| زيارة المرضى في مستشفياتنا والمناظر المؤسفة 2394 زائر 06-07-2010 الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد | الحمد لله الذي جعل زيارة المريض المُسلم عملاً صالحًا مُتقبلاً ، والصلاة والسلام على من أخبر أن زائر المريض في خرفة الجنة حتى يرجع من زيارته ، وعلى آله الأخيار وصحابته الأطهار . أما بعد ؛
فكُلنا نعلم أن زيارة المريض إحدى حقوق المسلم على إخوانه المسلمين انطلاقًا من الحديث الصحيح الذي رواه البُخاري ومُسلم عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام ، وعيادة المريض ، وإتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " .
وهي إلى جانب ذلك بابٌ من أبواب كسب الأجر والثواب العظيم ، الذي جاء في بيانه ما صح عند الترمذي عن علي أبي طالب مرفوعًا أنه قال : " ما من رجلٍ يعود مريضًا مُمسيًا إلا خرج معه سبعون ألف ملكٍ يستغفرون له حتى يُصبح ، وكان له خريفٌ ( أي بستان ) في الجنة ، ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملكٍ يستغفرون له حتى يُمسي ، وكان له خريفٌ في الجنة " .
وليس هذا فحسب فزيارة المريض سُنةً نبويةً تؤلف القلوب ، وتُخفف الآلام والأوجاع عن المريض ، وتُسهم في تآلف الأنفس ، وتعمل على مد جسور المحبة ، ونشر كثيرٍ من معاني التعاطف والمواساة ، وتقوية الروابط بين الأهل والإخوان والأقارب والجيران والأصدقاء ، وغيرهم من أبناء المجتمع .
وعلى الرغم من ذلك كله ؛ فإن هذه الزيارة بمعانيها الكريمة السامية قد تعرضت في وقتنا الحاضر وزمننا ( العجيب ) إلى ما يشينها ويُشوه جمالها في كثيرٍ من الأماكن ؛ إذ إن مما يؤسف له أن نراها وقد تحولت إلى ( ظاهرةٍ سلبيةٍ مؤسفة ) تبرز ملامحها السلبية في بعض المستشفيات الحكومية و الأهلية منذ فترةٍ ليست بالقصيرة ، ومن فئةٍ من أبناء المجتمع الذين أخذوا يقومون بها مصحوبةً ببعض التصرفات الخاطئة التي يُمارسونها بكل عفويةٍ وسذاجة ؛ بل إنهم ربما لا يجدون فيها شيئًا من الحرج أو المُخالفة لما ينبغي أن يكون عليه الحال .
وتتمثل تلك الظاهرة السلبية في بعض المناظر المؤسفة والتصرفات غير المسؤولة التي تشتكي منها كثيرٌ من المستشفيات حينما يقوم بعض ( الزوار ) فيها بتبادل أدوار ( البطولة المؤسفة ) ، وهم يُمارسون العديد من السلوكيات الخاطئة متذرعين بأنهم يقومون بزيارة أقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم المرضى في تلك المستشفيات ، وعلى هذا الأساس فليس غريبًا أبدًا أن نرى البعض منهم يتجمهرون أمام بوابات المستشفيات وممراتها بشكلٍ فوضويٍ لا فتٍ للنظر دونما سببٍ يدعو إلى ذلك ، وبخاصةٍ عندما يحاول البعض منهم ( تسريب ) بعض المأكولات والمشروبات ونحوها للمرضى مع علمهم المُسبق بمخالفة ذلك للأنظمة والتعليمات ، وقد نرى أن من الزائرين من يفترشون الحدائق والمُسطحات الخضراء ومواقف السيارات بشكلٍ عشوائي في مجاميع كبيرةٍ أو صغيرة يودعون فيها ويستقبلون ، وليس بمستغربٍ أبدًا أن نجد من يتجمعون أمام المداخل والممرات لتناول أصناف الطعام والشراب في ردهات المستشفى ، بل إن العجب يزداد حينما نجد من يصطحب أعدادًا من أفراد أهله والأبناء ولاسيما الصغار منهم في زيارته للمرضى ، وكأنه خارجٌ بهم في نزهةٍ أو رحلة خلوية ، إلى غير ذلك من المناظر المؤسفة والمحزنة وغير الحضارية ، التي أجزم ومعي كل عاقلٍ ورشيد أنها أصبحت ظاهرةً سلبيةً ولا فتةً للنظر ، بل إنها أصبحت تستلزم التدخل ( الرسمي ) ، والعمل الجاد على الحد منها والقضاء عليها ووضع الضوابط المناسبة لتنظيمها ، والحرص على نشر الوعي الصحيح في هذا الشأن بين أبناء المجتمع وفئاته ، فكلنا نعلم أن زيارة المرضى تكون للسلام عليهم ، والاطمئنان على صحتهم ، والدعاء لهم ، وكلنا نعلم أن زيارة أو عيادة المريض ينبغي أن تكون مختصرةً وقصيرة ، وفيها يقول الشاعر : أدب العيادة أن تزور مُسلِّمًا --- وتكون في أثر السلام مودعًا فيا أيها الإخوة الكرام ، ويا أصحاب العقول و الأفهام إلى متى تستمر هذه المناظر المؤسفة ؟ وإلى متى تشوه مثل هذه التصرفات واقعنا الاجتماعي المُثقل بالكثير من الصور المؤسفة في شتى المجالات ؟
وإلى متى ونحن نشتكي من مثل هذه الصور والسلوكيات المخالفة للعقل الرشيد والمنطق السديد ؟
إنها دعوةٌ لكل فردٍ في المجتمع للإقلاع عن مُمارسة مثل هذا السلوك ، والعمل على الإسهام الفاعل في التوعية بخطئه ومجانبته للصواب .
والله تعالى أسأل التوفيق والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد |
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها |
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية |
| | |