدامه على الطلاق فيه يدل على عدم رغبته فيها. ثم قال الحافظ: والحاصل أن الأحكام المترتبة على الحيض نوعان؛ الأول: يشرع بانقطاع الدم كصحة الغسل والصوم وتَرَتُّبِ الصلاة في الذمة، والثاني لا يشرع إلا بالغسل كصحة الصلاة والطواف وجواز اللبث في المسجد، فهل الطلاق من النوع الأول فيصح بمجرد انقطاع الدم؟ أو الثاني فلا يصح إلا بعد الغسل؟ قولان للعلماء.
المراد بالأقراء
قوله: «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» أي أذن الله أن تطلق لها النساء، وهذا بيان لمراد الآية وهي قوله تعالى: ««يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»» قال الحافظ: واستدل به - أي بهذا الحديث- من ذهب إلى أن الأقراء الأطهار، وذلك للأمر بطلاقها في الطُّهر، وقوله: ««فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»» أي وقت ابتداء عدتهن، وقد جعل الله للمطلقة تربص ثلاثة قروء، فلما نهى عن الطلاق في الحيض، وبيّن أن الطلاق في الطهر هو الطلاق المأذون فيه علم أن الأقراء هي الأطهار. قاله ابن عبدالبر.
هل يقع الطلاق في الحيض؟
قال الإمام ابن القيم: الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتًا بين السلف والخلف. أي بين علماء الأمة منذ عهد السلف إلى يومنا هذا. وقد اختلف علماء المسلمين في هذه المسألة على قولين مشهورين؛ الأول: يقع الطلاق في الحيض وهو قول جمهور الفقهاء، قال ابن عبد البر: وعلى هذا فقهاء الأمصار، وجمهور علماء المسلمين وإن كان الطلاق عندهم جميعهم في الحيض مكروهًا بدعةً غير سنةٍ، وقد استدل الجمهور لوقوع الطلاق بأدلة منها: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عبد الله ابنه: «مره فليراجعها...» فهذا أمر بالرجعة قالوا: والرجعة لا تكون إلا عن طلاق معتبر. 2- في رواية أنس بن سيرين لهذا الحديث قال أنس بن سيرين لابن عمر: تُحْتُسَبُ؟ قال ابن عمر: فمه؟ قالوا: أي اسكت فإنها تحتسب. لأن «مه» اسم فعل أمر بمعنى اكفف، أو تكون استفهامية، فيكون استفهامًا إنكاريًا. أي فماذا تكون إن لم تحتسب. 3- وفي رواية لمسلم: قال: قلت لابن عمر: أفيحسب بها؟ قال: ما يمنعه ؟ أرأيت إن عجز واستحمق؟ 4- وفي رواية لأحمد في المسند قال: قلت لابن عمر: أفتحتسب طلاقها ذلك طلاقًا؟ قال: نعم، أرأيت إن عجز واستحمق؟ 5- كذلك مما استدلوا به من حديث النظر: ما قرره ابن عبد البر وغير واحد من أهل العلم: قال ابن عبد البر: ألا ترى أن الله عز وجل قال في المطلقات: ««وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ»» [البقرة: 228]، يعني في العدة، وهذا لا يستقيم أن يكون مثله في الزوجات غير المطلقات. القول الثاني: عدم وقوع الطلاق في الحيض، وممن قال بذلك أبو محمد بن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عنه تلميذه ابن القيم وناقش قول الجمهور، وانتصر للقول بعدم وقوع الطلاق في الحيض، وقد استدلوا بأدلة، منها: 1- ما رواه أبو داود بالسند الصحيح الثابت أن أبا الزبير سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر، قال أبو الزبير: وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا ؟ فقال: طلَّق ابن عمر امْرأته حائضًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عليَّ ولم يَرَهَا شيئًا. 2- ما رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن الأعمش أنَّ ابن مسعود رضي الله عنه قال: من طلق كما أمره الله فقد بين الله له، ومن خالف فإنا لا نطيق خلافه. 3- وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا: من أتى الأمر على وجهه فقد بين الله تعالى له، وإلا فوالله ما لنا طاقة بكل ما تحدثون. 4- ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد». وفي رواية: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». قالوا: وهذا صريح أن الطلاق المحرَّم الذي ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم مردود باطل. فكيف يقال: إنه صحيح لازم نافذ ؟ فأين هذا من الحكم برده؟ 5- واحتجوا أيضًا من حيث النظر؛ بأن النكاح المتيقن لا يزول إلا بيقين مثله من كتاب أو سنة أو إجماع متيقن، فإذا وجد واحد من هذه الثلاثة رفع به حكم النكاح، ولا سبيل إلى ذلك. 6- واحتجوا أيضًا بأن الطلاق لو كان يقع في الحيض فلماذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وما الفرق حينئذ بينه وبين الطلاق في الطهر ؟ 7 ـ واحتجوا أيضا بقول ابن عمر: «أرأيت» فإنه لو ثبت لدى ابن عمر رضي الله عنهما أنه احتسبها طلقة ما رد السائل إلى الرأي بقوله: «أرأيت» فإن ابن عمر كان أبعد الناس عن الرأي، بل كان أعظم الناس تمسكا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعد، فإنك - أخي المسلم - ترى اجتهاد الفريقين. ولقد أطال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد) في إيراد أقوال كل من الفريقين وأدلتهما ومناقشة كل فريق لأدلة الآخر، والغرض من ذلك كله بيان اجتهاد فقهاء الأمة لأمر الله ورسوله، وتحري الحق والصواب حتى تكون الفتوى موافقة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وما ورد عن السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الهدى رحمهم الله جميعًا ورضي عنهم، وألحقنا بهم. وإذا كانت الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، فإن أحوال الأمة في أمس الحاجة لمثل هذه الاجتهادات، ففي السعة تكون الفتوى على قول الجمهور في مثل هذه المسألة، وإذا ضاقت السبل، وانسدت المخارج أمام المفتي في قضية من قضايا هذا الطلاق، فلا بأس أن يفتي بالقول الآخر وسيكون له فيه سلف، فيكون الميزان حينئذ- كما قال بعض العلماء- قول الجمهور بمثابة العزيمة، وقول ابن حزم ومن معه من قبيل الرخصة، والله أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
|